أي خيارات أمام ماكرون للخروج من اسوا مأزق سياسي؟

أحد الأسئلة الرئيسية هو ما إذا كان ماكرون سيحاول إبرام اتفاق ائتلافي مع الجمهوريين المحافظين الذين يرفضون هذا الخيار أو الدخول في مفاوضات فوضوية مع أعضاء البرلمان على أساس كل مشروع قانون على حدة.
معسكر ماكرون يبحث عن حلفاء من منافسيه
ماكرون سيجري تعديلا وزاريا قد تخسر معه رئيسة الوزراء منصبها
اليمين المتطرف يحدث زلزالا في فرنسا بحصوله على شرعية برلمانية واسعة

باريس - يواجه الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون وضعا سياسيا صعبا بعد أن خسر الأغلبية في الجمعية الوطنية إزاء صعود اليسار واليمين المتطرف ما يعطل إلى حد كبير برنامجه الإصلاحي. وللخروج من المأزق لا توجد أمامه خيارات كثيرة إلا البحث عن دعم من منافسيه.

وتشكل خسارة تحالف 'معا' الوسطي للأغلبية المطلقة انتكاسة مريرة لماكرون الذي جرى انتخابه لفترة رئاسية ثانية في أبريل/نيسان. واعتادت الحكومات الفرنسية منذ وقت طويل على أن يشاركها البرلمان خطها السياسي ويوافق في أغلب الأحيان على مقترحاتها.

وبينما حصل تحالف 'معا' على أكبر عدد من أصوات الناخبين في الجمعية الوطنية (البرلمان)، فقد حل تحالف اليسار بقيادة اليساري المتشدد جان-لوك ميلونشون في المركز الثاني، بينما فاز حزب التجمع الوطني اليمني المتطرف برئاسة مارين لوبن بأكبر تمثيل له على الإطلاق في البرلمان، وصار لحزب الجمهوريين المحافظ نفوذ سياسي كبير.

وقالت المتحدثة باسم الحكومة أوليفيا جريجوار لراديو فرنسا الدولي "سيكون الأمر معقدا... علينا أن نكون مبدعين". ويعني فقدان الأغلبية المطلقة في البرلمان أن ماكرون سيتخلى عن أسلوب تُتخذ فيه القرارات بأسلوب فوقي ويتبنى مواقف تميل للتوافق.

وقالت جريجوار إنه سيجري تعديلا وزاريا في حكومته قريبا، مما قد يؤدي إلى خسارة رئيسة الوزراء إليزابيث بورن لمنصبها الذي تولته منذ ما يزيد قليلا على شهر واحد.

ومن غير الواضح ما إذا كان التحالف اليساري بقيادة ميلونشون يمكن أن يظل موحدا، وما هو التأثير الذي سيمارسه معسكر لوبن القوي من اليمين المتطرف.

من غير الواضح ما إذا كان التحالف اليساري بقيادة ميلونشون يمكن أن يظل موحدا وما هو التأثير الذي سيمارسه معسكر لوبن القوي من اليمين المتطرف

وقالت جريجوار "سنحاول جلب آخرين معنا، خاصة لإقناع القلة من المعتدلين في البرلمان بإتباعنا".

وأحد الأسئلة الرئيسية هو ما إذا كان ماكرون سيحاول إبرام اتفاق ائتلافي مع الجمهوريين المحافظين، الذين يرفضون هذا الخيار في الوقت الحالي، أو الدخول في مفاوضات فوضوية مع أعضاء البرلمان على أساس كل مشروع قانون على حدة.

وبغض النظر عن بعض الأصوات المنفردة، رفض المشرعون من حزب الجمهوريين الذين اجتمعوا اليوم الاثنين لمناقشة تداعيات الانتخابات الاتفاق على تشكيل ائتلاف، لكن الباب ربما يظل مفتوحا لاتفاقات على أساس كل حالة على حدة.

وقال كريستيان جاكوب زعيم حزب الجمهوريين مرة أخرى اليوم الاثنين إنه يعارض إبرام أي اتفاق مع ماكرون، مضيفا للصحفيين أثناء توجهه إلى الاجتماع "لقد أجرينا للتو مناظرة، وما أقوله لكم هنا هو موقفنا المتخذ بشبه إجماع، وهو ما يعكس الأغلبية الساحقة".

ويتفق تحالف 'معا' وحزب الجمهوريين في الأمور الاقتصادية، ومنها رفع سن التقاعد وتعزيز قطاع الطاقة النووية. وفي حال تحالفهما سيشكلان أغلبية مطلقة.

وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع المعارضة، فإن ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو يواجه مأزقا سياسيا وانتخابات مبكرة محتملة في المستقبل.

سيكون الاختبار الرئيسي الأول هو مشروع قانون تكلفة المعيشة الذي قالت جريجوار إن الحكومة ستطرحه على أعضاء البرلمان في غضون ثمانية أيام عندما ينعقد البرلمان الجديد لأول مرة. كما ستختبر المقترحات حول الطاقة المتجددة صلابة اليسار المنقسم حول مسائل الطاقة النووية.

وأظهرت النتائج النهائية حصول معسكر ماكرون على 245 مقعدا، وهو أقل كثيرا من عدد المقاعد المطلوب لتحقيق الأغلبية المطلقة وهو 289 مقعدا، بينما حصل تحالف اليسار المتشدد على 131 مقعدا واليمين المتطرف على 89 وحزب الجمهوريين على 61.        

حزب المعارضة الأول

واجتاز حزب اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبن الأحد خلال الانتخابات التشريعية الفرنسية عتبة تاريخية ليصبح حزب المعارضة الأول ويستحوذ على شرعية لطالما أفلتت منه.

وقال جان بيار ليفي من معهد هاريس انتراكتيف، "حصل تبدل عميق في علاقة الفرنسيين مع التجمع الوطني"، الحزب الذي تتزعمه مارين لوبن.

وتابع "كنا نلاحظ أن مارين لوبن تتقدم من انتخابات إلى أخرى، في الدورة الأولى والدورة الثانية كذلك، لكن المستوى المسجل الآن غير مسبوق".

ومع أن استطلاعات الرأي جميعها كانت تشير إلى احتمال حصول التجمع الوطني على 20 إلى 50 مقعدا في الجمعية الوطنية، خالف الحزب اليميني المتطرف التوقعات وحصل على 89 نائبا في مقابل ثمانية نواب في الولاية البرلمانية السابقة متقدما على فرنسا الأبية (المعارضة اليسارية الراديكالية) الذي حصل على 72 مقعدا.

ويطرح التجمع الوطني نفسه الآن حزب المعارضة الأول في مجلس النواب ويمكن للحزب المدين أن يعتمد على مصدر تمويل كبير إذ يتلقى أموالا عامة عن كل نائب تابع له.

سيكون الاختبار الرئيسي الأول لماكرون هو مشروع قانون تكلفة المعيشة الذي ستطرحه الحكومة على أعضاء البرلمان في غضون ثمانية أيام

وقال الخبير السياسي جان-إيف كامو "هذا تقدم صاروخي" مع وجود للتجمع الوطني "ليس فقط في المناطق المؤيدة له تقليدا" بل أيضا في "مناطق قريبة من باريس ومقاطعات أقفلت المصانع فيها وباتت منسية".

ورأى الخبير باسكال بيرينو في تصريح لصحيفة 'لو باريزيان'، أن "التجمع الوطني يصبح رويدا رويدا حزبا يتمتع بجذور محلية وقد أصبح حامل لواء الانقسامات في المجتمع والمناطق".

وقالت مارين لوبن التي تواجهت مع ماكرون في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في العامين 2017 و2022 الاثنين إنها فوجئت كثيرا بالنتيجة.

وأكدت لوبن التي أعيد انتخابها بفارق كبير الأحد في معقلها إينان-بومون في شمال فرنسا "لقد فوجئنا إيجابا بالتعبئة التي أبداها مواطنونا كي لا تختفي من الجمعية الوطنية مواضيع مثل الهجرة وانعدام الأمن ومكافحة التطرف الإسلامي".

وأعلنت "لن أتولى رئاسة الحزب" لتكرس وقتها لرئاسة كتلة التجمع الوطني المقبلة في الجمعية الوطنية، فيما سارع الحزب إلى الكشف عن طموحاته الجديدة مطالبا برئاسة لجنة المال النافذة جدا في الجمعية الوطنية. ويطالب اليسار أيضا بهذا المنصب وهو يعود تقليدا منذ 2007 لأكبر كتلة معارضة.

وفي دلالة رمزية، سيتولى نائب من التجمع هو جوزيه غونزاليس عميد سن الجمعة (79 عاما) الثلاثاء في 28 يونيو/حزيران افتتاح الولاية البرلمانية الجديدة.

وعلى الجبهة الأيديولوجية، تخلصت مارين لوبن من التصريحات المعادية للسامية ومن أرث والدها جان ماري لوبن الذي يحتفل الاثنين ببلوغه الرابعة والتسعين. وقد باشرت عملية تحول في الحركة وصقلت دونما هوادة صورة الحزب مغيرة اسمه وضمنت خطابها معضلات اجتماعية إلى جانب مسائل الهجرة والأمن.

وخلال سعيها هذا، حطمت 'الجبهة الجمهورية' التي سمحت خلال عقود في فرنسا بصد اليمين المتطرف.