'أدب الرحلة' تعيد الألق للمهرجان التونسي للأدباء الشبان

دورة هذه السنة تساعد قليبية التونسية على النهوض بمهرجانها من جديد.

لم تكن قليبية تلك المدينة الأنيقة المعانقة للبحر فحسب.. بل كانت ومنذ حوالي أربعة عقود الحاضنة لمهرجان معني بأدب الناشئة تم بعثه بعد سنة من انطلاق المهرجان الوطني للأدباء الناشئين بحي الزهور الذي شهد نشأة جيل أدبي مهم هو جيل منتصف الثمانينات والتسعينات..

وكانت قليبية ومنذ تلك الدورة الأولى وفي دار الثقافة تحديدا بإدارة الفنان التشكيلي الأستاذ محمود قفصية الفضاء السنوي لالتقاء الكتاب من الشعراء والقصاصين والنقاد ضمن أيام للتنافذ والتواصل عبر الإبداع الثقافي الأدبي..

أذكر في تلك الفترة حماسة وشغف ودأب كتاب عديدين منهم منير هلال وحافظ محفوظ ومراد العمدوني ويوسف بن حمادي وراضية الهلولي وجميلة بن سعد وبديع بن مبروك وعمار الشافعي وخديجة الجويني ومحجوب العياري والحبيب المرموش وكمال السخيري وعلياء رحيم والحبيب الهمامي وصالح الطرابلسي وعزيز الوسلاتي وعبدالوهاب الملوح والهادي تليلي ومسعودة بوبكر ونور الدين بن يمينة وبلقاسم اليعقوبي.... وغيرهم وصولا إلى الأسماء القادمة من تلك الفترة وإلى الآن...

كانت الأمسيات والسهرات الشعرية والموسيقية والمسرحية وبحضور ومشاركة الشعراء والنقاد الأساتذة نور الدين صمود وأحمد الرمادي وفوزي الزمرلي ومصطفى الكيلاني وسوف عبيد ويوسف رزوقة والمنصف الوهايبي ومحمد الغزي... وكانت الأمور تسير وفق دعم من الجهة والوزارة بما يجعل المهرجان مريحا ومستريحا.. حضرت دوراته الأولى وكذلك ضمن لحنة تحكيم الشعر وكضيف.... وعدت الآن وخلال الدورة التي اختتمت مؤخرا ضمن لجنة التحكيم لمسابقة الشعر...

المهرجان شهد وبشهادة محبيه دورات من الضعف والفراغ وعدم الجدية ليصبح رتيبا ومنسيا... وخلال هذه الدورة كان هناك رأي عام ثقافي أدبي بكون المهرجان استعاد توهجه وجديته وعنفوان بهائه وهنا لا بد لي من تحية أعضاء لجان التحكيم والسيدة سنية فرج التي والحق يقال أبلت البلاء الحسن لحسن سير الفعالية ومنها الفقرات المتعددة والندوة وهو ما يبقى رهين مزيد من الدعم من السلط الثقافية في الدولة التي لا بد لها من التفكير في استعادة أو إعادة بعث مهرجانات أدبية انقرضت في الجهات بفعل اللامبالاة أو الإهمال لقلة الدعم وهي ملتقيات تسهم في الحراك الأدبي والشعري والنقدي ودعم ما يكتبه الشبان من إبداع شعري قصصي نقدي يتطلب التثمين في جانبه المضيء..

هذه الدورة الأخيرة كانت مجالا لحكايات ونقاش وهوامش بين الضيوف وأعضاء لجان التحكيم فقط للوقوف على واقع الدورة والعمل على انطلاقتها المختلفة ليعود الدر إلى معدنه كما يقال..

وفعلا كان المهرجان الوطني للأدباء الشبان في دورته 37، الذي تنظمه جمعية منارة الأدب بقليبية مجالا لفقرات أدبية وفنية تشكيلية ومسرحية متنوعة بحضور ومواكبة لجمهور محب للأدب وبمشاركة عدد من الشعراء، والأدباء، والكتاب الشباب من تونس وعدد من البلدان العربية كاليمن وفلسطين وسوريا ما جعل هذا العرس الأدبي الثقافي بمثابة الفسحة الرحبة لأجواء من التنافس الرائع بين الأدباء الشبان في الشعر والسرد والترجمة وبإشراف لجان متعددة، فضلا عن الندوة التي منحت المهرجان عنوان أشغالها ونعني "أدب الرحلة" ليستمتع المتابعون بمداخلات قيمة ذهبت مسائلة وباحثة دارسة في شؤون وشجون هذا المحور الهام والجذاب أدبيا وإنسانيا وجماليا.

وانتهت الفعاليات بتوصيات أهمها مزيد الدعم المالي والأدبي الثقافي للمهرجان والحفاظ على مستواه بجدية ودأب..

سعدت بهذه العودة الفاعلة للمهرجان بعد سنوات ليعود كفعل ثقافي مؤثر وفاعل في المشهدية الأدبية تونسيا وعربيا، كما يسرني تثمين عمل اللجان وجهود السيدة سنية فرج الله ويسرني التقدم بأفضل التهاني للفائزين ومنهم الشاعر القادم على مهل وهو ابن القيروان الذي يعد لنيل الدكتوراه والفائز بالجائزة الأولى للشعر في المهرجان فاكر الجديدي عن قصيدته المميزة بعنوان "المنفي داخله" وهذا فحواها:

"لم أعد أعرفني

وجهي أسئلة حائرة

عيناي ثقب أسود

يبتلع ما تبقى من أثر النجوم

في جسدي

يداي امتداد للعدم

وروحي انتهاء للمعنى

كسرت جميع المرايا السوداء، فانعكست

أنا اثنان... أحدهما أنا والآخر منفيّ داخلي

متوحّد في وحدتي

ضائع في نبرتي

غارق في صدا التشتّت

بين ظلّي وبيني

لا متنفّس له سوى ما أعد الّليل

من تيه الخطى

بين الدّروب المبهمة

وما أعد من تلاشي الصّوت

في رجع الصّدى

بين الأزقة المعتمة

***

لم أعد أعرفني

وجهي رماد حائر

عيناي ساعتان معلّقتان

يتبعثر الزمان بينهما

يداي علامتان على "الأغرافيا"

وروحي اضطراب وعبث

في صرخة تنتابني منذ بداية التكوين

لم أجد لها تفسيرا في الّلغة

لي معنى يحاصرني ويشكّلني ويشظّيني

ويجعلني بوحا معمّى

لا يدركه إلاّ الموحّد فيّ

لي ملامح معقّدة لاثنين يتنازعان

على الحلول في صورتي

ملامح لا تنتبهون لها حين تنظرون إلى وجهي

هي فقط تكشف عن نفسها

حين أكون منشغلا بفرقعة أصابعي العشرة

وأنا جالس على حافة العزلة

هو أنا...

وأنا المنفيّ - كأبعد ما يكون النّفي – داخلي.../..."

قليبية تنهض من جديد بمهرجانها الواعد بمزيد التحليق عاليا وبعيدا في سماء الثقافة العربية حيث الكلمة للشبان وهذا مهم في عالم معولم تسعد فيه الثقافة بكتابات شبابها بأن تكون الاستثناء والجمال.