العمال الكردستاني يتهم أنقرة بالتنصل من التزامات اتفاق السلام

مسؤول في الحزب يؤكد أن السلطات لم تقم بتحسين ظروف احتجاز الزعيم الكردي عبدالله أوجلان متهما أطرافا داخل الدولة التركية بمحاولة افشال عملية السلام.

أنقرة - وسط ترقب داخلي وخارجي لبوادر انفراج محتمل في أحد أطول النزاعات المسلحة في المنطقة، اتهم حزب العمال الكردستاني، الأربعاء، السلطات التركية بـ"عدم الجدية" في التعامل مع المرحلة الحساسة المرتبطة بإنهاء العمل المسلح، ملوّحاً بأن أي نكسة في هذا المسار ستكون "مسؤولية مباشرة لأنقرة".
وقال مصطفى كارازو، أحد مؤسسي الحزب وعضو الهيئة القيادية فيه، في مقابلة مع قناة "ميديا خبر" القريبة من الحزب، إن "الحزب ملتزم تماماً بخيار الحل السياسي والتخلي عن السلاح، وقد اتخذ خطوات جريئة في هذا الاتجاه، لكن الحكومة التركية لم تتخذ بعد الإجراءات الضرورية التي تعكس نوايا جدية لإنهاء النزاع".
وأوضح أن الحزب انتظر منذ أشهر خطوات مقابلة من الدولة التركية، أبرزها تحسين ظروف احتجاز الزعيم الكردي عبدالله أوجلان، والبدء بخطوات تمهيدية تعكس تحولاً في التعاطي مع الملف الكردي. لكن بحسب قوله، فإن ما يحدث "يعكس رغبة من أطراف داخل الدولة التركية في إفشال العملية، ودفع الأمور نحو التصعيد من جديد".
وأشار إلى أن "هناك جهات نافذة في مؤسسات الدولة التركية لا تريد للحل أن يُستكمل، بل تسعى لفرض نهج أمني عسكري بدلاً من المسار السياسي"، محذراً من أن "استمرار هذا التعطيل سيدفع الحزب لإعادة النظر في استمرارية التزامه بوقف العمليات المسلحة".

التعطيل سيدفع الحزب لإعادة النظر في استمرارية التزامه بوقف العمليات المسلحة

وكانت مصادر كردية قد ألمحت في الأسابيع الماضية إلى احتمال إطلاق المرحلة الأولى من عملية إلقاء السلاح بين الثالث والعاشر من يوليو/تموز، في حال توفرت المؤشرات المطلوبة من الجانب التركي. إلا أن كارازو لم يؤكد هذا الموعد، واكتفى بالقول: "نحن جاهزون، لكن الطرف الآخر لم يبدِ الجاهزية نفسها".
واتهم كارازو الحكومة بالتلاعب بالرأي العام، عبر الإيحاء بأن الحزب هو من يُعرقل، بينما الوقائع على الأرض، وفق تعبيره، تُظهر العكس تماماً. ولفت إلى أن الحزب "أوقف العمليات العسكرية، والتزم بتوجيهات قائده أوجلان بالدخول في مرحلة سياسية، لكن الحكومة لا تزال ترفض حتى مجرد فتح قنوات رسمية للحوار".
وشدد على أن أحد أبرز المؤشرات على غياب الإرادة التركية هو "الإصرار على إبقاء عبد الله أوجلان في عزلة تامة منذ أكثر من 26 عاماً"، رغم أن الأخير، وبحسب رسائل نقلها محاموه سابقاً، كان قد دعا إلى حلّ الحزب لنفسه والاندماج في الحياة السياسية المدنية.
وأوضح أن "بعض الأصدقاء توجهوا إلى جزيرة إمرالي للقاء أوجلان، لكن الأمر لا يزال محدوداً جداً وغير كافٍ... يجب إنهاء سياسة السجن الانفرادي والاعتراف بأوجلان كطرف محوري في أي حل شامل".
واعتبر قياديون آخرون في الحزب، يتخذون من شمال العراق مقراً لهم، أن التصعيد المتعمد من جانب الدولة التركية يهدد بتقويض فرصة نادرة لتحقيق السلام بعد أكثر من أربعة عقود من النزاع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف. ولفتوا إلى أن "تكرار سيناريو إفشال مبادرات الحل، كما حدث في 2015، لن يؤدي إلا لمزيد من الدماء والدمار، وهذه مسؤولية الدولة أولاً وأخيراً".
ويعتقد مراقبون أن مواقف حزب العمال الكردستاني تعكس قلقاً حقيقياً من تحركات في الداخل التركي تهدف إلى تأبيد الأزمة الكردية، خصوصاً مع وجود أصوات نافذة في الجيش والمؤسسة الأمنية ترى في أي حل سياسي تهديداً لتركيبة الدولة المركزية.
من جهتها، لم تُصدر الحكومة التركية أي تعليق رسمي على تصريحات كارازو، لكن وسائل إعلام مقربة من السلطة هاجمت مجدداً الحزب واتهمته بـ"اللعب على الوقت"، في مؤشر على تعقيدات المشهد السياسي المرتبط بالملف الكردي.
وتقول مصادر سياسية كردية إن "الكرة في ملعب أنقرة"، وأن الحزب مستعد للمضي في خيار التخلي الكامل عن العمل المسلح ضمن ضمانات واضحة، تشمل حقوق الأكراد السياسية والثقافية، ووقف السياسات الأمنية التعسفية، وفتح الباب أمام دور قيادي لعبدالله أوجلان.
لكن في ظل غياب تحركات ملموسة من الجانب التركي، وظهور مؤشرات على تبنّي خيار الحسم الأمني بدلاً من التفاوض، تبقى إمكانية تراجع حزب العمال الكردستاني عن قراره بإلقاء السلاح واردة، بل ومرجحة، إن لم تتغير الظروف.