مستشار الدبيبة يتهم نجل مسؤول أمنى تابع للرئاسي بالتخطيط لاغتياله

عبدالمجيد مليقطة يطالب باتخاذ إجراءات فورية بحق رئيس الجهاز الأمني دون ذكر اسمه بعد أنه اتهمه بأنه 'متورط إداريًا وأخلاقيًا' في محاولة الاغتيال سواء كان على علم بتورط نجله أو لم يكن.
مليقطة يحمل المجلس الرئاسي المسؤولية السياسية والإدارية الكاملة

طرابلس - يمتد الصراع في ليبيا من المجال السياسي إلى داخل أجهزة الدولة، وخاصة الأمنية منها، ما ينذر بخطر حقيقي يهدد كيان الدولة الليبية الهش. فمحاولة اغتيال عبدالمجيد مليقطة، مستشار رئيس حكومة "الوحدة الوطنية الموقتة"، عبد الحميد الدبيبة، لم تكن مجرد جريمة جنائية، بل كشفت عن عمق الانقسامات والتناحر بين مؤسسات الدولة، وتحديدًا داخل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية.
ومليقطة، الذي نجا من محاولة اغتيال بسيارة مفخخة في 14 يونيو/تموز 2024، بالقرب من الطريق الدائري الثالث في طرابلس، وجه اتهامات صريحة لجهاز المخابرات، مشيرًا إلى أن معظم المدانين في محاولة قتله ينتمون لهذا الجهاز، ومن بينهم نجل رئيس جهاز أمني يتبع المجلس الرئاسي.
وتلك التصريحات، التي جاءت بعد صدور أحكام من محكمة جنايات طرابلس بالسجن على سبعة متورطين في الجريمة، سلطت الضوء على أزمة تتجاوز حدود الحادثة ذاتها، وتكشف عن خلل هيكلي عميق في منظومة الدولة، حيث بات الصراع بين المؤسسات الرسمية يشكّل خطرًا أكبر من التهديدات الخارجية.
ففي بيان شديد اللهجة، حمّل مليقطة المجلس الرئاسي "المسؤولية السياسية والإدارية الكاملة"، مطالبًا باتخاذ إجراءات فورية بحق رئيس الجهاز الأمني الذي وصفه بـ"المتورط إداريًا وأخلاقيًا"، سواء كان على علم بتورط نجله أو لم يكن. ففي الحالة الأولى، يتهمه بالتستر، وفي الثانية بالتقصير وفشل الرقابة داخل مؤسسة أمنية يفترض بها أن تحمي الوطن، لا أن تكون طرفًا في محاولات الاغتيال.

واضاف "هذا الشخص وهو محكوم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، يشغل منصب مدير الإدارة التي أشرفت على الإعداد والتنفيذ للجريمة".
وبحسب نص المادة "28" من القانون رقم "11" لسنة 2012 بشأن جهاز المخابرات الليبية، فإن أي مسؤول أمني يثبت تقصيره أو تورطه في أفعال تمس كرامة الوظيفة يُعفى من مهامه ويُحال للمساءلة القانونية أو التأديبية. ورغم ذلك، لا تزال رئاسة الجهاز محصّنة من أي إجراء ملموس حتى الآن، ما يفتح بابًا واسعًا للتساؤل حول نفوذ بعض القيادات الأمنية، وإلى أي مدى تُستخدم مؤسسات الدولة لأجندات شخصية أو سياسية.
إن ما تكشفه هذه القضية لا يقتصر على محاولة اغتيال مسؤول حكومي، بل يعرّي منظومة أمنية مفككة، تتصارع داخلها ولاءات مختلفة بين الحكومة، والمجلس الرئاسي، والميليشيات المسلحة، ما يجعل من أجهزة الدولة أدوات في معارك النفوذ لا أدوات لضبط الأمن والاستقرار ما يهدد جهود الأمم المتحدة لتوحيد البلاد واجراء الانتخابات.
وتشهد ليبيا منذ سنوات صراعًا محتدمًا بين حكومات متنافسة شرقًا وغربًا، لكن الأخطر هو تآكل الانضباط داخل المؤسسات نفسها، وتحولها إلى ساحات صراع خفي بين قيادات تبحث عن تثبيت مواقعها بالقوة أو بالتواطؤ. فأن تكون الأجهزة الأمنية مخترقة من الداخل، ويُستخدم بعض أفرادها في عمليات تصفية سياسية، هو مؤشر خطير على انهيار مفهوم الدولة.
هذا التنازع بين السلطات والأجهزة الأمنية لا ينعكس فقط على سلامة الأفراد، بل يؤسس لحالة من الفوضى المؤسسية التي تُضعف ثقة المواطن في الدولة، وتعزز من سلطة الميليشيات والجهات الخارجة عن القانون. وفي هذا السياق، لا تبدو المؤسسات القضائية والأمنية قادرة، أو راغبة، في فتح ملفات المحاسبة الشاملة التي يطالب بها المواطن الليبي.

الأمن لا يُدار بالمجاملات

تصريحات مليقطة، وإن جاءت بعد حادث مأساوي كاد يودي بحياته، تفتح الباب لمطلب وطني أوسع بضرورة إصلاح جذري في هيكل الأجهزة الأمنية، وتطهيرها من النفوذ العائلي والسياسي، وإرساء قاعدة المساءلة دون استثناءات. فالأمن، كما قال، "لا يُدار بالمجاملات، ولا تُبنى الدولة على غض الطرف عن الفساد أو التقصير".
في ظل هذا المشهد المرتبك، تبقى الدولة الليبية رهينة لصراعاتها الداخلية، وما لم يُحسم الخلاف بين المؤسسات، وتُستعاد وحدة القرار الأمني، فإن الحوادث الفردية ستبقى عنوانًا لفشل مؤسسي أعمق، يعيد البلاد إلى نقطة الصفر في كل مرة تُحاول فيها النهوض.