وفاة ناشط مدني في ظروف غامضة تثير عاصفة غضب في ليبيا

البعثة الأممية تطالب بتحقيق يشمل تفاصيل احتجاز عبدالمنعم المريمي والمزاعم المرتبطة بانتهاكات جسيمة تعرض لها.

طرابلس - تتفاعل في ليبيا قضية وفاة الناشط المدني عبدالمنعم المريمي، نجل شقيق المسؤول الأمني السابق أبوعجيلة المريمي، وسط تصاعد المطالبات بكشف ملابسات وفاته التي وُصفت بـ"الغامضة"، بعد احتجازه من قبل جهاز الأمن الداخلي، في حين دعت بعثة الأمم المتحدة إلى فتح تحقيق شفاف ومستقل يشمل ظروف اعتقاله، والتقارير التي تحدثت عن تعرضه للتعذيب.
وأعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن "صدمتها العميقة وحزنها البالغ" بعد تأكيد وفاة المريمي، الذي اختُطف في 30 يونيو/حزيران الماضي بمدينة صرمان، وتمت إحالته إلى النيابة العامة في 3 يوليو/تموز الجاري، قبل أن يُعلن عن وفاته في الخامس من الشهر نفسه، في ظروف ما زالت غير واضحة.

وفي بيانها، طالبت البعثة بتحقيق يشمل تفاصيل احتجازه والمزاعم المرتبطة بانتهاكات جسيمة تعرض لها، وأدانت ما وصفته بـ"التهديدات والاعتقالات التعسفية" التي تطال النشطاء في ليبيا، مشددة على ضرورة احترام الحريات العامة ووقف الممارسات القمعية.
وعقب إعلان الوفاة، خرجت احتجاجات غاضبة في العاصمة طرابلس ومناطق أخرى، حيث أغلق محتجون عدداً من الطرق الرئيسية في أحياء تاجوراء، عين زارة، سيدي المصري، الدهماني والسراج، منددين بما وصفوه بـ"جريمة قتل تحت التعذيب". ورفع المتظاهرون شعارات تطالب بإقالة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، محملين إياها مسؤولية ما حدث للمريمي.
وفي ميدان الجزائر وسط العاصمة، تجمع العشرات مطالبين بفتح تحقيق فوري ومحاسبة المسؤولين، في حين اتجه محتجون إلى مقر مكتب النائب العام للمطالبة بإجراءات قضائية عاجلة.
وامتدت الاحتجاجات إلى مدينة الزاوية غرب البلاد، حيث أقدم متظاهرون على إغلاق الطريق الساحلي وأشعلوا إطارات، مؤكدين عزمهم مواصلة التصعيد حتى تتم محاسبة المتورطين.
وفي روايته للأحداث، قال مكتب النائب العام إن المريمي تعرض لإصابة خلال "محاولة فرار"، بعدما تم التحقيق معه وصدور قرار بالإفراج عنه، مضيفاً أنه "قفز من علوّ ما أدى إلى إصابته بجروح استدعت نقله إلى المستشفى".
وأوضح البيان أن النيابة شاهدت تسجيلات كاميرات المراقبة وعاينت موقع الحادث، لكن هذه الرواية قوبلت بتشكيك واسع من قبل النشطاء ومكونات المجتمع المدني.
وقال أحد شباب "حراك إسقاط الحكومة" إن الرواية الرسمية لا تتطابق مع التقرير الطبي الذي يشير إلى أن الوفاة ناجمة عن ضربة قوية في الرأس، مؤكداً أن جسده كان خاليًا من أي كسور أو آثار ارتطام، ما يدحض فرضية السقوط من الأعلى.
وطالب المتحدث بنشر تسجيلات كاميرات المراقبة، معتبرًا حجبها بمثابة دليل على "جريمة قتل متعمدة"، داعيًا إلى فتح تحقيق بإشراف لجنة مستقلة ومحايدة.
وأكدت مصادر طبية من داخل مصحة الخليل بطرابلس، حيث نُقل المريمي، لتلفزيون "المسار" أنه وصل في حالة غيبوبة تامة، وأن الفحوصات أثبتت تعرضه لصدمة عنيفة في الرأس أدت إلى نزيف داخلي، دون وجود أي كسور أو إصابات في بقية أنحاء جسده.
وأضاف المصدر أن عناصر أمنية رافقت المريمي أثناء إدخاله للمستشفى، وأصدرت تعليمات واضحة بمحو بياناته وتقاريره الطبية من منظومة المصحة، وهو ما زاد من الشكوك حول رواية السقوط.
وأصدر المجلس الاجتماعي سوق الجمعة والنواحي الأربع بياناً نعى فيه المريمي وندد بما وصفه بـ"جريمة غامضة وبشعة"، مطالبًا بمحاسبة المتورطين وتقديمهم إلى العدالة، ومحذرًا من أن هذه الممارسات ستقود البلاد إلى مزيد من التدهور والانقسام.
من جهته، اعتبر المرشح الرئاسي سليمان البيوضي أن الحادثة تمثل "جريمة مكتملة الأركان"، قائلاً في منشور على صفحته: "قتل عبدالمنعم هو مشروع لقتلنا جميعاً"، داعياً الليبيين لعدم الصمت كي لا يتضاعف عدد الضحايا.

كما عبّر المرشح لرئاسة الحكومة الموحدة، محمد المزوغي، عن غضبه من استمرار ما وصفه بـ"نزيف الدم الليبي"، وطالب مجلسي النواب والدولة والقيادات العسكرية بتحمّل مسؤولياتهم وإنقاذ الوطن.
وقال "نودع اليوم عبدالمنعم المريمي، وقد نودع غدًا المزيد من شبابنا، إن لم يتم وضع حد لهذه الفوضى والدمار".
وفي تصريحات نارية لتلفزيون "المسار"، اعتبر المحلل السياسي حمد الخراز أن الحادثة تؤكد أن حكومة الدبيبة تستخدم أجهزة الدولة وميليشياتها لترهيب الخصوم وتكميم الأفواه.
وأضاف أن الممارسات التي تقوم بها الحكومة "ستفجّر غضب الشارع"، وأن "الدبيبة لا يحترم حقوق الإنسان، ويقود البلاد نحو الهاوية بسياسات قمعية مفضوحة".
ووصف الخراز الوضع في طرابلس بأنه "قابل للانفجار في أي لحظة"، مشيرًا إلى أن المواطن الليبي لم يعد قادرًا على تحمل المزيد من الدماء والقمع، وأن "التنظيم الحاكم اليوم لن يستمر طويلاً أمام تصاعد الحراك الشعبي".