أين هم المهاجرون والأقليات في الحكومة الفرنسية الجديدة

وزيرة من اصل لبناني ووزير من ذوي الاحتياجات الخاصة في تركيبة الحكومة الجديدة، والعفو الدولية لا تصنف فرنسا كنموذج لحقوق الإنسان.
اليسار يشكل جبهة لهزيمة ماكرون في الانتخابات النيابية المقبلة
رئيسة الحكومة الجديدة تربطها علاقات وطيدة بالنقابات العمالية

باريس - يرى العديد من المتابعين أن المهاجرين عموما والعرب خصوصا ما زالوا يمثلون رقما صعبا في أي استحقاق انتخابي تعيشه فرنسا المنتهية مؤخرا من الانتخابات الرئاسية والمقبلة على الاقتراع البرلماني العام المقبل.
وتواجه الحكومة الفرنسية الجديدة المعلن عن تركيبتها الجمعة، تحديات داخلية وخارجية. فأمام الحكومة الجديدة رهانات تتعلق بالصحة والأمن وارتفاع الأسعار ووضعية المهاجرين خاصة من العرب والمسلمين. بينما تجد فرنسا نفسها في قلب المتغيرات الكبيرة المفروضة على أوروبا بشكل خاص بسبب الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على مجالات عديدة كالأمن والطاقة.
امرأة تقود الحكومة الفرنسية الجديدة
إثر انتخابه رئيسا لفرنسا لولاية ثانية، اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزيرة العمل السابقة إليزابيث بورن رئيسة للوزراء خلفا لجون كاستكس الذي قدم استقالته الإثنين الماضي.
وبورن هي ثاني امرأة تشغل المنصب في تاريخ الجمهورية الفرنسية بعد إديث كريسون التي كانت رئيسة للوزراء لمدة 12 شهرا زمن الاشتراكي فرانسوا ميتران في 1991. 
وتملك بورن علاقات متشعبة مع النقابات العمالية حيث شغلت منصب وزيرة العمل في حكومة كاستكس المستقيل.
وكان ماكرون قد عبر عن رغبته في تعيين امرأة على رأس الحكومة للانكباب على المسائل الاجتماعية وقضايا البيئة والاقتصاد.
وفي تسعينيات القرن الماضي، شغلت بورن عدة مناصب استشارية في وزارة التربية سواء مع ليونال جوسبان أو جاك لانغ. كما عملت أيضا بين عامي 2008 و2013 بجانب عمدة بلدية باريس السابق برتران دولانوي حيث تولت منصب المديرة العامة للتخطيط العمراني. ثم غادرت العاصمة الفرنسية باتجاه منطقة "بواتو شارونت" لتتولى منصب محافظة المنطقة التي تقع في جنوب غرب فرنسا.
وبين عامي 2014 و2015 شغلت منصب مديرة ديوان وزيرة البيئة سيغولين روايال خلال عهدة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند.
ورغم عملها كثيرا مع سياسيين اشتراكيين، التحقت بورن في 2017 بحزب "الجمهورية إلى الأمام" الذي أسسه ماكرون، لتلتحق في 2020 بحزب "الأقاليم والازدهار" الداعم لماكرون بزعامة وزير الخارجية جان إيف لودريان.
المهاجرون والعرب في قلب المعركة
فضلا عن الملفات الكبرى التي يتوجب على بورن معالجتها، يرى الكثير من المحللين أن ماكرون قد يكون ضرب عصفورين بحجر واحد من خلال تعيينه بورن على رأس الحكومة الفرنسية. فهو يعول كثيرا على معرفتها بتشعبات النقابات العمالية التي ينشط داخلها عدد كبير من المهاجرين خاصة من العرب والمسلمين.
كما سيكون أمام بورن تحدي مواجهة التحركات الاجتماعية التي يرشح محللون داخل فرنسا اندلاعها خلال الأشهر المقبلة بسبب ارتفاع الأسعار خاصة أسعار مواد الطاقة والمواد الغذائية فضلا عن ارتفاع نسب الضرائب.
وبينت التجارب السابقة أن هذه التحركات الاحتجاجية غالبا ما تنطلق شرارتها من الأحياء الشعبية حيث تعيش الطبقات الفقيرة والمهمشة خاصة من العرب والأفارقة، لتتوسع نحو مراكز المدن الكبرى من بينها العاصمة باريس حيث ينضم إليها الفرنسيون.
وزيرة عربية 
الأكيد أنها ليست المرة الأولى التي يتولى فيها وزير من أصول عربية منصبا وزاريا في الحكومات الفرنسية المتعاقبة. لكن البعض يرى أن لتعيين الوزيرة "ريما عبد الملك" ذات الأصول اللبنانية رمزية خاصة في هذا الظرف بالذات.
وفور الإعلان عن تعيين ريما عبد الملك المتحدرة من منطقة قرب جبيل شمال لبنان وزير للثقافة، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان وفي أوساط العرب في فرنسا مستبشرة بهذا التعيين.
فالخبر قد يقطع في أذهان الكثير مع الاستياء الذي خلّفه ماكرون في نفوس العرب الذي انزلق في الفترة الماضية نحو الخطاب اليميني المعادي للعرب والمهاجرين. وهو في الحقيقة خطاب ينتهجه عدد من المرشحين في فرنسا حيث يستخدمون شعار معاداة المهاجرين مطية للوصول إلى قصر الإليزيه في إطار ما يُعرف بـ "سياسة تذويب الأجانب" التي تفرض بالأساس تخلي المهاجرين عن "انتماءاتهم وخلفياتهم الدينية والثقافية والاجتماعية للعيش على الطريقة الفرنسية".
ويرى متابعون للشأن الفرنسي أن عجز السياسيين عن تقديم حلول عملية لمشاكل البطالة والصحة وتراجع القدرة الشرائية، يجعلهم يتبنون قضايا جانبية قد لا تعني المواطن البسيط في شيء. ويدخل هذا التوجه في إطار توجه أشمل يعيشه العالم وليس فرنسا فقط يتعلق بتيار الشعبوية السياسية.
وبتعيين اللبنانية الأصل ريما عبد الملك (44 عاما) القادمة إلى فرنسا وهي في عمر العاشرة، رسالة للداخل خاصة في أوساط المهاجرين وأيضا رسالة للخارج لرسم صورة عن فرنسا المتنوعة التي تؤمن بالتعددية. كما أنها رسالة للبنان الذي يمر بأزمات سياسية واجتماعية واقتصادية متشعبة، خاصة وأن الكثيرين يعتبرون فرنسا بمثابة "عرّاب" اللبنانيين.
وزير من ذوي الاحتياجات الخاصة
كماعيّن ماكرون النائب البارز عن حزب الجمهوريين داميان أباد وزيرا للتضامن والحكم المحلي وذوي الاحتياجات الخاصة الذي كان أول نائب لديه اعاقة يتم انتخابه في 2012.
ويعاني أباد من مرض نادر يتمثل في اعوجاج في المفاصل. وهي خطوة تعبر عن مشاعر الحكومة الجديدة نحو ذوي الاحتياجات الخاصة كإحدى الأقليات المكونة للمجتمع.

تراجع عدد الحاصلين على الجنسية الفرنسية عشرين بالمئة بين 2019 و2020
تراجع عدد الحاصلين على الجنسية الفرنسية عشرين بالمئة بين 2019 و2020

ورغم رسائل "حسن النوايا" التي بعثت بها تشكيلة الحكومة الجديدة للأقليات داخل فرنسا إلا أنها مازالت تشعر بالألم والإحراج عندما نددت منظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر في 29 مارس/ آذار الماضي بسياسة الحكومة الفرنسية المتعلقة بالهجرة ووصفتها بأنها تقوم على "التمييز" في التعامل.
وذكرت "آمنستي الدولية" أن فرنسا بعيدة كل البعد من أن تكون نموذجا يحتذى به في احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان. ونددت بسياسة فرنسا إزاء المهاجرين والتي تستند إلى مبدأ "التفرقة" في إشارة إلى مسألة ترحيل الوافدين الأفغان قسرا والترحيب بالوافدين الأوكرانيين.
وشددت منظمة العفو الدولية في تقريرها على "المعاملة المهينة" للمهاجرين في فرنسا، لاسيما في منطقة با دو كاليه شمال البلاد، وما يعانيه المهاجرون من مضايقات وضغوطات تسببها لهم قوات الشرطة، إضافة إلى منع وصول المساعدات الإنسانية إليهم. 
وصنفت المنظمة فرنسا من بين 67 دولة في العالم اعتمدت قوانين تقيّد حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات والانضمام إليها، لاسيما في 2021. 
وتشير الأرقام الرسمية الفرنسية إلى تراجع عدد الحاصلين على الجنسية الفرنسية سنة 2020 البالغ 61 ألفا و371 شخصا بنسبة 20 بالمئة مقارنة بسنة 2019.
تحديات بالجملة
غير أن ذلك لا يمكن أن يخفي أن الحكومة الجديدة تواجه تحديات جمة تتعلق بملفات داخلية كالفقر ونظام التأمين الصحي وارتفاع الأسعار وتصاعد نسب الضرائب، وخارجية تتمثل أساسا في التحولات الكبرى التي تعيشها فرنسا وأوروبا جراء الحرب الدائرة في أوكرانيا والتي خلقت أزمة حادة على مستوى التزود بالطاقة خاصة الغاز، وعلى مستوى بعض المواد الغذائية الأساسية التي كانت تستوردها من روسيا وأوكرانيا على غرار القمح وبعض أنواع الزيوت الغذائية.
لذلك يحتدم الخلاف داخل فرنسا بين اليمين واليسار بشكل خاص حيث ينتقد الكثير من المعارضة سياسة ماكرون إزاء بوتين التي تتسم بالانفتاح على الحوار وترك القنوات الدبلوماسية تنشط بين باريس وموسكو، في وقت وعدت فيه فرنسا بمضاعفة إمداداتها من الأسلحة لأوكرانيا.
يضاف الى ذلك ملف مالي الحارق بالنسبة إلى فرنسا خاصة بعد قطعها العلاقات مع فرنسا ذات الحضور العسكري القوي في البلاد، بينما تعاونت مع مجموعات "فاغنر" الروسية الامر الذي يعني التقارب بين روسيا ومالي.
كل هذا يأتي مع اقتراب نهاية دورة رئاسة فرنسا لمجلس الاتحاد الأوروبي الذي أخفق لحد الآن في اعتماد حزمة عقوبات سادسة على روسيا.
ويتطلع ماكرون للحفاظ على أغلبية برلمانية غير مضمونة في الانتخابات المزمع إجراؤها في أبريل المقبل، حيث سيواجه تيار اليسار الذي شكّل مؤخرا جبهة سماها "التحالف اليساري".