وفاة المريمي تدفع النائب العام لفتح ملف الاحتجاز القسري في ليبيا

مستشار النائب العام يصدر قرارًا بتشكيل لجنة مختصة لمراجعة أوضاع نزلاء مؤسسة الإصلاح والتأهيل الرئيسية في طرابلس، إلى جانب الانتقال إلى جهاز الردع وذلك للتحقق من قانونية إجراءات الاحتجاز.
النائب العام يشدد على ضرورة الالتزام بالاختصاص القضائي السليم واحترام الإجراءات القانونية

طرابلس - أطلق النائب العام الليبي حملة تدقيق واسعة تستهدف حالات الاحتجاز غير القانوني في مراكز التوقيف بالعاصمة طرابلس، سواء تلك الخاضعة لأجهزة أمنية موالية لحكومة عبدالحميد الدبيبة أو تحت سيطرة جماعات مسلحة منافسة لها حيث بات ملف الاحتجاز غير القانوني مثار قلق حقوقي داخلي وعلى المستوى الدولي.
ويأتي هذا التحرك القضائي عقب تصاعد الانتقادات الحقوقية والدولية، لا سيما بعد وفاة الناشط المدني عبدالمنعم المريمي أثناء احتجازه في أحد مراكز الإصلاح، وهي الحادثة التي أعادت تسليط الضوء على واقع مراكز التوقيف في ليبيا، حيث يُحتجز كثيرون لأسباب سياسية أو نتيجة لنشاطات حقوقية دون سند قانوني واضح.
وأصدر مستشار النائب العام قرارًا بتشكيل لجنة مختصة لمراجعة أوضاع نزلاء مؤسسة الإصلاح والتأهيل الرئيسية في طرابلس، إلى جانب الانتقال إلى جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وذلك للتحقق من قانونية إجراءات الاحتجاز وتسوية الملفات المتراكمة.

وبدأت اللجنة عملها بفتح ملفات المحتجزين، حيث تبيّن من الإحصائيات الرسمية أن جهاز الردع أحال منذ عام 2016 وحتى 2021 نحو 3.179 محضرًا إلى النيابة العامة، التي تابعت الإفراج عن 3.975 محتجزًا، ضمن قرارات شملت العفو العام، أو تدابير الحد من تفشي جائحة كورونا، أو انتهاء الإجراءات القانونية.
وفي السنوات الأخيرة، استمرت هذه الإحالات، إذ بلغ عدد المحاضر في 2022 نحو 794 محضرًا، أُفرج بموجبها عن 610 متهمين، في حين شهد عام 2023 إحالة 1.147 محضرًا أسفر عن إطلاق سراح 611 موقوفًا، أما في النصف الأول من 2025، فقد تم الإفراج عن 258 شخصًا من أصل 369 محضرًا تلقتها النيابة.
وخلال مراجعة جديدة لملفات 192 موقوفًا، أوصت اللجنة بالإفراج عن 35  منهم لانقضاء مدة العقوبة أو لوجود أوامر قضائية سابقة لم تُنفذ. كما دعت إلى الإسراع في محاكمة بقية النزلاء، وقررت ترحيل سبعة أجانب إلى بلدانهم بعد انتهاء الإجراءات القانونية بحقهم.
وفي سياق المراجعة، شملت الملفات ثمانية موقوفين نسبت إليهم أنشطة تتعلق بجماعات منظمة عابرة للحدود، من بينها قضايا خطف لمواطنين أجانب من إيطاليا وتركيا، والمشاركة في التخطيط لأنشطة مسلحة في دول الجوار. ومن المرتقب أن تُعرض قضاياهم أمام القضاء يوم الأحد المقبل، بعد استكمال التحقيقات الأولية وسماع أقوالهم.
وشدّد النائب العام على ضرورة الالتزام بالاختصاص القضائي السليم واحترام الإجراءات القانونية من لحظة الاستدلال حتى التحقيق والمحاكمة، مؤكدًا أن النيابة لن تتهاون مع حالات الاحتجاز التي تنتهك القانون، أو تمسّ الحقوق الأساسية للموقوفين.
من جانبها، أكدت وزارة العدل الليبية أن اللجنة القضائية رصدت بالفعل حالات احتجاز غير قانوني، وأفرجت عن عدد من الأفراد الذين صدرت بحقهم أوامر قضائية لم تُنفذ سابقًا. كما تم تحديد جلسات محاكمة للعديد من المحتجزين الذين طالت مدة توقيفهم دون صدور حكم قضائي.

وأشارت الوزارة إلى أن الدولة "تلتزم بإخضاع جميع مؤسسات الاحتجاز للرقابة القضائية"، وشدّدت على ضرورة احترام المعايير القانونية وحقوق الإنسان في سياق الإجراءات الأمنية.
وتأتي هذه التطورات في وقت حساس سياسيًا، حيث تُعد جزءًا من جهود التهدئة في العاصمة طرابلس، بعد الاتفاق الأخير بين رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة على احتواء التوتر الأمني وإعادة بسط سلطة القانون على المؤسسات.
ويرى مراقبون أن خطوة النائب العام تعبّر عن محاولة جادة لإعادة الاعتبار إلى القضاء في ظل الانقسامات التي تعصف بمؤسسات الدولة الليبية، والتي ساهمت في تفاقم ظاهرة الاحتجاز التعسفي على خلفيات سياسية أو مناطقية أو حقوقية.
بينما لا تزال الطريق نحو تسوية شاملة لهذا الملف طويلة، تمثل هذه الخطوة مؤشرًا أوليًا على استعادة بعض التوازن في مؤسسات الدولة الليبية، ومحاولة لتقليص نفوذ الجماعات المسلحة على حياة المواطنين وحقوقهم الأساسية.
ويبقى نجاح هذه الجهود مرهونًا بمدى استقلال القضاء وقدرته على تنفيذ قراراته، وكذلك بمستوى التعاون من الأطراف السياسية والأمنية المختلفة في غرب ليبيا.