أدب الطفل وتحديات الرقمنة في معرض الكويت للكتاب

إيهاب القسطاوي: أدب الطفل بالعالم العربي يحتاج لإعادة صياغته بشكل جديد.

شهدت الدورة 46 من معرض الكويت الدولي للكتاب - والمقامة خلال الفترة من 22 من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وحتى الثاني من شهر ديسمبر/كانون الأول 2023، بمشاركة 486 دار نشر تنتمي لـ29 دولة عربية وأجنبية - ندوة بعنوان "أدب الطفل وتحديات الرقمنة"، تحدّث فيها مدير كرسي الألكسو في خدمة الطفولة لدى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم المفكر والأديب المصري المتخصص في أدب الطفل إيهاب القسطاوي.

وخلال الندوة التي أقيمت ضمن برنامج "رواق الثقافة" بالمعرض، وحضرها جمهور كبير من الأدباء والنقاد والمثقفين، تحدث القسطاوي عن أدب الطفل وتطوره في عصرنا الراهن، والمعوقات التي تؤثر بالسلب على حركة النشر والتوزيع وسبل التغلب عليها من أجل النهوض بالأدب الموجه للأطفال العرب.

وأكد على أن أدب الطفل يحتاج أن يعاد صياغته بشكل جديد، من خلال رؤى وأهداف جديدة تتوافق مع تطلعات الطفل العربي وليس أن تعتمد على الآليات القديمة مثل بعض الأفكار السائدة، لافتا بأننا نحتاج أن تتحرر من عقد الخوف.

وشدّد على أهمية رصد اتجاهات وميول الأطفال حتى يتسنى لنا معرفة ما نستطيع أن نوجه لهم من كتابات.

واعتبر بأنه قد آن الأوان للحديث بصوت مسموع عما يريده أطفالنا بأساليب علمية وتربوية حديثة حتى نستطيع من خلالها تكوين جيل سوي يحافظ على لغتنا العربية، ويحافظ على المستقبل الذي نرجوه لأمتنا العربية.

كما قدم مدير كرسي الألكسو في خدمة الطفولة لدى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، بدور كرسي الألكسو في خدمة الطفولة، فأشار إلى أنه أحد الأذرع المعنية بالطفولة داخل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ويهدف إلى الارتقاء بثقافة الطفل من خلال عدد من الفعاليات تقام في العواصم العربية بشكل دوري ومتواصل، إضافة إلى إصدار مجلة شهرية موجهه للأطفال، وعقد مؤتمرات وورش عمل تناقش احتياجات الطفل العربي وكيفية النهوض بثقافته.

وكشف عن الاعداد لإطلاق أول دبلوم جامعي في أدب الطفل، وسوف يكون موجها للموهبين من كُتّاب أدب الطفل، وذلك لخلق جيل جديد من الكتاب الجادين الذين يتبنون هدف ورؤية كاملة موجهه للطفل العربي، بجانب مرصد كرسي الألكسو في خدمة الطفولة الذي سوف يطلق استمارات إلكترونية لرصد اتجاهات وميول الأطفال.

وفي تصريحات له على هامش مشاركته بمعرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ46، قال إيهاب القسطاوي – الذي صدرت له عشرات المؤلفات داخل مصر وخارجها - إن الجهود الرامية للنهوض بالأدب الموجه للأطفال عربيا، تصطدم بحزمة من التحديات، الأمر الذي يؤكد الحاجة لوضع رؤية قابلة للتطبيق للتعامل مع تلك التحديات. 

وأضاف أن أبرز تلك التحديات تتمثّل في أن أدب الأطفال يُصاغ بلغة لا تتصل بمفهوم اللغة التي تخدم الطفل وتبلور أهدافه، مشيرا إلى أن ما يقصده هو اللغة التي تمكّن الطفل من فهم الآخرين، وعبرها نستطيع أن نشرح للطفل ما نريده منه، ويستطيع الطفل، في المقابل، أن يتعلّم ما يريد قوله ويتمكن من التعبير عن ذاته. 

ونوّه إلى أن أحد التحديات الأخرى التي تعيق تقدم الأدب الموجه للأطفال بالعالم العربي هو "ظاهرة الدخلاء على المشهد الأدبي"، وهي ظاهرة تسببت في إحداث مزيد من السطحية والإرتباك في مجال أدب الطفل، وذلك بحسب قوله. 

وتابع القسطاوي بأن ظهور هؤلاء الدخلاء في المشهد الأدبي وحقل أدب الأطفال، سببه "المجاملات" في بعض المؤسسات المعنية بالنشر، وأن الأمر امتد من عالم الكتابة الإبداعية إلى عالم النقد الأدبي، ليقوم الدخلاء على المشهد النقدي، بنقد مؤلفات الدخلاء على المشهد الإبداعي، فيمنحونهم صكوك الإجادة في الإبداع، وذلك. 

وأكد على أن مستقبل أدب الأطفال بالعالم العربي مرتبط بطبيعة اللحظة المرتبكة التي يعيشها في الحاضر. 

وحول رؤيته لحركة النشر في مجال أدب الطفل، وهل تحقق طموح الكتاب العرب، قال كاتب الأطفال المصري إيهاب القسطاوي: إن حركة نشر الكتب الموجهة للأطفال باتت ضعيفة، ولا تُلبي احتياجات الأطفال، ولا ترتقي لطموح المُبدعين من الكُتّاب والرسّامين، وأرجع سبب ذلك إلى أن بعض دور النشر باتت لا تهتم بنشر القيمة، وتسعى لتحقيق الأرباح فقط، دون النظر إلى ما تقدمه من نصوص، لتسود لغة الأرقام واقتصاديات النشر على حساب المضمون. 

وأوضح بأن ما زاد من المشكلة هو تراجع دور مؤسسات النشر الحكومية في الكثير من البلدان، وخضوع حركة النشر بها لما وصفه بـ"الشللية" و"المجاملات"، إضافة إلى ما تضعه من شروط تعجيزية أمام المبدعين الحقيقيين، وتجاهل تام للمعايير الحقيقية لاختيار النصوص، إضافة إلى غياب الدعم الحكومي الموجه لقطاع أدب الطفل، لكنه أكد على أن الثقافة الرصينة قادرة على طرد الثقافة الرديئة خاصة عندما تتوسع رقعتها. 

وحول رؤيته لأهمية حضور التراث في الآداب الموجهة للطفل، قال بأنه على قناعة تامّة بأنّ الموروث الذي لا يبني حضارة ويصنع ذاكرة وميضها قيم وثقافة تتوارثها الأجيال، هو مخزون كاذب لا يستحق الحياة، وأنه لذلك يرى بأنه ليس كل ما يحويه الموروث في طياته يصلح أن يكون مادة خصبة نستقي منها مضامين مهيئة للطفل لمواجهة تحديات العصر، لأن الموروث الشعبي – بحسب قوله - ألَمّ به تحريفات وإضافات أخرجته عن مساره العقلاني والواقعي. 

وحول رؤيته للسبل التي تساعد في إزالة العقبات التي تُعيق مسيرة أدب الطفل بالعالم العربي، قال القسطاوي بأنه لا بد من تفعيل دور المراكز البحثية في هذا المجال، باعتبار أنها القادرة على استشراف آفاق المستقبل، لكنه لفت إلى ندرة المراكز البحثية المتخصصة في القيام بدراسات ترصد اتجاهات وميول الأطفال بشكل واقعي، ووضع نتائجها أمام الكُتّاب في مجال أدب الطفل، وكذلك أمام المؤسسات المعنية بثقافة الطفل، ليتم معرفة احتياجات الأطفال والاستجابة لها بحسب نتائج تلك الدراسات. 

ولفت إلى أنه منذ توليه مهام عمله كمدير لكرسي الألكسو في خدمة الطفولة‏ لدى ‏المنظّمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تقدم بمقترح لإنشاء مرصد للطفولة يكون مقره بيروت، وتكون مهمته رصد ميول واتجاهات الأطفال بالتعاون مع كل الأجهزة المعنية بالطفولة في العالم العربي، وقد لاقى المقترح موافقة ودعم الدكتور مراد محمودي أمين المجلس التنفيذي والمؤتمر العام، القائم بأعمال مدير إدارة الثقافة بالألكسو، والذى ذلَّل كل العقبات ويسر كل الإمكانيات لنجاح ذلك المشروع، ليبدأ العمل قريبا بالمرصد الذي عبّر عن أمله في أن يكون بمثابة نواة وأن هذا المرصد سوف نواه لأكاديمية بحثية وتطويرية متخصصة تسهم في وضع الرؤى والمقترحات اللازمة للنهوض بكل ما يتعلق بالطفل وفي مقدمة ذلك أدب الأطفال. 

وحول رؤيته للدور الذي يمكن أن تلعبه المعارض والمهرجانات الثقافية في خدمة أدب الطفل، قال بأننا في حاجة ماسة لإقامة المزيد من المعارض والمهرجانات والمؤتمرات والندوات التي تسهم في خلق حالة من التفاهم وتمنح المشاركين بها فرصة لتبادل الرؤى والأفكار والتجارب، وتحقق استفادة حقيقية من الطاقات الإبداعية القادرة على حل جُل القضايا المتعلقة بالثقافة والكتابة وخاصة أدب الطفل. 

وحول رؤيته لسُبل النهوض بحركة النشر والتوزيع للكتب الموجهة للأطفال، قال الكاتب المصري المتخصص في أدب الطفل إن أكثر المشكلات التي تواجه حركة النشر هي ارتفاع أسعار المواد المستخدمة في الطباعة من ورق وأحبار، وأنه لا بُد من قيام المؤسسات الحكومية المعنية بتقديم دعم سنوي لدور النشر لتواصل مسيرتها في تقديم مؤلفات جيدة للطفل من حيث الشكل والمضمون.