النجف في اعتصام مفتوح وبغداد تنتفض تنديدا بانقطاع الكهرباء

الكهرباء تنقطع تماما في معظم المحافظات العراقية قبل الفجر في واحدة من أسوأ حالات الانقطاع هذا العام وفي ظل موجة حرّ غير مسبوقة.
انقطاع الكهرباء والمياه يفجر احتجاجات في العراق
انقطاع الكهرباء أزمة مزمنة في العراق
العراق يخطط لمشاريع طاقة نووية لمواجهة النقص الحاد في الكهرباء
العراق أصبح رهينة لإيران لتأمين احتياجاته من الكهرباء

النجف/بغداد - بدأ مئات العراقيين اليوم الجمعة، اعتصاما مفتوحا في محافظة النجف جنوبي البلاد احتجاجا على استمرار أزمة الكهرباء في ظل ارتفاع درجات الحرارة.

وأقام المعتصمون خياما في ساحة الصدريين وسط النجف، معلنين اعتصاما مفتوحا إلى حين حل أزمة الطاقة الكهربائية.

وقال سجاد الساعدي أحد المعتصمين إن "الوضع بات لا يحتمل ولابد من تحرك شعبي واسع ليس في النجف ولكن في جميع المحافظات (العراقية) لإبعاد الفاسدين عن مواقع إدارة الدولة"، مطالبا "الحكومة والمسؤولين بإعلان فشلهم في الإدارة وترك مواقعهم لمن هم قادرون على حل الأزمة المستعصية منذ عام 2003".

وفي وقت سابق الجمعة، أعلنت وزارة الكهرباء، إعادة تشغيل منظومة الطاقة الكهربائية في البلاد بعد توقفها لساعات، إثر استهداف أبراج لنقل الطاقة في محافظتي ديالى شرقا وصلاح الدين شمالا‎ من قبل مجهولين، فيما تتهم السلطات مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالوقوف وراء معظم تلك الهجمات.

وتسبب الاستهداف بانقطاع تام للتيار الكهربائي في محافظات البلاد باستثناء إقليم كردستان (شمال)، أي في 15 محافظة من أصل 18.

وعلى أثر الانقطاع الأخير، قرر الكاظمي تشكيل خلية لمواجهة نقص توفر الكهرباء، وأعلن قبوله استقالة وزير الكهرباء ماجد حنتوش ومدير عام الشركة العامة لنقل الطاقة (جنوب) أحمد خيري ووجه بالتحقيق في قضايا الإهمال، حسب بيان سابق صدر عن مكتبه.

ويعاني العراق أزمة نقص الكهرباء منذ عقود جراء الحروب المتعاقبة وعدم استقرار الأوضاع الأمنية في البلاد، فضلا عن استشراء الفساد.

وفي العاصمة بغداد نظم مئات العراقيين احتجاجا على زيادة انقطاع الكهرباء ونقص إمدادات المياه بينما تجاوزت درجات الحرارة الخمسين مئوية في بعض أنحاء البلاد.

وأدى المصلون صلاة الجمعة في حي مدينة الصدر في بغداد وهم يتصببون عرقا أسفل مظلات ثم نظموا احتجاجا ينتقد الحكومة لعدم توفير كهرباء كافية للمواطنين.

وقال عامل يدعي حيدر حسين (32 عاما) "الأمر يزداد سوء. يمكننا تحمل انقطاع الكهرباء ولو لعشر ساعات يوميا، لكن أعطونا شيئا فحسب".

وقال السكان إن الكهرباء انقطعت تماما في معظم المحافظات العراقية قبل الفجر في واحدة من أسوأ حالات الانقطاع هذا العام. وعادت بعض خطوط شبكة الكهرباء الرئيسية للعمل في بغداد بحلول الظهر.

وكسا الضباب الدخاني سماء بغداد، التي يحظى سكانها بإمدادات أفضل مقارنة بالمناطق الأكثر فقرا في جنوب البلاد، بعد شروق الشمس إذ استخدمت المنازل مولدات الكهرباء التي تعمل بالديزل لفترات أطول من المعتاد.

وتعاني شبكة الكهرباء الرئيسية في العراق من انقطاعات تستمر لساعات يوميا على مدار العام، لكن الأمر يتفاقم خلال شهور الصيف عندما تسجل درجة الحرارة عادة 50 مئوية ويزيد استخدام مكيفات الهواء.

ويلقي العراقيون باللوم على حكومة تعتمد على واردات الطاقة من إيران، ويقولون إنها تقاعست عن تطوير شبكة كهرباء عراقية لخدمة السكان. وذكرت وسائل إعلام محلية أن وزير الكهرباء استقال هذا الأسبوع تحت ضغط أزمة الكهرباء.

وحمل حيدر السعيدي (52 عاما)، وهو من شيوخ العشائر وكان يشارك في احتجاجات مدينة الصدر، المسؤولية للنخبة السياسية التي تحكم العراق منذ الإطاحة بصدام حسين في 2003.

وقال "من نظام لآخر ما زلنا لا نملك ما يكفي من كهرباء. ماذا جلبت لنا الديمقراطية؟ الحال من سيء لأسوأ".

وأدى انخفاض إمدادات الكهرباء من إيران هذا الشهر وسلسلة هجمات نفذها مسلحون على خطوط الكهرباء إلى تفاقم الأزمة.

وكان العراق قد عدل أخيرا بوصلته صوب الطاقة النووية في مواجهة معضلة النقص الحاد في الكهرباء والتي فجرت موجات احتجاج شعبية طيلة السنوات الماضية، فيما يستورد معظم احتياجاته من الكهرباء من إيران الدولة الجارة التي سبق لها أن هددت بوقف الإمدادات بسبب ديون متراكمة.

وللتخفيف من تلك الأزمنة المزمنة، يخطط العراق لبناء 8 مفاعلات طاقة نووية بحلول العام 2030 لإنتاج 8 آلاف ميغاواط شهريا من الكهرباء، أي ما يعادل 25 بالمئة من مجمل احتياجاته، ما قد يقلل اعتماده على الخارج، وفق ما أكد الثلاثاء مسؤول عراقي.

وينتج العراق حاليا من نفطه ومن الغاز الذي يستورده من إيران المجاورة، 16 ألف ميغاواط من الطاقة الكهربائية شهريا، أي أقل بكثير من حاجته المقدرة بـ24 ألف ميغاواط خلال الشهر الواحد والتي تصل إلى 30 ألف ميغاواط خلال كل شهر من أشهر الصيف الحار.

ومن المقدّر أن يزداد استهلاك العراق للطاقة أكثر إذ أن عدد سكانه الأربعين مليونا قد يتضاعف بحلول العام 2050، وفق الأمم المتحدة.

وقال كمال لطيف رئيس الهيئة العراقية لتنظيم المواد المشعة "بحلول عام 2031 أو 2030، نأمل أن نتمكن من إنتاج 25 بالمئة من حاجتنا من الكهرباء بفضل الطاقة النووية، الأقل كلفة والمتوافرة في كل يوم من العام بخلاف الطاقة الشمسية مثلا والطاقات الأخرى المتجددة".

وتابع أن المفاوضات جارية مع شركات "روسية وكورية جنوبية وصينية وأميركية وفرنسية"، وقد تفضي إلى "توقيع اتفاق بحلول نهاية العام".

ورفض لطيف التعليق على معلومات صحافية مفادها أن كلفة المشروع تصل إلى 40 مليار دولار، قد تشكّل عبئا على بلد يعيش أسوأ أزماته الاقتصادية، لكنّه قال إن العراق سيتفاوض على تسهيلات بالدفع "تمتد إلى عشرين عاما مع احتمال أخذ قروض بفوائد مخفضة".

من جهتها، أكدت شركة 'روساتوم' الروسية الحكومية للطاقة النووية، كما نقلت عنها وكالة "تاس" الروسية للأنباء، أنها تفاوض العراق "على برنامج عمل كامل لتعاون محتمل بشأن تطبيقات التقنيات النووية لأهداف سلمية في مجالات الطاقة ومجالات أخرى".

ويرى الخبراء مع ذلك أن العراق بحاجة لتحديث بنيته التحتية، فهو يخسر من 30 إلى 50 بالمئة من الطاقة خلال نقلها بسبب تهالك الشبكات الكهربائية.

وأعلن العراق، ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، عن خطة متعددة السنوات لاستغلال غازه الطبيعي الذي يحترق في مشاعل شديدة التلويث تكلّفه كل عام 2.5 مليار دولار بحسب البنك الدولي.

وتهدف هذه الخطة إلى تقليص واردات الطاقة من إيران المجاورة التي تبلغ حاليا 28 مليون متر مكعب من الغاز يوميا لإنتاج 1300 ميغاواط من الكهرباء.

ووقع العراق بهدف ترميم بناه التحتية على مذكرات تفاهم مع شركة 'سيمنز' الألمانية مقابل 10 مليارات دولار ومع الأميركية 'جنرال إلكتريك' مقابل 15 مليار دولار، لكن المشروعين لا يزالان حبرا على ورق أو قيد الحجز في الرفوف.