آراء متنافرة بين النقاد السينمائيين وصناع الأفلام

العلاقة الجدلية بين الأقلام النقدية والعين الإخراجية المتباينة توحي بعدم النضج الثقافي في الحقل السينمائي المغربي.

الرباط - إن النقد الفني نسق من المبادئ والنتائج التي تصاغ في شكل مجموعة أراء تحاول تفسير وتحليل فن من الفنون، وفي هذا السياق يعتبر النقد السينمائي مكونا أساسيا في تشكيل الثقافة السينمائية، ويندرج العنوان المطروح ضمن العلاقة بين النقاد السينمائيين وصناع الأفلام، على اعتبار أن بينهم تنافرا مجانيا لا يخدم الثقافة السينمائية شكلا ومضمونا، فأي دور للنقد السينمائي في بناء صناعة الأفلام عوض هدمها؟ وهل يقبل الناقد السينمائي من ينتقده في نقده؟ ولماذا لا يقبل صناع الأفلام من ينتقدهم؟

إذا كانت الأعمال الفنية قابلة للنقد بما فيها الأفلام  من خلال منهج النقد القائم على إبراز نقاط الضعف ونقاط القوة في العمل، فإن النقد السينمائي أيضا يتم انتقاده باعتماد منهج  نقد النقد، وهو مجال بحث معرفي يركز على النقد الأدبي كموضوع أساسي، ويتشابك مع مجموعة متنوعة من السياقات المتصلة بالبحث في مجال الإبداع بشكل عام، مثل النظرية الأدبية والتنظير النقدي، إذ يهدف نقد النقد إلى استعراض المنهج النقدي ذاته، من خلال فحص مفاهيم النقد وبنيته اللوجيكية، ومبادئه الأساسية والافتراضات التفسيرية، والأدوات التي يستخدمها في إجراء التحليلات النقدية.

ويكون مناسبًا لنا القول أن ممارسة نقد النقد يتطلب شجاعة كبيرة من قِبل القارئ، ليس فقط بسبب صعوبته من الناحية المعرفية، بل أيضًا لأنه يضعك في موقف قرائي يتطلب التوازن بين الحيادية والتطرف في إصدار الأحكام في الوقت نفسه، إذ يُمكن اعتبار هذا النوع من القراءة شكل من أشكال الكفاءة النقدية التي تتطلب فهمًا عميقًا واستجابة متجاوبة، فهو يجعل القارئ ينضم إلى جماعة مميزة من القراء المتميزين.

أما في مجال الفنون البصرية فيُعرف العمل الفني عادة بأنه تجسيد لأبعاد مادية ثلاثية أو ثنائية تعبر عن رؤية صانعه، ويتميز بتصميم محترف إلى جانب كونه إنجازًا فنيًا مستقلاً يتمتع بوظيفة جمالية، حيث يُنظر إلى الفن الثنائي البصري غالبًا في سياق أوسع يشمل حركات فنية معينة، ويعتمد ذلك على النوعية والاتفاقيات الجمالية والثقافية فهي تعتمد أساسا على الاختلاف وليس التفاهم مع الحرص على عدم تطابقها مع الاتفاقيات الفنية التي يمكن إعادة تعريفها أو إعادة تصنيفها كمذاهب فنية، إذ تُعتبر بعض المفاهيم والأعمال الفنية تابعة لمذهب أو مدرسة معينة في مضمونها، وهذا دليل على أن الأعمال الفنية خالية من المثالية وقابلة للانتقاد والتحليل سواء في صناعة السينما أو التلفزيون.

فإذا كان الناقد السينمائي قابلًا للانتقاد، والأعمال السينمائية ليست مثالية بجوائزها، فلماذا هذا التنافر بين الناقد وصانع الفيلم؟ ولماذا لا يتقبل أحدهما الآخر؟ وعلى أي أساس يظهر الجانبان نوعًا من المثالية وجنون العظمة في أرائهم التي تبقى أساسا مجرد وجهة نظر؟

يتسم بعض النقاد في عالم السينما المغربية بتبني مواقف صارمة تجاه الأعمال السينمائية ومخرجيها، حيث يضعون أنفسهم في موقع السلطة والتحكيم، ما يؤدي إلى إقصاء الآراء المتنافرة ورفضها إذا لم تتماشَ مع رؤيتهم، إذ يعتبرون أنفسهم خبراء يحملون الحقيقة النهائية فيما يتعلق بتحليل الأفلام، حيث يتجاهلون أي انتقاد يأتي من خارج دائرة تفكيرهم، وهذا السلوك الاستبدادي قد يؤدي إلى قمع الإبداع وتقييد حرية المخرجين والفنانين الذين يسعون لتقديم أفكار جديدة ومبتكرة، فالمواهب المتميزة التي تجسد روح التجديد والتحدي قد تواجه صعوبات في الوصول إلى الجمهور والاعتراف بقيمتها بسبب مواجهتها لمثل هذا النوع الذي يرفض الاختلاف ويحاول فرض وجهات نظرهم على الآخرين.

على الجانب الآخر هناك أيضًا مخرجون يمكن أن يُعتبروا مصابين بـجنون العظمة، حيث يتغلغلون في مفاهيم الأهمية الزائدة لأعمالهم وأنفسهم، إذ يمكن أن يتسبب هذا في تفاقم الفجوة بينهم وبين النقاد ويتمسكون بقناعاتهم ورؤيتهم الفنية بصورة جامدة دون أخذ الانتقادات بعين الاعتبار، وتظل عرضةً للتقييم والتحليل، ومن بين أولئك الفنانين المنغمسين في خلق الأعمال السينمائية، يوجد فئة قليلة لا تتقبل الانتقادات بل تعتبر نفسها مثالية، وهي الفئة التي يُحَرِّضُها الغرور على التصديق بأن أعمالها خالية تمامًا من العيوب.

وهؤلاءَ الفنانون سواء كانوا مخرجين سينمائيين أو ممثلين أو كتَّاب سيناريو، ينظرون إلى أعمالهم كما لو كانت تمثل الكمال نفسه، إذ يرفضون أي انتقاد ويعتبرون أنفسهم فوق الخطأ مغمورين في عالمهم الخاص معتقدين أن كل ما يقدمونه في غاية المثالية والكمال ولا يعرفون ان النقص جزء من الكمال.

لا يمكن إنكار حقيقة أن كل عمل فني، سواء كان فيلمًا، أو عرضًا مسرحيًا، أو سيناريو، يحتوي على نقاط القوة والضعف، إن فهم هذه الحقيقة الجوهرية أمر بالغ الأهمية، حيث يكمن فيها مفتاح فهم جوهر الفن والإبداع، إذ أن الفن السابع ليس مجال لتحقيق المثالية، بل هو أرضية خصبة للتعبير الإبداعي واستكشاف أعماق الإنسانية والواقع، ويجب على صناع الافلام والفنانين الحقيقيين أن يكونوا مستعدين لاستقبال الانتقادات بصدر رحب، فهي تمثل فرصة ثمينة للنمو والتطور، فمن خلال قبولهم لهذه الانتقادات يمكنهم تحسين أعمالهم وتطويرها بشكل مستمر، لأن في عالم الفن لا يوجد مكان للغرور والتباهي بالكمال بل ينبغي للفنان أن يظل متواضعًا ومفتوحًا للتعلم والتحسين المستمر.

وإلى أن نصل إلى خاتمة هذا الجدال، فإننا ندرك وجود فئة من النقاد يتصورون أنفسهم أمراء الفن وقضاة الإبداع، رافضين بشدة أي نقد قد يستهدفهم، مغرورين بفكرة أنهم يحملون مقام السلطة الفنية الفارغة، فضلاً عن تجاهلهم المطاطي لأي شكوك بخصوص صحة تقديراتهم المعلنة، وليس هذا فحسب بل يضاف إلى الصورة الصناع السينمائيون المصابون بجنون العظمة، مستندين إلى سلسلة نجاحات سابقة أو يتخيلون براءة أعمالهم من العيوب، فلا يحتملون سماع النقد أو الانتقاد من أي كان.