الصديق الصور يكشف سطوة الميليشيات على الجهاز القضائي
طرابلس - كشف النائب العام في ليبيا الصديق الصور عن حجم سطوة الميليشيات المسلحة على مؤسسات الدولة، خصوصاً تلك المعنية بإنفاذ القانون وتحقيق العدالة. وقد أماطت التصريحات، التي جاءت خلال لقاء جمعه بأعضاء النيابة العامة الجدد، اللثام عن واقع مأزوم ومتشظٍ، تتغول فيه الفصائل المسلحة على حساب سيادة القانون.
وقال النائب العام إن "مؤسسات التأهيل والإصلاح في الغالب خاضعة للميليشيات"، مشيراً إلى أن كل مؤسسة أصبحت محسوبة على جهة معينة أو مجموعة مسلحة. هذا الاعتراف العلني من رأس النيابة العامة يعكس مدى اختلال التوازن بين المؤسسات الرسمية والجهات غير الشرعية التي أصبحت تفرض الأمر الواقع بقوة السلاح.
مؤسسات التأهيل والإصلاح في الغالب خاضعة للميليشيات
وأضاف الصور أن الأجهزة المكلفة باستيفاء الأدلة وتنفيذ الأحكام أصبحت "غير فاعلة"، وأحياناً "خائفة ومرتبكة"، بسبب تورط أطراف نافذة ومسلحة في عدد كبير من القضايا، مما يجعل إنفاذ القانون أمراً محفوفاً بالمخاطر.
وأحد أبرز مؤشرات تفكك منظومة العدالة، كما أشار الصور، هو عجز السلطات القضائية عن تنفيذ أكثر من 56 ألف حكم صادر من محكمة طرابلس فقط، وهي أرقام صادمة تعكس الشلل الذي أصاب الجهاز القضائي في بلد تتقاسمه قوى الأمر الواقع.
وبالرغم من محاولة النائب العام إظهار بعض التقدم، بالإشارة إلى تنفيذ أكثر من 18 ألف حكم خلال الفترة الأخيرة، إلا أنه عاد وأكد أن "الأحكام لم تكن تطبق حتى قبل 2011"، ما يضع الإصلاحات الحالية في سياق جزئي لا يرقى إلى حل جذري لأزمة متجذرة.
وفي محاولة لاستعادة هيبة القانون، قال الصور إن النيابة نجحت في توجيه رسالة ضمنية بأن الجرائم لا تسقط بالتقادم، مؤكداً أن من صدر بحقه حكم قبل 15 عاماً يمكن أن يُودع السجن اليوم، ما يعني وجود تحركات جدية لإحياء سلطة الدولة. لكنه لم يُخفِ حقيقة أن القبض على المحكومين ما يزال صعباً في ظل تردي الأوضاع الأمنية وتعدد المجموعات المسلحة.
وللتغلب على هذا التحدي، أوضح أن السلطات بدأت باستخدام أدوات قانونية أخرى مثل وقف الرواتب وتعليق القيد المدني للمحكومين، وهو ما أجبر العديد منهم على تسليم أنفسهم طوعاً. ورغم ذلك، تبقى هذه الأساليب أشبه بالحلول الالتفافية التي تؤكد عجز الدولة عن فرض سيطرتها بشكل مباشر.
وتصريحات النائب العام، ورغم شجاعتها، كشفت بوضوح عن ضعف الدولة الليبية أمام شبكة من الميليشيات المسلحة التي لا تتردد في تقويض أي توجه إصلاحي، أو عرقلة محاولات توحيد المؤسسات بين الشرق والغرب.
ويرى مراقبون أن استمرار هذه الهيمنة يشكل خطراً مباشراً على مستقبل العملية السياسية، خاصة في ظل تعثر محاولات تنظيم انتخابات نزيهة وموحدة، يُفترض أن تخرج ليبيا من عنق الزجاجة، وتعيد بناء شرعية الدولة على أساس ديمقراطي.
ولم تعد تقتصر الهيمنة الميليشياوية، التي تحوّلت من نفوذ أمني إلى اختراق مؤسسي، على مناطق نفوذ محددة، بل امتدت لتطاول أجهزة الدولة كافة، بما في ذلك القضاء، والشرطة، وحتى المؤسسات الرقابية. وهذا يجعل من فكرة "الدولة الموحدة" مجرد شعار يُرفع في المؤتمرات الدولية، دون أي تطبيق فعلي على الأرض.
ويبقى موقف النائب العام خطوة نادرة في طريق طويل وشاق لاستعادة سيادة القانون، لكنه في الوقت نفسه يسلّط الضوء على المأزق العميق الذي تعانيه الدولة الليبية، حيث باتت مؤسساتها رهينة لجماعات مسلحة متناقضة المصالح والرؤى، تدير شؤون البلاد وفق توازنات القوة لا الدستور.
وفي ظل هذا المشهد القاتم، لا يبدو أن أي خطة إصلاحية يمكن أن ترى النور ما لم يتم كسر الحلقة المفرغة لسيطرة السلاح، وتفكيك بنية الميليشيات المتغلغلة داخل مفاصل الدولة. وحتى ذلك الحين، سيبقى القضاء في ليبيا رهيناً، ينتظر مع بقية مؤسسات الدولة لحظة استعادة السيادة والشرعية.