
عايد عتيق الجريد يستعرض حضور القضية الفلسطينية في الوجدان الكويتي
بقيت القضية الفلسطينية حاضرة في الوجدان الكويتي منذ نشأتها وحتى اليوم. وبقيت القضية الأولى التي تشغل بال حُكّام وشعب الكويت على مدار عقود مضت، وبذلت الكويت – وما تزال - جهوداً على كافة الأصعدة من أجل دعم قضية العرب الأولى.
وقد جاء الدعم الكويتي للقضية الفلسطينية في المجالات كافة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وذلك من منطلقات قومية وإنسانية. وبرز الدور الكويتي في دعم الفلسطينيين وقضيتهم بقوّة، وكانت المقاطعة الشعبية الكويتية للكيان المحتل بمثابة واجب وطني، قبل أن تكون قانونا تلتزم به الدولة وحُكّامها.
وفي كتابه "الكويت ومقاطعة الكيان الصهيوني: 1945 – 2016"، يرصد الباحث والمؤرخ الكويتي الدكتور عايد عتيق الجريد، التجربة الكويتية في مقاطعة إسرائيل على مدار أكثر من سبعة عقود، مُضيئاً على أهم محطاتها، ومتوقفاً عند الكثير من المواقف الكويتية الداعمة لحق الشعب الفلسطيني في إنشاء دولته المستقلة وفقاً للقرارات الأممية.
الكتاب الذي يتناول كما أسلفنا موضوع "الكويت ومقاطعة الكيان الصهيوني بين عامي 1364هـ 1945م – 1437هـ 2016م"، يُسلّط مؤلفه الضوء على الجانب الرسمي في تلك المقاطعة، والتي أخذت حيّزاً كبيراً من مساعي وجهود الكويت، ويُبرز كيف كانت حاضرة على الدوام في أولويات جداول أعمال الدبلوماسية الكويتية في المحافل الدولية.
كما سعى الدكتور عايد عتيق الجريد - من خلال هذا الكتاب - لإبراز دور الكويتيين في المقاطعة، وكيف أخذت أيضاً جانباً كبيراً من اهتمامهم من خلال ممثليهم في البرلمان، وعبر مؤسسات المجتمع المدني، والصحافة الكويتية وغيرها من جهات شعبية.
وبحسب المؤلف، فإن الكتاب استهدف التعريف بمدى التزام الكويت رسمياً وشعبياً بمقاطعة الكيان الصهيوني، وبيان دور الكويت خارجياً في إجهاض المشاريع الصهيونية، بالإضافة إلى بيان أبرز المحاولات الإسرائيلية لاختراق الأسواق الكويتية وكيف تم إفشالها.
وقد جاء كتاب "الكويت ومقاطعة الكيان الصهيوني: 1945 – 2016"، مشتملاً على مقدمة، وتمهيد، وأربعة فصول، وخاتمة.
وفي الفصل الأول بيّن المؤلف العوامل المؤثرة في زيادة وعي الشعب الكويتي بأهمية المقاطعة، ودور الكويت في القضية الفلسطينية. وفي الفصل الثاني تحدث عن وجهة نظر القانون الدولي من المقاطعة، وأوضح الدور الرسمي والشعبي الكويتي في مقاطعة الكيان الصهيوني بين عامي 1945 – 1961.
وأما الفصل الثالث، فتناول فيه المؤلف الدور الرسمي والشعبي الكويتي في مقاطعة الكيان الصهيوني بين عامي 1962 – 1976. وفي الرابع والأخير، تناول الدور الرسمي والشعبي الكويتي في مقاطعة الكيان الصهيوني بين عامي 1977 – 2016.
وقد اعتمد الدكتور عايد عتيق الجريد في إعداد هذا الكتاب على الكثير من الوثائق التاريخية منها: "وثائق الأرشيف العثماني"، و"وثائق الممثلية السياسية البريطانية" في الكويت، الوثائق العربية ومحاضر المجلس التأسيسي الكويتي، ومضابط مجلس الأمة الكويتي، بالإضافة إلى محاضر مجلس الوزراء المصري، ووثائق منظمة التحرير الفلسطينية، ومحاضر الكنيست المترجمة من العبرية إلى العربية، وغير ذلك من الوثائق.
الجريد اعتمد أيضاً في كتابه على المراجع العربية والمعربة والدوريات والمذكرات الشخصية، وكذا لقاءات شخصية أجراها مع بعض الشخصيات ذات الصلة بموضوع الكتاب.
واحتوى الكتاب على تحليل ونقد موضوعي للتعرف على مدى التزام الكويت رسمياً وشعبياً بمقاطعة الكيان الصهيوني، ومدى الاستفادة من تجربة الكويت في المقاطعة.
الكتاب احتوى على تمهيد استعرض فيه المؤلف مكانة القدس والمسجد الأقصى ومن ثم فلسطين عند العرب والمسلمين، وملحق مكوّن من 62 عنصراً ما بين وثائق ومستندات وصور.
ويوضح الكتاب، مقدار ما تمتع به اليهود والمسيحيين من أمن وسلام في ظل حكم المسلمين للقدس، والدور الذي لعبه المصلحون العرب والكويتيون في زيادة وإدراك وتفاعل الكويتيين مع مقاطعة الكيان الصهيوني، وهي المقاطعة التي جاءت نتيجة لدرايتهم التامة بالأطماع الصهيونية في وقت مُبكر.

ويتوقف مؤلف كتاب "الكويت ومقاطعة الكيان الصهيوني: 1945 – 2016"، عند إسهامات مؤسسات المجتمع المدني الكويتية منذ تأسيسها، في زيادة الوعي الديني والسياسي والثقافي لدى الكويتيين، وفي مقدمتها النادي الأدبي عام 1342هـ - 1924م، مما كان له دور فاعل في وجود مؤسسات مجتمعية فعالة، أبرزت وناقشت القضايا الإسلامية بشكل واضح وفعال.
كما يُشير المؤلف الدكتور عايد عتيق الجريد، عبر فصول وصفحات كتابه، إلى الاستجابة الكبيرة من أبناء الشعب الكويتي والمقيمين والسلطة، وعلى رأسهم الحاكم الشيخ عبدالله السالم الصباح، مع ما يطرح في مؤسسات المجتمع المدني بشأن القضايا الإسلامية، وخدمات القضية الفلسطينية.
وكشف الجريد على أنه على الرغم من ارتباط الكويت ببريطانيا بمعاهدة الحماية عام 1899 والتي أعطت الحق لبريطانيا في تولي شؤونها الخارجية، إلا أن الكويت كانت مواقفها ثابتة في دعم القضية الفلسطينية ومقاطعة الكيان الصهيوني، وقد زاد هذا الدعم الكويتي للقضية في فترة مبكرة منذ عام 1924.
وأكد على أن مقاطعة الكيان الصهيوني في نظر القانون الدولي تعد عملاً مشروعاً، وأنه ثبت تأريخياً أن الدول العربية اعتبرت المقاطعة سلاحاً مساعداً في مواجهة العدو الصهيوني وحلفائه.
ونوّه إلى ما أصدرته حكومة الكويت من قوانين صارمة لتحقيق تلك المقاطعة، والتي كان من أبرزها المرسوم الأميري الذي أصدره حاكم الكويت الشيخ عبدالله السالم الصباح في 27 شوال 1376هـ 26 مايو/أيار 1957، والذي نصّ على منع استيراد البضائع الإسرائيلية وفرض على من يُخالف ذلك عقوبات صارمة.
وتحدث عن دور مكتب مقاطعة إسرائيل الذي تأسس في مديرية الجمارك العامة بتاريخ 23 يونيو/حزيران 1957، في تطبيق سياسة المقاطعة.
ورأى الدكتور عايد عتيق الجريد، أن تميز الدور الكويتي في تحقيق المقاطعة، والتنسيق الواضح بين السلطة الكويتية وشعبها، ساعد في تحقيق العديد من النجاحات الكويتية في هذا الشأن، مُضيئاً على دور مؤسسات المجتمع المدني وصحفها في نشر الوعي بأهمية تلك المقاطعة واستمراريتها.
وبحسب الكتاب، فإن دولة الكويت حكومة وشعباً منذ الاستقلال عام 1961، لم تساوم يوماً من الأيام على قضايا أمتها، وبخاصة إذا كانت هذه القضايا تتعلق بكرامة الأمة ومقدساتها، وسلّط الضوء على دور مجلس الأمة في ذلك، وانتفاضة المجلس في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
وأبرز سياسة وحنكة الشيخ صباح السالم، الذي أطلق سلاح النفط من الكويت، والذي أفنى حياته من أجل أن يرسّي دعائم الوحدة العربية، والتضامن العربي المشترك، في ظل ظروف عربية صعبة وخطيرة.
واستعرض المؤلف ما قام به الاتحاد الكويتي لكرة القدم من دور كبير في المقاطعة، عندما وافق مؤتمر الاتحاد الأسيوي في 22 أغسطس/آب 1976 بكوالالمبور على مشروع القرار المقدم من الاتحاد الكويتي لكرة القدم بطرد الإتحاد الإسرائيلي من عضوية الاتحاد الآسيوي.
وذهب المؤلف في خاتمة كتابه إلى القول بأن نجاح مقاطعة إسرائيل في دولة الكويت يرجع إلى إيمان الكويتيين بأن مقاطعة الكيان المحتل وبضائعه ومنتجاته تُعد واجباً دينياً ووطنياً قبل أن تكون قانوناً يُنفّذ، الأمر الذي ساهم – بحسب قوله - في مواجهة أي محاولة لاختراق السوق المحلية، والترويج لبضائع صنعت أو أنتجت كلياً أو جزئياً في إسرائيل.
وربط نجاح المقاطعة الكويتية بالتنسيق الكبير بين الحملات الشعبية الكويتية والفلسطينية في مواجهة الشركات التي تتعاون مع الكيان الإسرائيلي، حيث ساعد ذلك التنسيق في سحب استثمارات هذه الشركات في دولة الكويت، مما أدى إلى خسارتها لعقود عديدة وصلت قيمتها إلى ملايين الدولارات.
يُذكر أن مؤلف الكتاب الدكتور عايد عتيق الجريد، هو باحث ومؤرخ كويتي، حائز على الكثير من الجوائز والتكريمات المحلية والدولية، ويتمتع بعضوية العديد من المؤسسات والجمعيات في بلاده وخارجها منها: اتحاد المؤرخين العرب، وجمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون الخليجي، والجمعية التاريخية الكويتية، والجمعية المصرية للدراسات التاريخية، ورابطة الأدباء الكويتيين وغيرها. والجريد له عشرات المؤلفات التي تدور في فلك التاريخ والآثار، بما في ذلك التأريخ لنشأة الصحافة الكويتية، والأندية الأدبية، المؤسسات الاقتصادية ببلاده، وغير ذلك من الموضوعات.