جماعة منشقة عن 'هيئة تحرير الشام' تتبنى الهجوم على الكنيسة في دمشق
دمشق - تبنّت مجموعة جهادية غير معروفة اليوم الثلاثاء الهجوم الانتحاري على كنيسة مار الياس في دمشق، ما يضع السلطات السورية التي نسبته إلى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في موقف محرج، بينما وصف أكبر رجل دين مسيحي في البلاد الهجوم بـ"المجزرة" محملا الرئيس الانتقالي أحمد الشرع مسؤولية حماية الأقليات.
وأقيمت مراسم تشييع عدد من ضحايا الهجوم غير المسبوق الذي استهدف الأحد الكنيسة الواقعة في حي الدويلعة، وأسفر عن مقتل 25 شخصا وإصابة العشرات بجروح. وجدد الاعتداء مخاوف الأقليات التي كان المجتمع الدولي حضّ مرارا السلطة الجديدة على حمايتها وإشراكها في المرحلة الانتقالية.
وشارك المئات في المراسم الجنائزية ووضعت الجثامين في توابيت بيضاء بسيطة مزينة بالورود البيضاء. وحضرت وزيرة الشؤون الاجتماعية هند قبوات، وهي المسيحية الوحيدة والمرأة الوحيدة في الحكومة السورية الجديدة.
وأوردت "سرايا أنصار السنّة" في بيان على تطبيق تلغرام، "أقدم الأخ الاستشهادي محمّد زين العابدين أبوعثمان.. على تفجير كنيسة مار إلياس". وقالت إن العملية جاءت "بعد استفزاز" من مسيحيي دمشق "في حق الدعوة وأهل الملَّة".
واعتبرت المجموعة التي تأسست بعيد إطاحة الحكم السابق في ديسمبر/كانون الأول، أن "ما نشر في إعلام حكومة الجولاني عار عن الصحة".
وكانت الداخلية نسبت الهجوم الى خلية تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية وأعلنت الإثنين توقيف "عدد من المجرمين المتورطين في الهجوم" في ريف دمشق. إلا أن التنظيم لم يتبن الهجوم.
وقال المتحدث باسم الوزارة نورالدين البابا خلال مؤتمر صحافي اليوم الثلاثاء إن الخلية المنفذة "تتبع رسميا لتنظيم داعش.. ولا علاقة لها بأي جهة دعوية"، مؤكدا أن تنظيم أنصار السنة "ليس مستقلا بحد ذاته.. ويتبع لتنظيم داعش".
وأكد أن منفذ الهجوم ليس سوريا، من دون أن يحدد جنسيته، موضحا أنه جاء مع انتحاري ثان من مخيم الهول في شمال شرق البلاد، والذي يؤوي نازحين وعائلات مقاتلي "داعش".
ويشكل بسط الأمن أبرز التحديات التي تواجه سلطة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، مع بقاء مناطق خارج سيطرته أمنيا وانضواء مجموعات ذات خلفيات عدة بينها جهادية في إطار الجيش الجديد.
ولا يُعرف الكثير عن "سرايا أنصار السنة"، لكن منشوراتها تتضمن انتقادات للشرع بعد توليه السلطة وتحريضا ضد الأقليات خصوصا العلويين. وسبق للمجموعة، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان، أن شاركت في أعمال عنف في الساحل السوري.
ووفق الباحث أيمن التميمي، قد تكون الجماعة "فصيلا منشقا مؤيدا لتنظيم الدولة الإسلامية، تشكّل أساسا من عناصر انشقت عن هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى، لكنها تعمل حاليا بشكل مستقل". ولا يستبعد أن تكون كذلك "مجرد واجهة" للتنظيم المتطرف.
ويقود المجموعة قيادي سابق في هيئة تحرير الشام، الفصيل الذي ترأسه الشرع وقاد الهجوم الذي أطاح الأسد. وتضم في قيادتها كذلك عضوا سابقا من تنظيم حراس الدين المرتبط بتنظيم القاعدة، والذي أعلن مطلع العام حل نفسه.
وخلال مراسم التشييع ضحايا في كنيسة الصليب المقدس في القصاع، وصف بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس يوحنا العاشر الهجوم بـ"مجزرة غير مقبولة".
وخاطب الشرع بالقول "تكلمتم البارحة هاتفيا مع الوكيل البطريركي لتنقلوا لنا عزاءكم، لا يكفينا هذا"، مضيفا "أولى مهام الحكومة تأمين الأمان لكافة المواطنين دون استثناء ودون تمييز". وأضاف "مددنا أيدينا إليكم لنبني سوريا الجديدة ولا زلنا، ويا للأسف، ننتظر أن نرى يدا تمتد إلينا".
وأوضح أن ما حصل هو "المجزرة الأولى في سوريا" منذ العام 1860، في اشارة الى مجازر بحق المسيحيين شهدتها دمشق خلال الحكم العثماني، مضيفا "نحن لا نقبل أن تحصل في أيام الثورة وفي عهدكم الكريم".
وعلى وقع الزغاريد والدموع، شقت تسعة نعوش بيضاء طريقها الى داخل الكنيسة، وسط تدابير أمنية مشددة وتفتيش في محيطها وإقفال الطرق المؤدية اليها.
وقال المدرس راجي رزق الله (50 عاما) أثناء مشاركته في التشييع "هذه الأحداث عابرة ولا قيمة لها في سطور التاريخ، المسيحية جزء راسخ وثابت من هذه الأرض والمتطرفون مارقون".
ولطالما قدّم الحكم السابق نفسه حاميا للأقليات. خلال سنوات النزاع منذ 2011، تضررت كنائس عدة أو تعرّض محيطها لهجمات، لكن من دون أن يستهدفها هجوم انتحاري مباشر، وفق المرصد السوري.
وفي مارس/آذار، وقعت مشادة أمام كنيسة مار الياس، بعدما اعترض سكان على توقف سيارة دعوية بثّت عبر مكبر الصوت أناشيد اسلامية وأجبروا ركابها على المغادرة.
وتفاقمت مخاوف الأقليات بعد أعمال عنف ذات خلفية طائفية في الشهر نفسه أودت بـ1700 شخص في الساحل السوري، غالبيتهم الساحقة علويون، ثم اشتباكات مع مسلحين دروز قرب دمشق أوقعت عشرات القتلى.
وكان المسيحيون يشكلون نحو 10 بالمئة من سكان سوريا الذين كان يبلغ عددهم 22 مليون نسمة قبل الحرب، لكن أعدادهم تقلصت بشكل كبير خلال الصراع الذي استمر 14 عاما، وذلك لأسباب أهمها الهجرة. ويقدر عدد المسيحيين الذين يعيشون الآن في سوريا ببضع مئات الآلاف فقط.
وقال يازجي إن الحكومة يجب أن تعطي الأولوية لحماية الجميع. وفي إشارة إلى الهجوم على الكنيسة، أضاف "ما يهمني، وسأقوله، هو أن الحكومة تتحمل كامل المسؤولية".