
ضغوط على داعمي الدبيبة الإقليميين عبر استخدام ورقة النفط
طرابلس – تتزايد الضغوط السياسية والميدانية في ليبيا لدفع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة نحو الرحيل، في ظل تصاعد التوتر العسكري في العاصمة طرابلس وتجدد الاشتباكات بين الفصائل المسلحة، بالتوازي مع تحركات تستهدف الضغط على الداعمين الإقليميين والدوليين للحكومة، وعلى رأسهم إيطاليا.
وفي مشهد يعكس حجم الاحتقان المتصاعد، أعلن محتجون من داخل مجمع مليتة للنفط والغاز – أحد أبرز المرافق الاستراتيجية في ليبيا – نيتهم اتخاذ خطوات تصعيدية، تشمل إغلاق المجمع، احتجاجًا على ما وصفوه بـ"الدعم الإيطالي المستمر لحكومة تسببت في مفاقمة الانقسام السياسي والأمني".
وقال المحتجون في بيان صدر يوم الأربعاء 26 يونيو/حزيران، إنهم "يخوضون معركة مصيرية من أجل استعادة السيادة الوطنية وإنهاء التبعية السياسية والاقتصادية"، معتبرين أن استمرار دعم روما لحكومة الدبيبة "يساهم في تأجيج الحرب في طرابلس، ويهدد وحدة البلاد".
ويمثل البيان الصادر من داخل مجمع مليتة – المشترك بين المؤسسة الوطنية للنفط وشركة "إيني" الإيطالية –رسالة ضغط واضحة موجهة إلى إيطاليا، في محاولة لزجها في الصراع السياسي الداخلي. وأكد المحتجون استعدادهم لإغلاق المجمع ووقف نشاطه بالكامل، إذا لم تتراجع الحكومة الإيطالية عن دعمها السياسي والاقتصادي لحكومة الوحدة الوطنية.
ومنح المحتجون مهلة زمنية مدتها 72 ساعة لتلبية مطالبهم، ملوّحين بالتصعيد إذا لم تُتخذ خطوات ملموسة تجاه تغيير الموقف الإيطالي، ومتهمين روما بأنها "تدعم حكومة تعمل على إشعال حرب جديدة في العاصمة".
ويمثّل مجمع مليتة نقطة استراتيجية مهمة، ليس فقط في إطار الإنتاج النفطي الليبي، بل أيضاً من حيث ارتباطه بالمصالح الأوروبية، وخصوصاً الإيطالية، حيث يُعد أحد المصادر الرئيسية لتزويد إيطاليا بالغاز الليبي. وهو ما يفسّر محورية هذا الموقع كورقة ضغط حاسمة تستخدمها قوى مناهضة لحكومة الدبيبة.
وفي موازاة التحركات الميدانية، ارتفعت حدة الخطاب السياسي ضد حكومة الوحدة الوطنية في مؤسسات ليبية رسمية، وعلى رأسها مجلس النواب، الذي يطالب بشكل متزايد بإقالة عبدالحميد الدبيبة وتحميله مسؤولية تدهور الوضع الأمني والاقتصادي، وتفكك مؤسسات الدولة.
ويرى عدد من النواب أن الحكومة الحالية فقدت شرعيتها منذ انتهاء خارطة الطريق الأممية، ولا تمثّل اليوم سوى طرف سياسي واحد يخدم مصالحه، بينما تعجز عن ضبط الأوضاع في العاصمة التي تشهد بين حين وآخر اشتباكات مسلحة بين الميليشيات المتنازعة على النفوذ.

وتجد هذه المطالب صداها أيضًا في مواقف عدد من القوى السياسية والبلديات، التي ترى في استمرار حكومة الوحدة الوطنية عامل توتير دائم للمشهد الليبي، وتطالب بمرحلة انتقالية جديدة تُعيد التوازن للمؤسسات، وتحضّر لانتخابات جامعة.
وفي سياق متصل، تواجه إيطاليا انتقادات متزايدة داخل ليبيا، لا سيما من جانب المعسكر المناهض للدبيبة، بسبب استمرار دعمها لحكومته سياسياً واقتصادياً، رغم الفوضى التي يشهدها الغرب الليبي. ويأتي ذلك في وقت تحاول فيه روما تعزيز علاقاتها مع طرابلس من أجل ضمان استمرار إمدادات الطاقة، ومنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين نحو أوروبا.
لكن هذه العلاقة باتت تُوظَّف كأداة ضغط، في ظل تلويح بعض القوى الليبية بإعادة النظر في الشراكات النفطية أو تعليق المشاريع الثنائية في حال استمرار "الانحياز الإيطالي"، وهو ما يضع حكومة جورجيا ميلوني أمام اختبار دقيق لموازنة مصالحها الاستراتيجية في ليبيا مع الحفاظ على حيادها السياسي المعلن.
والمعركة حول شرعية حكومة الدبيبة لم تعد داخلية فقط، بل باتت تشمل الأدوار الإقليمية والدولية، وخصوصاً القوى الأوروبية ذات المصالح المباشرة في ليبيا، وعلى رأسها إيطاليا. ومع دخول ورقة النفط كأداة ضغط فعلية، يبدو أن الأطراف المناهضة لحكومة الوحدة تسعى إلى توسيع دائرة التأثير، ونقل المواجهة إلى مستويات جديدة تتجاوز حدود الخلاف السياسي الداخلي.
وتُظهر التحركات الجارية أن الأزمة الليبية تتجه نحو مزيد من التعقيد، في ظل غياب توافق فعلي بين الأطراف المتنازعة، وتفكك المؤسسات، وتنامي سطوة الجماعات المسلحة التي باتت تتحكم في قرارات الحرب والسلم، وحتى في مستقبل الحكومات.
وفي حال لم تُبادر الأطراف الإقليمية والدولية إلى الدفع نحو تسوية عادلة وتغيير في المقاربات المعتمدة، فإن سيناريو الانفجار السياسي والعسكري في طرابلس، ومعه تعطيل المنظومة النفطية، قد لا يكون بعيدًا عن المشهد خلال الأسابيع المقبلة.