مايكروسوفت تطلق العنان لذكاء اصطناعي أبرع من الأطباء بأربع مرات!

نظام التشخيص الطبي 'داياكنوستيك أوركسترايتر' يتفوق وفق صانعيه على المختصين في تشخيص الحالات المعقدة بنسبة 85.5 بالمئة مقابل 20 بالمئة بالاعتماد على تفاعل بين وكلاء ذكاء اصطناعي يحاكون لجنة أطباء.

أعلنت شركة مايكروسوفت عن تطوير نظام تشخيص طبي متقدّم مدعوم بالذكاء الاصطناعي، يتمتع بقدرة فائقة على تحليل الحالات الطبية المعقدة، متفوقًا بأربعة أضعاف على أداء الأطباء البشريين في اختبارات صارمة. وتصف الشركة هذا التقدّم بأنه بداية طريق نحو ما تسميه "الذكاء الطبي الفائق"، في خطوة قد تُحدث ثورة في نظم الرعاية الصحية حول العالم.

النظام الجديد، الذي يحمل اسم "Microsoft AI Diagnostic Orchestrator" (MAI-DxO)، هو أول مشروع من وحدة الذكاء الاصطناعي الصحي في مايكروسوفت، التي أنشأها رائد التكنولوجيا البريطاني مصطفى سليمان عام 2024، بالتعاون مع فريق استقطبه من مختبر "ديب مايند" التابع لغوغل، والذي شارك هو نفسه في تأسيسه سابقًا.

لجنة طبية افتراضية تناقش وتُشخّص

يعتمد "منسق التشخيص" (Orchestrator) على تجميع خمسة وكلاء ذكاء اصطناعي افتراضيين، يتقمص كلٌّ منهم دورًا متخصصًا في التشخيص الطبي: من اقتراح الفرضيات إلى اختيار الفحوصات وتحليل النتائج، ثم يدخلون في "نقاش" تفاعلي فيما بينهم للوصول إلى تشخيص نهائي. وتُستخدم في هذا الأسلوب تقنية مبتكرة تُعرف بـ**"سلسلة النقاش" (Chain of Debate)**، تجبر كل وكيل على شرح خطوات تفكيره بشكل شفاف ومنطقي.

لاختبار فعالية النظام، اختارت "مايكروسوفت" 304 حالة طبية حقيقية من المجلة العلمية المرموقة New England Journal of Medicine، وهي حالات توصف بأنها من بين الأصعب التي واجهها أطباء في الممارسة السريرية.

نتائج تفوق التوقعات

عند تشغيل النظام مع نموذج الذكاء الاصطناعي المتقدم "o3" من أوبن آي، تمكن من تشخيص 85.5% من الحالات بدقة، مقابل 20% فقط من الأطباء البشريين الذين لم يُسمح لهم بالاستعانة بكتب أو زملاء خلال الاختبار. وأثبت "المنسق" أنه قادر على تعزيز أداء نماذج لغوية ضخمة طورتها شركات مثل "ميتا"، "أنثروبيك"، "غوغل"، "إكس إيه آي" (xAI)، و"ديب سيك"، لكنه أظهر أفضل أداء بالتعاون مع "o3".

تقلل عدد الفحوصات المطلوبة للوصول إلى تشخيص،

كما تم تصميم المنظومة لتكون واعية بالتكلفة، حيث تقلل عدد الفحوصات المطلوبة للوصول إلى تشخيص، ما أدى إلى وفورات مالية تُقدّر بمئات الآلاف من الدولارات في بعض السيناريوهات، وفق ما أكده دومينيك كينغ، الرئيس السابق لوحدة الصحة في ديب مايند والمنضم حديثًا إلى "مايكروسوفت".

دعم للأطباء لا استبدال لهم

رغم هذا التفوّق الرقمي، شددت "مايكروسوفت" على أن الذكاء الاصطناعي لن يحلّ محل الأطباء، بل سيكمل أدوارهم، لا سيما أن الممارسة الطبية تتطلب مهارات إنسانية مثل بناء الثقة مع المرضى والتعامل مع الغموض، وهي أمور لا يستطيع الذكاء الاصطناعي محاكاتها بعد. وأكد سليمان أن "الهدف ليس إزاحة الأطباء، بل تسليحهم بأدوات أقوى وأكثر دقة"، مضيفًا: "نقترب من نماذج لا تتفوق قليلاً فقط على الأداء البشري، بل تتجاوزه بشكل هائل – أسرع، أرخص، وأكثر دقة بأربع مرات. هذا سيكون تحوّلًا جذريًا".

رؤية استراتيجية في ظل توترات مع أوبن آي

رغم تعاونها الوثيق مع "أوبن آي" واستثمارها نحو 14 مليار دولار في شراكتها، تواجه "مايكروسوفت" تحديات في العلاقة مع الشركة الناشئة التي تسعى حاليًا إلى التحول إلى كيان ربحي بالكامل. ومع ذلك، شدد سليمان على أن الشركة لا تتحيّز لأي نموذج محدد، قائلاً: "سنصل إلى مرحلة تصبح فيها النماذج مجرد سلع… التميّز الحقيقي سيكون في المنسق الذي يجمعها ويوجهها".

قفزة نحو الطب الرقمي.. لكن بتأنٍ

تخطط "مايكروسوفت" لإدماج هذا النظام قريبًا في أدواتها اليومية مثل روبوت المحادثة "Copilot" ومحرك Bing، اللذين يعالجان أكثر من 50 مليون استفسار صحي يوميًا. إلا أن الشركة تعترف بأن التكنولوجيا لا تزال في مراحلها المبكرة، ولم تخضع بعد لمراجعة علمية كاملة، كما أنها غير جاهزة للاستخدام في العيادات أو المستشفيات.

واعتبر الطبيب الأميركي إريك توبول، مؤسس معهد سكريبس للأبحاث، أن هذه الدراسة "فارقة"، مشيرًا إلى أنها تُعد أول دليل ملموس على أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قادر على تحسين الدقة التشخيصية وخفض التكاليف، حتى لو لم تُطبّق بعد في بيئة سريرية حقيقية.