فيديو مسيء للنبي محمد يشعل اشتباكات دامية في جرمانا
دمشق - شهدت مدينة جرمانا، القريبة من العاصمة السورية دمشق، موجة عنف دامية أسفرت عن مقتل عدد من المسلحين من الطائفة الدرزية، وإصابة آخرين، في أعقاب اشتباكات عنيفة اندلعت ليلاً بين مسلحين دروز محليين وقوات أمن تابعة للسلطة الجديدة، على خلفية انتشار تسجيل صوتي اعتُبر مسيئًا للنبي محمد، ما فجّر غضبًا واسعًا في أوساط إسلامية داخل البلاد. وقال رجال إنقاذ ومصادر أمنية إن أكثر من 12 شخصا قتلوا في تلك الاشتباكات الدموية.
وبحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن الاشتباكات اندلعت بعد اقتحام قوات أمنية لأحياء في جرمانا، إثر توتر سببه تسريب تسجيل صوتي نُسب إلى أحد أبناء الطائفة الدرزية، يحمل إساءات دينية خطيرة. وسرعان ما انتشرت مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، موثقة حالات إطلاق نار وسقوط ضحايا، في مشهد أعاد إلى الأذهان أخطر مراحل النزاع السوري الطائفي.
وقال أحد سكان المدينة إن الاشتباكات استمرت نحو نصف ساعة قبل أن يتدخل الأمن العام واللجان الشعبية لاحتواء الموقف. وأضاف: "كنا على وشك انفجار شامل.. الوضع في غاية الحساسية، وأي شرارة جديدة قد تؤدي إلى انهيار الأمن بالكامل في المنطقة".
وأعلن سكان جرمانا عن تعطيل المدارس وامتناع العائلات عن إرسال أطفالهم بسبب حالة الذعر والانفلات الأمني. ولا تزال حالة من الهدوء الحذر تخيم على المنطقة، وسط مخاوف من تجدد العنف.
ورغم أن التسجيل الصوتي لا يزال موضع تحقيق من قبل الأجهزة الأمنية السورية، إلا أن تداعياته اتسعت لتشمل مناطق مجاورة مثل أشرفية صحنايا وقطنا، حيث تتواجد مجتمعات درزية كبيرة، تعرضت بدورها لهجمات من قبل فصائل مسلحة إسلامية، بحسب شهادات محلية.
وتسلط هذه الحادثة الضوء مجددًا على هشاشة النسيج الاجتماعي السوري، والتوتر الكامن بين السلطة المركزية ومكونات طائفية مثل الطائفة الدرزية، التي شهدت علاقاتها بالحكومة السورية توترًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة. فقد تصاعدت أصوات درزية، خاصة من منطقة السويداء جنوب البلاد، تطالب بقدر أكبر من الحكم الذاتي، بل ولوّحت بعض الجهات بشكل غير رسمي إلى خيار الفدرالية أو الانفصال، على خلفية ما تعتبره تهميشًا سياسيًا وترديًا في الوضع الاقتصادي والأمني.
وتزامن هذا التوتر مع تدخلات إسرائيلية متزايدة، اعتبرتها دمشق محاولات لاستمالة الدروز ضمن مشروع أوسع لتقسيم البلاد طائفيًا ومناطقيًا. ويُذكر أن قيادات درزية في الجولان المحتل تحافظ على علاقات متقلبة مع الحكومة السورية، ما يغذي الشكوك الرسمية حول وجود أجندات خارجية تدفع نحو زعزعة الاستقرار في المناطق ذات الغالبية الدرزية.
وردًا على التسجيل الصوتي، سارع شيوخ ووجهاء الطائفة الدرزية إلى إصدار بيانات تبرّؤ من أي إساءة دينية، مؤكدين رفضهم المطلق لمحتوى التسجيل وأي محاولة لإشعال فتنة طائفية. وأصدر الشيخ حمود الحناوي، أحد أبرز المرجعيات الدينية للطائفة، بيانًا دعا فيه إلى التهدئة، محذرًا من أن "إثارة النعرات الطائفية تهدد تماسك المجتمع السوري ووحدته الوطنية".
وفي المقابل، أكدت وزارة الداخلية السورية في بيان رسمي أن التحقيقات لا تزال جارية لتحديد هوية من يقف خلف التسجيل، مشيرة إلى أن النتائج الأولية لم تثبت صحته أو نسبته إلى شخص معين حتى الآن. كما حذرت من الانجرار وراء الشائعات أو التصرفات الفردية، معتبرة أن "حماية المقدسات الدينية وصون السلم الأهلي من أولويات الدولة السورية".
ودعت الوزارة المواطنين إلى ضبط النفس وانتظار نتائج التحقيقات، مشيدة في الوقت ذاته بـ"المشاعر الغيورة للمواطنين دفاعًا عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم"، لكنها شددت على ضرورة عدم تعريض الأمن العام للخطر.
وفي بيان اخر الثلاثاء تعهدت وزارة الداخلية السورية الثلاثاء "ملاحقة المتورطين" في الاشتباكات مؤكدة أنها وقعت بين "مجموعات" مسلحة من المدينة وخارجها.
وقالت "شهدت منطقة جرمانا اشتباكات متقطعة بين مجموعات لمسلحين، بعضهم من خارج المنطقة وبعضهم الآخر من داخلها"، ما أسفر عن "قتلى وجرحى، من بينهم عناصر من قوى الأمن المنتشرة في المنطقة". وأكدت فرض "طوق أمني" حول المدينة، وتعهدت "ملاحقة المتورطين ومحاسبتهم وفق القانون ... وحماية الأهالي والحفاظ على السلم المجتمعي".
وتُعتبر جرمانا من المدن المختلطة طائفيًا، وقد استقبلت خلال سنوات الحرب مئات الآلاف من النازحين من مختلف المحافظات السورية، ما جعلها ساحة حساسة للتوترات المجتمعية والطائفية.
وفي هذا السياق، صرّح وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى أن مواجهة خطاب الكراهية والتحريض الطائفي تقع على عاتق جميع مؤسسات الدولة والمجتمع، مشيرًا إلى أن الوزارة ستطلق قريبًا حملة وطنية لمكافحة خطاب الفتنة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل.
وتُعدّ هذه الحادثة واحدة من أخطر التحديات الأمنية التي تواجه الحكومة السورية بعد فترة من الهدوء النسبي، خصوصًا مع استمرار حالة الانقسام المجتمعي على خلفية الأوضاع الاقتصادية، والركود السياسي، وغياب الحلول الشاملة للنزاع.
ومع تجدد الخطاب الطائفي، تُطرح تساؤلات جدية حول قدرة الدولة على ضبط الهويات الفرعية المتصادمة، ومنع القوى الخارجية من استغلالها لزعزعة وحدة البلاد. وفي حين لم تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة، إلا أن الأحداث الأخيرة تُعد جرس إنذار حقيقي بضرورة اعتماد مقاربة أكثر شمولًا لحماية الوحدة الوطنية ومواجهة جذور الانقسام الطائفي.