الحنين إلي الدفء والأمان في 'شيفاز' أحمد الشربيني

الرواية بمثابة سيرة ذاتية عن الكاتب تشعر القارئ أنه يتلصص علي إنسان وهو يكشف عن دواخل ذاته بجرأة وشجاعة وصدق، يعترف بعذاباته، وبمخاوفه، وبلحظات ضعفه.

رواية "شيفاز" للكاتب المصري د. أحمد الشربيني رواية عذبة، تصور حكاية الإنسان حين يعاني من اغتراب عن ذاته، وحين يحاول طوال الوقت أن ينهي ذلك الاغتراب، أو حتي التعايش معه وفهمه، ورحلته أثناء ذلك.

الشخصيات

أحمد: البطل، رجل أربعيني، يعاني من وحدة، يحاول التصالح مع ذاته دوما، لديه علاقة شائكة مع المرأة، ناجح مهنيا.

الشخصيات الأخرى داخل الرواية غير واضحة، نراها فقط في تفاعلها مع البطل الرئيسي، وضمن علاقتها به.

الراوي

  الراوي هو البطل الذي يحكي عن نفسه بضمير المتكلم، وربما نستطيع أن نستنتج أيضا أنه هو نفسه الكاتب، نتيجة أن اسم البطل هو نفسه اسم الكاتب، يحكي عن الوقت الحاضر، ويستعرض الماضي، ويتمتع الحكي بعذوبة الكشف عن ما يدور داخل النفس من أفكار وانفعالات، والجرأة في تصوير ما يدور بالداخل ببطء وروية وعمق.

السرد

تقع الرواية في حوالي 220 صفحة من القطع المتوسط، تبدأ من الوقت الحاضر لتعود إلي فترة شباب الكاتب، ثم يعود مرة أخري إلي طفولته وذكرياتها، ثم يرجع إلي الحاضر ويكمل الحكي عن واقعه وعلاقاته بالآخرين. جاءت النهاية مفتوحة وإيجابية حيث أن البطل قد وجد امرأة يستطيع أن يتواصل معها بشكل سوي.

الاغتراب عن الذات

منذ بداية الرواية وأنا كقارئة أشعر بحس الاغتراب، البطل يجلس في ظل ضوء متقطع للمصباح، يستعيد حكايته ربما ليستطيع التقرب أكثر من ذاته، نراه وهو يحكي عن عقبات حياته في فترة شبابه وكيفية تحقيقه لنجاح مهني ملفت.

لكنه يتوقف بمهل وبطء عند تفاصيل صغيرة، عند رعبه من النظر إلي المرآة، عند شعوره أن ملامحه تخص رجلا آخر، حين يرتعب من تغييرات الزمن المتسارعة التي تبعده أكثر فأكثر عن صورته عن نفسه. عند خوفه من الناس رغم أنه يتعامل معهم طوال الوقت، عند رضاه بأن يجلس وحيدا حتي وهو وسط الناس يجالس سيجارته ومشروبه.

ونتفهم عبر الحكي ربما سر اغترابه، وهوحنينه الشديد لفترة الطفولة السعيدة التي افتقدها، جدته التي شكلت جزءا كبيرا من عالمه وهو طفل، وكانت تحكي له حكاياأشعلت خياله وأثرته، ومن فقدهم من أفراد عائلته سواء بالموت أو الغياب. حنينه الشديد هذا إلي فترة الطفولة السعيدة وإلي منزل الأسرة وقت أن كان يعج بالحياة ربما ساهم في اغترابه عن ذاته.

ابتعاده عن بلده سنوات طوال أيضا ربما سببا آخر لاغترابه، لكنه يعود ليعيش داخل بلده وداخل منزل الأسرة، يحاول استعادة الدفء والأمان والإحساس بالألفة، يستعين بفكرة قالتها له خالته المتوفية بأن أرواح تسكن في البيت،أرواح من أفراد عائلته البعيد يحيطون به ليؤنسون وحدته، حتي أنه في أحد المرات يشعر بلمسات حانية له ويرى اطياف لأحبائه.

يتجلي اغترابه أيضا في تعامله مع المرأة، فهو يقترب دوما اقترابا حذر، لا يعرف ماذ يريد بالضبط ممن يقترب منها، ويظل يتساءل دوما عن علاقته بها.

الخوف من الانغماس

من تجليات اغتراب البطل خوفه الشديد من أن ينغمس في حب حار، ففي علاقته ب"هند" تردد طويلا، ثم بعد أن استجاب لها ظلت التساؤلات عالقة دوما في ذهنه عن مدي استمتاعه واكتفاءه بتلك العلاقة وبتلك الفتاة، وفي النهاية تركها تحقيقا لنبؤة العرافة،أو ربما إرضاء لذاته القلقة الخائفة والمرتعشة.

 ومع "انجي" لم يكن يعرف تماما ماذا تفعل هي،ظل في خانة المستقبل دوما لما تفعل، يراها ويشاهدها وهي تقترب منه كما يحلو لها، ويكتفي بتحليل الأمر من وجهة نظر المشاهد البعيد.

ورغم أنه في خانة المتفرج إلا أنه أيضا انغمس دون أن يدري في إحساس التعلق بها، ورغم أنها أعلنت منذ البداية أن العلاقة بينهما علاقة حرة بدون التزامات،إلا أنه فوجئ بأنه أحب تفاصيلها وأحب وجودها، وأحب أنها تمنعه من أن يتعذب بإحساس الوحدة والفقد، واستسلم لها وهي تمارس علاقة وفق ما تريد وفقط.

وحين قرر إنهاء العلاقة لم يتخلص من تأثيرها، بل ظل يتعذب وقتا طويلا من تعلقه بها ومن انغماسه فيها، فهو يخاف من الانغماس وينغمس دون أن يدري. لكنه مع ذلك إنسان حساس يشعر بالحياة بشكل عال، وبمن حوله، وتقتله انطوائيته وربما تبعده عن مصدر الأذى.

حين يكتب الروائي نفسه

وقد يدور في ذهننا كقراء تساؤل حول ما إذا كانت هذه الرواية بمثابة سيرة ذاتية عن الكاتب، خاصة أنه وضع اسمه واضحا داخل الرواية، وهذه جرأة غير معهودة، حتي حين يعمد الكاتب إلي كتابة سيرته في الغالب يضع اسما آخر لنفسه، لكن هل وضعه لاسمه يعني أنه كتب ذاته أو حاول التعرف عليها من خلال الكتابة، ربما هي صورته عن ذاته التي يتخيلها، والتي يظن أنه يعرفها جيدا وربما غير في بعض التفاصيل أو لم يغير. لكن يبقي سحر أن يشعر القارئ أنه يتلصص علي إنسان وهو يكشف عن دواخل ذاته بجرأة وشجاعة وصدق، يعترف بعذاباته، وبمخاوفه، وبلحظات ضعفه، ولا يخش العيون المتلصصة، وربما يستمتع أن ينكشف أمامها واضحا بكامل حضوره.