مقتل مجندين بالجيش الصومالي في هجوم انتحاري يكشف ثغرات أمنية

مقتل عشرة مجندين شباب وجرح العشرات يكشف خللا أمنيا في ثكنة عسكرية يفترض انها مؤمنة، فيما يستدعي احتمال التواطؤ الداخلي تحقيقات وتطهيرا عاجلين.

مقديشو – استهدف انتحاري تجمعا لمجندين شباب كانوا يسجلون أسماءهم في ثكنة دامانيو العسكرية بالعاصمة مقديشو، اليوم الأحد، مخلفا ما لا يقل عن عشرة قتلى وعشرات الجرحى، وفق ما أفاد شهود عيان.

ويعيد هذا المشهد الدموي، إلى الأذهان فصولا مؤلمة من تاريخ الصومال الحديث، ويأتي ليؤكد هشاشة الوضع الأمني وتصاعد وتيرة العنف في البلاد، وسط تقارير مقلقة تتحدث عن اختراقات محتملة في صفوف القوات الحكومية وقوات الأمن، مما يثير مخاوف جدية بشأن مدى تغلغل التنظيم المتطرف داخل الأجهزة الأمنية وقدرته على الحصول على معلومات استخباراتية وتنفيذ عمليات نوعية.

ولم يكن هذا التفجير مجرد استهداف لمجموعة من الشبان الطامحين للانضمام إلى صفوف الجيش، بل يمثل ضربة موجعة لجهود الحكومة الصومالية المضنية في بناء جيش وطني قوي ومتماسك، قادر على التصدي لخطر حركة الشباب المتطرفة التي لا تزال تمثل تهديدا وجوديا للدولة.

ويثير تزامن الهجوم مع تقارير تتحدث عن اختراقات محتملة في صفوف القوات الحكومية، تساؤلات حول مدى فعالية الإجراءات الأمنية المتخذة، وقدرة الأجهزة الاستخباراتية على كشف ومنع مثل هذه العمليات النوعية التي تنفذها الحركة بدقة متناهية.

كما يشير استهداف تجمع للمجندين الجدد، الذين يفترض أن يكونوا تحت حماية مشددة داخل قاعدة عسكرية، إلى خلل كبير في الإجراءات الأمنية أو إلى وجود عناصر متواطئة سهلت وصول الانتحاري إلى هدفه.

وهذا الاحتمال يضاعف من خطورة الهجوم، لأنه لا يقتصر على الخسائر البشرية المباشرة، بل يمتد ليشمل تقويض الثقة في قدرة الجيش على حماية نفسه وتأمين مواطنيه، ويفتح الباب أمام مخاوف من وجود خلايا نائمة أو متعاونين مع حركة الشباب داخل صفوف الجيش والأمن، مما يستدعي تحقيقا عاجلا وشفافا لكشف ملابسات هذا الاختراق ومعالجته بشكل جذري.

ووصف شهود العيان اللحظات التي سبقت الانفجار، حيث أكدوا أن الشبان كانوا يصطفون عند بوابة القاعدة العسكرية عندما فجر المهاجم المتفجرات التي كانت بحوزته.

واستطاع ضابط برتبة نقيب في الجيش، قال إن اسمه سليمان، أن يرسم اللحظات الأخيرة للانفجار قائلا "كنت على الجانب الآخر من الطريق. توقفت دراجة توك توك مسرعة وترجل منها رجل وركض لداخل الطابور ثم فجر نفسه. رأيت 10 أشخاص ميتين، من بينهم مجندون ومارة. قد يرتفع عدد القتلى".

وتحول مسرح الجريمة إلى ساحة دموية تناثرت فيها عشرات الأحذية وبقايا الانتحاري في مكان الواقعة، في مشهد يجسد وحشية الهجوم.

وأكد شاهد آخر يدعى عبدالسلام محمد أنه رأى "مئات الشبان عند البوابة في أثناء مروره بحافلة"، مضيفا "فجأة، وقع انفجار يصم الآذان، وغطى المنطقة دخان كثيف. لم نتمكن من رؤية تفاصيل الضحايا".

واستقبل الطاقم الطبي في المستشفى العسكري في مقديشو ثلاثين مصابا جراء الانفجار، فارق ستة منهم الحياة على الفور، مما ينذر بارتفاع محتمل في عدد القتلى.

وفي أول تعليق رسمي، أصدرت الحكومة الفيدرالية بيانا عبر وزارة الإعلام قالت فيه أن "القوات الأمنية نجحت في التصدي للانتحاري الذي كان يسعى لاستهداف عدد كبير من المواطنين".

وأضاف البيان أن الأجهزة الأمنية تعمل على التأكد من حصيلة الخسائر جراء التفجير الإنتحاري، وتدعوا المواطنين إلى استيفاء المعلومات الرسمية من الجهات الحكومية المعنية.

وفرضت القوات الحكومية طوقا أمنيا حول المنطقة بأكملها بسرعة.

وحتى الآن، لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن هذا الهجوم الدامي، ولم يتسن الحصول على تعليق من المسؤولين الحكوميين حول ملابساته.

ويحمل هجوم الأحد بصمات تكتيكات حركة الشباب المتطرفة، ويستدعي إلى الأذهان واقعة مماثلة حدثت في عام 2023، عندما قتل انتحاري 25 جنديا في قاعدة جالي سياد الواقعة قبالة منشأة دامانيو.

 ويبرز هذا التكرار في استهداف مراكز التجنيد العسكرية الثغرات الأمنية التي لا تزال تعاني منها القوات الحكومية، ويشير إلى فشل الاستراتيجيات الأمنية الحالية في توفير الحماية اللازمة للمواقع الحساسة والأفراد المستهدفين.

ويزيد من تعقيد المشهد الأمني وقوع عملية اغتيال استهدفت العقيد عبدالرحمن حجالي، قائد الكتيبة 26 في منطقة هيران، السبت، أي قبل يوم واحد فقط من تفجير مقديشو.

وفي سياق منفصل، أعلن الجيش الصومالي عن تمكنه من تدمير مواقع تابعة لحركة الشباب في ضواحي مدينة براوي جنوب البلاد، في عملية عسكرية تهدف إلى طرد عناصر التنظيم من تلك المناطق.

وهذه العمليات العسكرية المتفرقة، وإن كانت تحقق بعض النجاحات التكتيكية، إلا أنها تشير إلى استمرار قدرة حركة الشباب على شن هجمات دموية في قلب العاصمة، مما يضع علامات استفهام كبيرة حول فعالية الاستراتيجية الأمنية الشاملة.