باريس تلوّح بإعادة العقوبات للضغط على إيران في المحادثات النووية
باريس – تصاعدت التحذيرات الأوروبية تجاه إيران مع اقتراب الموعد النهائي لانتهاء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، إذ أعلنت فرنسا على لسان وزير خارجيتها، جان نويل بارو، أنها لن تتردد في إعادة فرض العقوبات الأممية على طهران إذا لم تُفضِ المحادثات النووية الجارية مع الولايات المتحدة إلى نتائج ملموسة خلال الأسابيع المقبلة.
وفي تصريح أمام مجلس الأمن الدولي مساء الاثنين، قال الوزير الفرنسي إن باريس، إلى جانب شركائها في الترويكا الأوروبية (بريطانيا وألمانيا)، تراقب تطورات المفاوضات النووية عن كثب، مشددًا على أن أمن أوروبا على المحك، ولن يكون هناك تهاون في حال فشل الجهود الدبلوماسية.
وأضاف بارو "مع اقتراب انتهاء الاتفاق النووي الإيراني، إذا لم يتم ضمان مصالحنا الأمنية، فلن نتردد ولو لثانية واحدة في إعادة تطبيق جميع العقوبات التي رُفعت قبل عشر سنوات"، مشيرًا إلى أن هذه العقوبات قد تشمل منع إيران من الوصول إلى الأسواق الأوروبية والتكنولوجيا والاستثمارات، وهو ما سيتسبب في آثار "مدمرة" على الاقتصاد الإيراني.
إذا لم يتم ضمان مصالحنا الأمنية فلن نتردد في إعادة تطبيق جميع العقوبات
وتمتلك الترويكا الأوروبية سلطة تفعيل "آلية الزناد" الخاصة بإعادة فرض العقوبات من خلال مجلس الأمن الدولي، في حال ثبت عدم امتثال إيران لبنود الاتفاق النووي. وينتهي الإطار الزمني لهذه الآلية بحلول 18 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، إلا أن دبلوماسيين أوروبيين أشاروا إلى أن تفعيل العقوبات قد يُسرّع إلى أغسطس/آب، إذا لم تحرز المفاوضات الحالية تقدماً حقيقياً.
وبينما لم يُصدر بعد رد رسمي عن لندن أو برلين، فإن موقف باريس يعكس تصميماً أوروبياً على فرض ضغط سياسي واقتصادي على طهران بهدف دفعها لتقديم تنازلات واضحة، خاصة في ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم والرقابة الدولية على المنشآت النووية.
ويرى مراقبون أن التصريحات الفرنسية تهدف إلى إرسال رسالة حاسمة لإيران، مفادها أن الرهان على الوقت لن يكون في صالحها، وأن استمرار المراوغة قد يعيد البلاد إلى دائرة العقوبات الشاملة. كما يعتبر موقف فرنسا وسيلة ضغط إضافية على طهران، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد، وتراجع قيمة العملة المحلية، وارتفاع معدلات البطالة.
في الوقت نفسه، أكد وزير الخارجية الفرنسي أن بلاده لا تسعى إلى التصعيد، بل إلى تجنب سيناريو المواجهة، موضحًا "هذا ليس ما نريده، ولهذا السبب أدعو إيران رسميًا إلى اتخاذ القرارات اللازمة اليوم لتجنب الأسوأ".
وفي تطور لافت، كشف أربعة دبلوماسيين غربيين أن إيران اقترحت عقد لقاء مع ممثلي الترويكا الأوروبية في العاصمة الإيطالية روما يوم الجمعة المقبل، إذا تم استئناف المحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة. ولم تصدر بعد أي مواقف رسمية من باريس أو برلين أو لندن بشأن المقترح الإيراني، ما يعكس على الأرجح حالة الترقب والحذر التي تحيط بهذه المرحلة من التفاوض.
وكانت الولايات المتحدة قد انسحبت من الاتفاق النووي عام 2018 في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وأعادت فرض عقوبات واسعة على طهران، بينما تؤكد إدارة الرئيس الحالي جو بايدن أنها مستعدة للعودة إلى الاتفاق "بشروط"، أهمها ضمان عدم سعي إيران لامتلاك سلاح نووي.
وتُدرك الترويكا الأوروبية أن الوقت يداهم جميع الأطراف، ومع قرب انتهاء الاتفاق النووي الحالي، فإن التوصل إلى تسوية جديدة أو على الأقل إطار تفاهم مؤقت أصبح ضرورة ملحّة. وفي حال تعثرت المحادثات مجددًا، فإن تفعيل العقوبات الأممية قد يُعيد المشهد إلى ما قبل 2015، مع ما يحمله ذلك من تداعيات إقليمية ودولية.
ويرى محللون أن تصعيد الخطاب الأوروبي في هذا التوقيت يأتي في إطار محاولة أخيرة لإنقاذ المسار التفاوضي، ودفع إيران إلى تقديم تنازلات محسوبة تفتح الباب لتسوية دبلوماسية قد تنقذ ما تبقى من الاتفاق النووي وتجنّب المنطقة مزيدًا من التوتر.
وفي سياق متصل فرضت الولايات المتحدة اليوم الثلاثاء عقوبات على شبكة مقرها إيران والصين، اتهمتها بشراء مكونات وقود الصواريخ الباليستية نيابة عن الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، وذلك في إطار سعي إدارة الرئيس دونالد ترامب لزيادة الضغط على طهران.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية في بيان أنها استهدفت ستة كيانات وستة أفراد في إطار هذا الإجراء، الذي يأتي في الوقت الذي استأنفت فيه إدارة ترامب المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي.
وقال وزير الخزانة سكوت بيسنت "تطوير إيران المتسارع للصواريخ وغيرها من القدرات العسكرية يُعرّض سلامة الولايات المتحدة وشركائنا للخطر".
وأضاف "كما أن ذلك يُزعزع استقرار الشرق الأوسط، وينتهك الاتفاقيات العالمية الرامية إلى منع انتشار هذه التقنيات. ولتحقيق السلام من خلال القوة، ستواصل وزارة الخزانة اتخاذ جميع التدابير المتاحة لحرمان إيران من الوصول إلى الموارد اللازمة لتطوير برنامجها الصاروخي".
واستهدفت عقوبات اليوم الثلاثاء خمس شركات مقرها الصين، وشركة واحدة وستة أشخاص في إيران. واتهمت وزارة الخزانة الشبكة بتسهيل شراء بيركلورات الصوديوم وثنائي أوكتيل سيباكات من الصين إلى إيران.
وأوضحت الوزارة أن بيركلورات الصوديوم تُستخدم لإنتاج بيركلورات الأمونيوم، والتي تُستخدم، إلى جانب ثنائي أوكتيل سيباكات، في محركات الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب والتي قالت وزارة الخزانة إنها تُستخدم عادة في الصواريخ الباليستية.