بدء تنفيذ خطة أمنية لاستعادة الاستقرار في طرابلس
طرابلس - تواجه حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبدالحميد الدبيبة وقدى داعمة لها اختبارًا صعبًا لقدرتها على ضبط الوضع الميداني وفرض سلطة الدولة في وجه تصاعد نفوذ الجماعات المسلحة، في وقت تتزايد فيه المطالب السياسية والشعبية بإقالة الحكومة وإعادة تشكيل السلطة التنفيذية.
ومع انطلاق خطة أمنية جديدة داخل طرابلس، أملًا بفرض النظام وتهدئة الوضع، يبقى الشارع الليبي منقسمًا حول فعالية هذه الإجراءات، وسط انتقادات لحكومة الدبيبة باتت تعلو حتى من داخل معسكر داعميها، في ظل ما يعتبره البعض "فشلًا متكرّرًا في وضع حد للفوضى الأمنية والفساد الإداري".
في خطوة وُصفت بأنها محاولة أخيرة لـ"ضبط العاصمة"، بدأت السلطات الأمنية بالتعاون مع المجلس الرئاسي تنفيذ خطة أمنية موسعة تشمل مناطق مختلفة من طرابلس ومحيطها، وتستهدف إنهاء المظاهر المسلحة واحتواء أي انفلات محتمل قد يعيد البلاد إلى مربع الاقتتال.
وأعلنت مديرية أمن طرابلس دخول "قوة إسناد المديرية" حيّز التنفيذ، بتكليف من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، وبتنسيق مباشر مع الجهات العسكرية والأمنية العاملة في المدينة. وانتشرت قوات الأمن في مواقع حساسة بالعاصمة، وسط تأكيدات بأن الخطة تتم بإشراف مباشر من القيادة الأمنية لضمان تطبيقها على أرض الواقع.
وتتضمن هذه الإجراءات تشكيل لجنة أمنية–عسكرية موحدة، تُعنى بتنسيق الجهود الميدانية وتوحيد التعليمات بين مختلف الأجهزة، بالإضافة إلى لجنة قضائية–حقوقية تعمل على مراجعة أوضاع السجون ومراكز التوقيف، وإنهاء حالات الاعتقال العشوائي خارج إطار القانون.
كما أشارت الجهات الرسمية إلى تفعيل اتفاق وقف إطلاق النار داخل المدينة، وذلك بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وقيادة الأركان العامة.
رغم هذه الجهود، يخيّم القلق الدولي على المشهد الليبي، لاسيما في العاصمة التي شهدت على مدى الأشهر الماضية عدة اشتباكات بين جماعات مسلحة، بعضها محسوب على الحكومة، ما زاد من فقدان الثقة في قدرة السلطة التنفيذية على فرض هيبتها.
وحذرت المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، هانا تيته، من أن الوضع الأمني في طرابلس ما يزال هشًا للغاية، مشيرة إلى "احتمال انهيار الهدنة" في حال استمر غياب التنسيق السياسي والعسكري بين الأطراف الفاعلة.
من جانبها، دعت روسيا إلى تشكيل لجنتين أمنيتين تعملان على توحيد القوات النظامية في البلاد، في خطوة تهدف إلى ضمان أمن العاصمة ومنع انزلاق الأوضاع نحو صراع داخلي مفتوح.
وفي الداخل، تتصاعد الأصوات المطالبة بإقالة حكومة عبد الحميد الدبيبة، على خلفية ما يراه معارضون "فشلًا مزمنًا" في التعامل مع القضايا الجوهرية، وعلى رأسها الوضع الأمني في طرابلس والمنطقة الغربية بشكل عام.
ويشير مراقبون إلى أن حكومة الوحدة الوطنية باتت محاصَرة باتهامات من كل الاتجاهات: بين اتهامات بـ"الارتهان للميليشيات" من جهة، والعجز عن تنفيذ إصلاحات مؤسسية من جهة أخرى، خاصة في ملف توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية الذي ظل معلقًا رغم الجهود الأممية والدولية.
ويُعتبر انتشار الجماعات المسلحة في شوارع طرابلس، وتعدد مراكز القوى الأمنية، مؤشرات على ضعف السيطرة المركزية، ما يدفع قطاعات من الليبيين للمطالبة بإعادة النظر في بنية السلطة التنفيذية، والانتقال إلى مرحلة جديدة قد تبدأ بإقالة حكومة الدبيبة وتشكيل سلطة انتقالية تتولى الإعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية.
ورغم الوعود المتكررة من قبل المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية بتحقيق الأمن وفرض القانون، إلا أن الواقع الميداني يُظهر تحديات جسيمة، أبرزها تضارب الولاءات داخل الأجهزة الأمنية، واستمرار وجود مجموعات مسلحة خارج سلطة الدولة.
ويقول محللون أنه لا يمكن الحديث عن استقرار فعلي ما دامت البنادق تُرفع خارج إطار الدولة، وما دام القرار الأمني موزعًا بين فصائل مختلفة وأن أي خطة أمنية ستفشل إذا لم تُرافقها إرادة سياسية جادة لتفكيك البُنية الميليشياوية.
تقف طرابلس اليوم على مفترق طرق: إما أن تنجح في فرض الأمن وتحقيق انتقال سياسي يُعيد الثقة في الدولة، أو أن تغرق مجددًا في صراعات مسلحة تهدد ما تبقى من الاستقرار الهش في البلاد. فبين المبادرات الأمنية والتحذيرات الأممية والضغوط الداخلية، يبقى مصير العاصمة — وربما ليبيا بأسرها — رهنًا بقرارات قد تُتخذ في الأيام القليلة المقبلة.