الأحزاب اللبنانية ترتب صفوفها بعد عزوف تيار المستقبل عن الانتخابات البلدية

الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في الشهر القادم، محطة أساسية لقياس مدى استمرار حزب الله في السيطرة على قواعده.

بيروت - تتسابق الأحزاب السياسية اللبنانية لإعادة ترتيب صفوفها، مع تحديد مواعيد الانتخابات البلدية تباعاً في مختلف المحافظات، وعلى رأسها بيروت التي تعتبر "أم المعارك" لاسيما بعد أن أعلن رئيس الحكومة الأسبق ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري قراره بالعزوف عن المُشاركة ترشيحاً وتأييداً، محذّراً من "أي محاولة من أي طرف في العاصمة بأن يُنصِّب نفسه متحدّثاً باسم التيار أو وصياً على جماهيره".

وتجمع الآراء على أن الانتخابات البلدية قد تغيّر المعادلات السياسية، بوصفها محطة سياسية مفصلية، ليس فقط على مستوى الحكم المحلي والشؤون التنموية بل أيضا كاختبار لقوة وحضور الأحزاب السياسية في ظل الظروف الراهنة، غير أن إعلان الحريري العزوف عن الانتخابات كانت مفاجئة أثارت جدلا.

وقال الحريري في بيان "انطلاقاً من قناعتي بأن الانتخابات البلدية هي انتخابات أهلية إنمائية غير سياسية، وجّهتُ تيار المستقبل بألا يتدخل في هذه الانتخابات في كل البلدات والمدن اللبنانية، حفاظاً على الطابع العائلي والإنمائي لهذه الانتخابات، واحتراماً لواقع أن لكل بلدة ومدينة شؤونها الإنمائية المحلية الخاصة"، معرباً عن ثقته الكاملة بقدرة الناخبين على اختيار الأفضل في كل البلدات والمدن في لبنان.

وما زال الانقسام الطائفي حاضراً بقوة في تكوين اللوائح وتوزيع الأدوار في بيروت، إذ لا تزال القوى السياسية تبحث عن كيفية ترتيب المناصفة الطائفية بدل البحث في كيفية إنتاج مجلس بلدي متجانس يهتم بشؤون العاصمة، وهذا الأمر أصبح أصعب بعد ابتعاد تيار المستقبل عن العمل البلدي الإنتخابي

وعبر النائب إدغار طرابلسي، عن أسفه "لعدم مشاركة تيار واسع بحجم تيار المستقبل في الانتخابات البلدية المقبلة"، وبالنسبة إلى التوازن في بلدية بيروت، رأى أنه "من الممكن أن يكون هناك ضرر مباشر على المناصفة والتنوع في بلدية العاصمة، وهذا يدعو إلى أكبر تآلف بين الأحزاب والعائلات التي تمثل بيروت الأولى والثانية لإيصال مجلس بلدي مختلط ومتوازن".

وعمن سيسد فراغ تيار "المستقبل"، أشار إلى أن "هناك تحركاً للنائب نبيل بدر والجماعة الإسلامية من جهة، وجمعية المشاريع من جهة أخرى وبعض النواب المستقلين، والسعي موجود لكن النتيجة غير مضمونة"، ويسعى بدر لتحقيق المناصفة من خلال اللقاءات التي يعقدها.

وعن حلفاء "التيار الوطني الحر" في الانتخابات البلدية في زحلة والمتن وجبيل وكسروان وجزين وبيروت، لفت أن "التيار معنيّ عبر أعضائه ولكن التدخل في هذه الانتخابات متروك للعائلات والقوى المحلية داخل كل قرية، أما التيار فدوره أكبر في المدن الكبرى والمفاوضات متواصلة، ونعتقد أنه سيكون هناك حسن تمثيل في صندوق الاقتراع في هذه المناطق".

ويرى الكثيرون أن الانتخابات البلدية 2025 يمكن أن تكون نقطة انطلاق لاستعادة دور الدولة، إذا توافقت إرادة اللبنانيين وتجاوزوا الانقسام المذهبي.

غير أن الواقع يشير الى صعوبة في احداث تغيير حقيقي، إذ أن العديد من لوائح "التغيير" تواجه صعوبة في التمويل والتنظيم والتغلغل داخل المجتمعات المحلية، مقابل هيمنة القوى التقليدية التي تمتلك بنية حزبية راسخة وشبكات نفوذ ممتدة.

وخلال الأعوام التي تلت التحركات الشعبية اندمجت قوى التغيير ضمن الصورة العامة للقوى السياسية فلم تستطع أن تخلق لنفسها مكاناً فريداً بل صارت جزءاً من الإنقسامات بالبلد.

في بعض المناطق، كما في الجنوب والبقاع والشمال، تفرض الأحزاب تحالفاتها على القرى بقوة الواقع السياسي أو الأمني، ما يجعل الانتخابات أقرب إلى تعيينات مقنّعة منها إلى عملية ديمقراطية فعلية.

وفي مقدمة هذه القوى، يبرز حزب الله الذي يواجه تحديات غير مسبوقة نتيجة الضغوط السياسية والاقتصادية الداخلية، إلى جانب الضربات العسكرية التي تلقاها من إسرائيل، ودمرت هيكله التنظيمي كما أثرت بشكل واضح على بيئته الحاضنة.

وتقدر البلديات الخاضعة لنفوذ حزب الله في لبنان بالعشرات، لا سيما في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، مثل الضاحية الجنوبية لبيروت، وجنوب لبنان، والبقاع.

وعلى سبيل المثال، تعتبر بلدية الغبيري من أكبر البلديات التي فاز بها الحزب منذ عام 1998، وسعى إلى جعلها نموذجا للعمل البلدي. ومع ذلك، لا تتوفر إحصاءات دقيقة وحديثة حول العدد الإجمالي للبلديات التي يسيطر عليها حزب الله، نظرا لتعقيدات المشهد السياسي والتحالفات المحلية في لبنان.

وتعد الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في شهر مايو المقبل، محطة أساسية لقياس مدى استمرار الحزب في السيطرة على قواعده، وقدرته على تعبئة ناخبيه في ظل الظروف الراهنة. وهناك سيناريوهات عدة محتملة ستعكس حجم نفوذ الحزب سياسيا وشعبيا. وإذا ظهرت بوادر تراجع في قوة حزب الله سياسيا، فقد يعني ذلك بداية مرحلة جديدة في المشهد السياسي اللبناني.

وتعتبر الانتخابات مؤشرا مهما على توجهات الشارع الشيعي بشكل خاص، واللبناني بشكل عام، مما يجعلها اختبارا مبكرا للانتخابات النيابية المقبلة.

وبعد الإنتخابات، من أبرز التحديات التي ستواجه البلديات المنتخبة هو غياب التمويل المركزي الكافي، في ظل الشلل الحكومي والضغط المالي، اذ تعاني البلديات من نقص حاد في الموارد، ما يجعلها عاجزة عن تنفيذ مشاريع حيوية، أو يدفعها للاعتماد على دعم خارجي، غالباً ما يكون مشروطاً بمواصفات لا تتوفر في معظم المجالس الحالية.

ومع إبداء بعض الجهات المانحة الدولية تحفظات على التعاون مع بلديات تسيطر عليها أطراف سياسية مصنفة كـ"طرف مسلح" أو "غير شفافة"، تبدو المهمة أصعب.

وهذا ما يجعل من إنقاذ العملية البلدية من الطائفية يتطلب تغييراً في القوانين، واعتماد نظام انتخابي أكثر تمثيلاً وعدالة، يعزز مبدأ المواطنة لا الانتماء الطائفي. كما أن تطبيق اللامركزية الإدارية والمالية بشكل فعّال، مع إشراف قضائي مستقل وشفاف، هو البداية لتحرير البلديات من سطوة الطائفيين.