جديد يولد على أنقاض شبكة أنترنت كانت محركات البحث تهيمن عليها
واشنطن - منذ بزوغ عصر الإنترنت، ظلّت محركات البحث، وعلى رأسها "غوغل"، العمود الفقري للطريقة التي يستهلك بها الناس المعلومات. لكن ما كان يبدو راسخًا بدأ اليوم يتصدّع، وسط زحف أدوات الذكاء الاصطناعي التي تُعيد تشكيل مشهد البحث الرقمي من جذوره.
ومؤخراً، كشفت شهادة مسؤول في شركة ابل عن تراجع عمليات البحث داخل متصفح "سفاري" لأول مرة منذ 22 عاماً.
التفسير لم يكن تقنياً ولا بسبب ضعف في محرك البحث، بل ببساطة: المستخدمون لم يعودوا يبحثون كما اعتادوا، بل يسألون الذكاء الاصطناعي.
في أحدث تحول صادم، كشفت تقارير حديثة أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل "تشات جي بي تي" و"بيربلكسي" تجاوزت معًا حاجز الملياري عملية بحث أسبوعيًا، ما يضعها في مصاف عمالقة البحث التقليدي.
إذ سجل "تشات جي بي تي" وحده 1.8 مليار عملية بحث أسبوعيًا، بينما تخطى "بيربلكسي" عتبة المئة مليون مستخدم شهريًا، مع أكثر من مليار بحث أسبوعيًا.
حتى المعلنين بدأوا يعيدون حساباتهم. فإذا بدأت ملايين المستخدمين في الاعتماد على أدوات لا تُظهر إعلانات، فإلى أين ستذهب ميزانيات الإعلانات؟ هذا السؤال بات يؤرق وادي السيليكون.
اذ ان هذا التحول لا يُهدد فقط هيمنة "غوغل"، بل يُربك نموذج الإنترنت القائم على الإعلانات، حيث يعتمد "غوغل" على عرض الإعلانات بجانب نتائج البحث لتحقيق مليارات الدولارات من العائدات.
ومع انتقال المستخدمين إلى أدوات تقدم لهم إجابات مباشرة دون روابط أو إعلانات، بدأ كبار المعلنين في إعادة توزيع ميزانياتهم، ما ينذر بتغيير جذري في سوق الإعلانات الرقمية.
كبار المعلنين في مفترق طرق
الأرقام تعزز هذا الاتجاه؛ فوفقًا لبيانات "StatCounter"، تراجعت الحصة العالمية لمحرك "غوغل" إلى 84% بحلول مايو/حزيران 2025، بعد أن كانت 92% قبل عامين فقط. وفي المقابل، صعدت أدوات الذكاء الاصطناعي لتستحوذ على 9% من سوق البحث، وهي نسبة غير مسبوقة.
والتقطت الشركات الكبرى الإشارةـ اذ اعلنت شركة "أبل" أنها تدرس إطلاق نسخة محدثة من متصفح "سفاري" تعتمد على محرك بحث داخلي مدعوم بالذكاء الاصطناعي، بعيدًا عن شراكتها القديمة مع "غوغل"، في خطوة قد تُحدث زلزالًا في السوق، خاصة وأن صفقة "غوغل" مع "أبل" والتي تبلغ قيمتها 20 مليار دولار سنويًا باتت مهددة.
من جانبها، تسابق "غوغل" الزمن بإطلاق تحديثات لمنصتها "جيميني"، وميزة "ملخصات الذكاء الاصطناعي" التي وصلت لأكثر من 100 دولة. لكنها تواجه انتقادات بسبب جودة النتائج، حيث أشار مستخدمون إلى أن دقة المعلومات ما زالت أقل من المأمول.
أما المستخدمون، وخاصة الأجيال الشابة، فهم المحرك الحقيقي لهذا التغيير. حيث أظهرت استطلاعات حديثة أن 62% من الجيل "زد" يفضّلون أدوات الذكاء الاصطناعي على "غوغل" للبحث، بينما ارتفعت النسبة بين جيل الألفية إلى 45%.
مع هذه التحولات المتسارعة، يُجمع الخبراء على أننا نشهد نهاية عهد "محركات البحث" التقليدية كما نعرفها، وبداية عصر جديد تحكمه أدوات الذكاء الاصطناعي، ليس كمساعد فقط، بل كبديل كامل. والرهان الآن: من سيسيطر على مستقبل المعلومات؟