الجيش الإسرائيلي ينفذ توغلا بريا محدودا في جنوب لبنان
بيروت - أعلن الجيش الإسرائيلي، يوم الأربعاء، عن تنفيذ عمليات برية "خاصة ومركزة" داخل الأراضي اللبنانية، في تصعيد عسكري جديد يُهدد بتقويض التفاهمات القائمة على جانبي الحدود بين إسرائيل ولبنان منذ عام 2006. وبحسب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، فإن هذه العمليات تستهدف ما وصفه بـ"البنى التحتية الإرهابية" التابعة لحزب الله في جنوب لبنان.
وقال أدرعي، عبر منصة "إكس"، إن القوات الإسرائيلية تحركت بناءً على معلومات استخباراتية، ونفّذت عمليات تهدف إلى "تدمير وسائل قتالية ومنع إعادة تموضع حزب الله في المنطقة". وأرفق منشوره بفيديوهات ليلية تُظهر جنودًا إسرائيليين يتوغلون راجلين في الأراضي اللبنانية، بما في ذلك شريط حمل عنوان "عملية ليلية نفذها لواء عوديد (9) في جنوب لبنان".
العمليات الإسرائيلية هذه تأتي رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب الاخيرة والذي نصّ على انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، مقابل التزام حزب الله بالانسحاب من جنوب نهر الليطاني وتعزيز انتشار القوات المسلحة اللبنانية وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل).
إلا أن الواقع على الأرض يشي بعكس ذلك، إذ تواصل إسرائيل احتلال خمس مناطق استراتيجية على الحدود اللبنانية، من أبرزها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وهي أراضٍ يعتبرها لبنان أراضيه السيادية، وتطالب الأمم المتحدة بانسحاب إسرائيل الكامل منها. ومع كل تصعيد ميداني، تعود إلى الواجهة قضية الاحتلال الإسرائيلي المستمر لأراضٍ لبنانية، كدليل واضح على انتهاك القرارات الدولية، وفي مقدمتها القرار 1701.
وفي تطور غير مسبوق، أعلنت إسرائيل الثلاثاء عن شن غارة جوية في شمال لبنان، قالت إنها استهدفت خلية تابعة لحركة "حماس" قرب مدينة طرابلس. وأسفرت الضربة عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 13 آخرين، ما أثار قلقًا واسعًا من إمكانية توسيع دائرة النزاع إلى مناطق جديدة داخل لبنان.
وتبرر إسرائيل ضرباتها الجوية والبرية بأنها دفاعية وتهدف إلى "إزالة أي تهديد محتمل"، خصوصًا من قبل حزب الله، الذي تتهمه بمحاولة إعادة ترميم بنيته العسكرية بعد تلقيه ضربات قاسية على مدار الأشهر الماضية.
ومنذ وقف اطلاق النار تسجل القوات الدولية (يونيفيل) عشرات الخروقات الجوية والبرية الإسرائيلية شهريًا، تشمل تحليق طائرات حربية ومسيّرات في الأجواء اللبنانية، وتنفيذ توغلات محدودة داخل الأراضي الحدودية. وعلى الرغم من الإدانات اللبنانية الرسمية المتكررة، فإن المجتمع الدولي لم يفرض حتى الآن أي إجراءات فاعلة تلزم إسرائيل بالانسحاب الكامل ووقف انتهاكاتها.
وفيما يُحذر مراقبون من احتمال اتساع نطاق المواجهة العسكرية، يرى آخرون أن تصاعد هذه العمليات يعكس سعيًا إسرائيليًا لإعادة رسم خطوط السيطرة في الجنوب اللبناني، ولو بشكل غير معلن، في ظل ضعف الردع السياسي والأمني من الجانب اللبناني.
ويُنظر إلى التصعيد الإسرائيلي على أنه اختبار حقيقي لوحدة الموقف اللبناني، في ظل الانقسام السياسي والمؤسساتي الحاد داخل الدولة، والذي انعكس على أداء الأجهزة الأمنية والعسكرية في مواجهة التهديدات المتزايدة. ويُعزز هذا الوضع هشاشة الدولة، ويمنح إسرائيل هامشًا أوسع للاستمرار في انتهاكاتها دون محاسبة.
في المقابل، يسعى بعض القادة السياسيين اللبنانيين، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام إلى استثمار الاتصالات الدولية لاحتواء التصعيد، فيما تجري مشاورات داخلية مكثفة بين الجيش اللبناني وقيادة "اليونيفيل" لخفض التوتر في مناطق الجنوب فيما تطالب إسرائيل وكذلك الولايات المتحدة حزب الله بتسليم سلاحه.
في المحصلة، تكشف التطورات الأخيرة عن واقع أمني معقّد على الحدود الجنوبية للبنان، حيث لا تزال سيادة الدولة منقوصة، ومناطق منها تحت الاحتلال، والانتهاكات الإسرائيلية باتت أكثر علنية وتحديًا للقانون الدولي.
ومع غياب آلية دولية حازمة لضمان التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن، يبقى المشهد مفتوحًا على احتمالات متعددة، من بينها انزلاق غير محسوب نحو مواجهة واسعة النطاق، قد يدفع ثمنها المدنيون في كلا الجانبين.