تقرير بريطاني يتوقع سقوطا وشيكا للدبيبة

الحديث عن اقتحام مجموعة مسلحة تتبع جهاز الردع لمقر الوزارة للمطالبة بإقالة الدبيبة ونفي السلطات يزيد الضغوط على حكومة الوحدة.

طرابلس - سلّطت صحيفة "إيكونوميست" البريطانية الضوء على الأزمة التي تفجرت إثر مقتل رئيس جهاز دعم الاستقرار الليبي عبدالغني الككلي الملقّب بـ"غنيوة"، معتبرة أن عهد عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية بات من الماضي، متهمة إياه بتعميق الانقسامات و"نهب أموال الدولة".

وأشارت في تقرير لها إلى أن طرابلس تحولت إلى ساحة لمواجهة مفتوحة بين الميليشيات المتنازعة على السلطة، مضيفة أن أحداث العنف الأخيرة أدت إلى غلق المدارس والمصارف والأسواق، بينما تعرض مصرف ليبيا المركزي إلى الاقتحام، ما اضطر العديد من الدول إلى إجلاء رعاياها من البلاد.

واعتبرت أن الدبيبة كان الحلقة الأضعف في مواجهة المشير خليفة حفتر قائد قوات شرق ليبيا، مستندة إلى أن هذا الأخير يسيطر على نحو 80 بالمئة من الأراضي الليبية، بالإضافة إلى تمتعه بدعم إقليمي رسخ مكانة المؤسسات التابعة لسلطات الشرق. 

وبحسب المصدر نفسه تفتقد حكومة الدبيبة إلى قاعدة أمنية وعسكرية، فيما أدى اعتمادها على الميليشيات لتأمين بقائها في السلطة إلى اتساع نطاق الفوضى، مشيرا إلى أن تراجع التمويل بسبب انخفاض أسعار النفط مهد الطريق لتمرد هذه الفصائل، فيما كشفت الاشتباكات الأخيرة عن هشاشة هذا التحالف.

وهزت موجة من الاستقالات حكومة الوحدة الوطنية منذ نحو أسبوعين، فيما توقع متابعون للشأن الليبي انهيارها، كما حملوها مسؤولية الأزمة بعد إخفاقها في تسوية عدة ملفات يتصدرها وضع حد لفوضى السلاح المنفلت وكبح تغول الميليشيات.

ويتوقع أن يؤدي سقوط الدبيبة إلى فراغ أمني واستغلال الميليشيات المسلحة الوضع لتعزيز نفوذها، ما يزيد من احتمالية اندلاع صراعات مسلحة جديدة، وسط مخاوف من تفشي العنف، بالإضافة إلى تداعيات الانهيار المتحمل على استقرار المنطقة بأكملها.

كما تطرق التقرير إلى تنامي السخط الشعبي في طرابلس تجاه الدبيبة، معتبرا أن رئيس الحكومة لم يف بوعوده التي أطلقها منذ توليه السلطة ومن بينها بسط الأمن وتنظيم انتخابات وتحويل العاصمة إلى "دبي على المتوسط".

وكشفت "إيكونوميست" أن الدبيبة أرسل أفراد عائلته إلى لندن، مضيفة أنه لا يزال متمسكا بمنصبه من خلال استعراض قوته معتمدا على ميليشيات من مدينة مصراتة مسقط رأسه. 

ويرجح أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية يستعد للهروب من البلاد، مع تصاعد المطالب المنادية برحيله، وسط مؤشرات على فقدانه الدعم الخارجي.

وقالت الصحيفة البريطانية إن "معظم الليبيين والعديد من الدبلوماسيين الأجانب باتوا يتحدثون عن حكم الدبيبة بصيغة الماضي، في ظل انهيار تحالفاته وتصاعد الفوضى داخل طرابلس، وتزايد مؤشرات نهاية مرحلته السياسية".

ولا تزال العاصمة الليبية طرابلس تعيش على وقع حالة من التوتر الأمني والسياسي المتصاعد، بعد سلسلة من الاشتباكات المسلحة التي اندلعت خلال الأيام الماضية بين عدد من الميليشيات النافذة في المدينة، وسط تجاذبات سياسية متصاعدة ودعوات لإقالة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة.
وفي أحدث فصول هذا التوتر، أفادت قناة "المسار" الليبية نقلاً عن مصدر دبلوماسي ليبي، أن مجموعة مسلحة يُعتقد أنها تابعة لـ"جهاز الردع" قامت باقتحام مقر وزارة الخارجية في طرابلس، حيث أجبرت الموظفين على مغادرة المبنى. ووفقاً للمصدر، فإن هذه الخطوة جاءت في سياق تنفيذ دعوات للعصيان المدني ومطالبات بتنحي حكومة الدبيبة التي توصف بـ"منتهية الولاية".
لكن وزارة الخارجية الليبية سارعت إلى نفي هذه الأنباء بشكل قاطع، مؤكدة في بيان رسمي صادر عن إدارة الإعلام الخارجي أن "ما يُتداول عن اقتحام مقر الوزارة مجرد مزاعم عارية تماماً عن الصحة ولا تستند إلى أي وقائع على الأرض". وأضافت الوزارة أن العمل يسير داخل المبنى بشكل طبيعي ومنتظم، دون أي تعطيل في سير المهام الإدارية اليومية.
وأبدت الوزارة استغرابها من قيام بعض وسائل الإعلام بتداول مثل هذه المعلومات "ذات الخطورة البالغة" دون الرجوع إلى أي مصدر رسمي أو حتى غير رسمي، معتبرة ذلك إخلالاً واضحاً بمعايير المهنية الصحفية ومبادئ التحقق من صحة الأخبار. ودعت في الوقت ذاته وسائل الإعلام إلى تحري الدقة وتجنب نشر معلومات قد تثير الرأي العام أو تزعزع الأمن والاستقرار في البلاد.

وهذا التضارب في الروايات أعاد إلى الواجهة الحديث عن هشاشة الوضع الأمني في العاصمة، والتداخل الكبير بين الأجسام المسلحة والمؤسسات الرسمية، ما يعكس استمرار حالة الانقسام وفشل جهود التهدئة.
وتأتي هذه التطورات في ظل تصاعد دعوات إقالة حكومة الوحدة الوطنية، حيث طالب أعضاء في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بإعادة هيكلة السلطة التنفيذية، في حين يواجه رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة ضغوطاً متزايدة للتنحي بعد احداث العنف والاشتباكات التي اندلعت في العاصمة وخلفت عددا كبيرا من القتلى والجرحى. ومن اللافت أن هذه التحركات السياسية تلقى تحفظاً واضحاً من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، التي دعت في بيانات متكررة إلى ضرورة التوافق الوطني وتفادي الإجراءات الأحادية.
ومع استمرار حالة الجمود السياسي وغياب أي حوار حقيقي بين الفرقاء الليبيين، يُتوقع أن تشهد طرابلس والمنطقة الغربية بشكل عام مزيداً من التصعيد، سواء على المستوى الأمني أو السياسي، خاصة في ظل اتساع الهوة بين الأطراف المتصارعة وفشل المبادرات الرامية إلى توحيد مؤسسات الدولة.
ويعتقد أن العاصمة طرابلس تقف اليوم عند مفترق طرق حاسم، حيث باتت مهددة بانفجار أمني جديد في حال استمرار الاستقطاب وغياب الحلول التوافقية. كما أن الانقسام داخل المؤسسات السيادية، ووجود مجموعات مسلحة قادرة على التأثير في القرارات السياسية، يضع البلاد أمام سيناريوهات مفتوحة، في ظل غياب سلطة موحدة قادرة على فرض القانون وضمان الاستقرار.
ويحذر متابعون للشأن الليبي من أن تجاهل مؤشرات الانفجار الأمني في العاصمة قد يؤدي إلى انزلاق جديد نحو فوضى شاملة، لا سيما مع تنامي الخطاب التحريضي وتراجع الثقة الشعبية بالمؤسسات القائمة. كما يشير هؤلاء إلى أن المجتمع الدولي مطالب بلعب دور أكثر فاعلية في دعم مسار سياسي جامع، وتفعيل أدوات الضغط على الأطراف المعرقلة للحل.
وبين تضارب الروايات حول حادثة وزارة الخارجية، واستمرار التحركات السياسية المتناقضة، يبدو أن ليبيا لا تزال بعيدة عن الاستقرار، وأن العاصمة طرابلس قد تكون مجدداً مسرحاً لتجاذبات لا تُحمد عقباها.