إيران تميل لأزمة أعمق مثقلة بتشدد رئيسي وتركة من عقوبات ترامب

'قاضي الموت' يستلم زمام السلطة في إيران وسط مخاوف من زيادة ممارسات القمع وانتهاكات حقوق الإنسان وفشل جهود إنقاذ الاتفاق النووي من الانهيار بعد قدوم رئيس جديد أكثر تصلبا تجاه الولايات المتحدة.
رئيسي يستلم السلطة مثقلة بتركة من المشاكل الاقتصادية الاجتماعية
رئيسي يواجه مهمة صعبة لأبعد الحدود لاستعادة ثقة الإيرانيين
قدوم رئيسي يرجح توسع الهوة بين الغرب والجمهورية الإسلامية

طهران - دشنت إيران اليوم االثلاثاء مرحلة جديدة من تاريخها المثير للجدل في علاقاتها الخارجية، بتنصيب المتشدد ابراهيم رئيسي رئيسا للبلاد خلفا للإصلاحي حسن روحاني مهندس الاتفاق النووي للعام 2015، مثقلة بتركة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ناجمة أساسا عن أزمة الملف النووي وترسانة من العقوبات الأميركية التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على مئات الأفراد والكيانات.

وبتعيين رئيسي المعروف بأنه من غلاة المحافظين ومن المقربين جدا من المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية علي خامنئي ومن أكبر منتقدي الاتفاق النووي، تنفتح طهران على عزلة دولية أكبر وعلى تشدد في السياسة الخارجية ما يؤسس على الأرجح لنهج صدامي بينما تئن البلاد تحت وطأة اقاصادية قاسية وضع وبائي كارثي وشح في السيولة والنقد الأجنبي واحتقان في الشارع  يبدو كنار تحت الرماد.

لحظة الانفجار الاجتماعي قد تكون مسألة وقت على ضوء حراك متصاعد في بلوشستان المهمشة وخوزستان التي تعاني شح المياه جنوب شرقي البلاد وفي ظل تدهور معيشي بات ملحوظا في كل أنحاء المحافظات الايرانية تقريبا، لكن ايضا وجود رئيسي على رأس السلطة وهو المعروف بـ 'قاضي الموت' لدوره المفترض في إعدام آلاف المعارضين يشير كذلك لانفتاح أكبر على قمع أشدّ وقبضة حديدية تؤمنها ميليشيات الباسيج والتشكيلات شبه العسكرية للحرس الثوري.

وأعلن خامنئي الثلاثاء تنصيب رئيسي، ليبدأ عهدا سيواجه فيه تحديات أزمة اقتصادية وتجاذبا مع الغرب لا سيما بشأن العقوبات الأميركية والمباحثات النووية.

فرئيسي يستلم مقاليد السلطة وإيران تعاني انهيارا اقتصاديا قاسية وعزلة سياسية عميقة وأزمة صحية على أشدها بعد تفشي فيروس كورونا ومؤسسات تقع على حافة الانهيار وقطاعات حيوية شبه مشلولة بسبب العقوبات الغربية، وتدهور اجتماعي، فيما يسعى في مهمة صعبة للغاية لاستعادة ثقة الشارع في نظامه.

ويخلف رئيسي المعتدل حسن روحاني الذي شهد عهده (2013-2021) سياسة انفتاح نسبي على الغرب، كانت أبرز محطاتها إبرام اتفاق فيينا 2015 بشأن البرنامج النووي مع ست قوى كبرى. وانسحبت واشنطن أحاديا من هذا الاتفاق عام 2018، معيدة فرض عقوبات قاسية انعكست سلبا على الاقتصاد الإيراني.

وستتصدر العقوبات الأميركية التي تسببت لإيران في مشاكل اقتصادية قاسية والملف النووي الإيراني جدول أعمال الرئيس الإيراني الجديد الذي بدى دائما أكثر حدة في موقفه من واشنطن.

وأكد رئيسي الفائز في انتخابات يونيو/حزيران، أنه سيعمل على رفع العقوبات، لكن مع عدم ربط تحسين الوضع الاقتصادي بـ"إرادة الأجانب".

وقال "نحن نسعى بالطبع الى رفع الحظر الجائر، لكننا لن نربط ظروف حياة الأمة بإرادة الأجانب"، مضيفا "لا نرى أن الوضع الاقتصادي للشعب ملائم، بسبب عدائية الأعداء وأيضا بسبب المشكلات والثغرات في داخل البلاد".

ويقول الباحث في المعهد الجامعي الأوروبي في إيطاليا كليمان تيرم لوكالة فرانس برس، إن هدف رئيسي الأساسي "سيكون تحسين الوضع الاقتصادي من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدول المجاورة"، عبر "تأسيس نظام اقتصادي يحمي النمو الاقتصادي لإيران، من الخيارات السياسية الأميركية"، ويعزز تبادلاتها مع الجوار وروسيا والصين.

لحظة الانفجار الاجتماعي في إيران قد تكون مسألة وقت
لحظة الانفجار الاجتماعي في إيران قد تكون مسألة وقت

أقيمت مراسم التنصيب التي بثها التلفزيون الرسمي مباشرة، في حسينية الإمام الخميني ضمن مجتمع الهيئات المرتبطة بمكتب المرشد وسط طهران.

وشهدت انتخابات حزيران/يونيو نسبة مشاركة كانت الأدنى في اقتراع رئاسي منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979.

ونال رئيسي نحو 62 بالمئة من الأصوات في الدورة الأولى للانتخابات التي خاضها بغياب أي منافس جدي بعد استبعاد ترشيحات شخصيات بارزة.

ومن المتوقع أن يتيح توليه رئاسة الجمهورية، وتاليا السلطة التنفيذية، للتيار السياسي المحافظ بتعزيز نفوذه في هيئات الحكم، بعد الفوز الذي حققه في الانتخابات التشريعية لعام 2020، وهو ما يثير مخاوف دولية من أن يعرقل ذلك مسار المحادثات النووية.

وتخشى مصادر دبلوماسية أوروبية على صلة بالمحادثات النووية في العاصمة النمساوية فيينا من أن تتعقد جهود إحياء الاتفاق النووي الإيراني مع وصول رئيسي لكونه على لائحة العقوبات الأميركية بسبب ضلوعه في الإعدامات الجماعية للمعارضين ثمانينات القرن الماضي.

ويقول دبلوماسيون ومسؤولون إيرانيون ومحللون إن مجموعة من العوائق ما زالت تعترض سبيل إحياء الاتفاق النووي، مشيرين إلى أن عودة طهران إلى الالتزام الكامل بالاتفاق ما زالت بعيدة المنال.

ويحظى رئيسي بدعم مهم من الحرس الثوري، وهو مؤسسة قوية عارضت على مر السنوات المبادرات الإصلاحية وأشرفت على قمع الاحتجاجات واستخدمت قوى بالوكالة لإبراز نفوذ إيران الإقليمي.

وشهدت إيران خلال الأعوام الماضية، لا سيما شتاء 2017-2018 وتشرين الثاني/نوفمبر 2019، احتجاجات على خلفية اقتصادية، اعتمدت السلطات الشدة في التعامل معها.

كما شهدت محافظة خوزستان (جنوب غرب) احتجاجات خلال تموز/يوليو، على خلفية شح المياه. وترافق ذلك مع انقطاعات للكهرباء في طهران ومدن كبرى.

وغالبا ما وجّه المحافظون المتشددون الذين ينظرون بعين الريبة الى الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا، انتقادات لروحاني على خلفية إفراطه في التعويل على نتائج الاتفاق النووي، وطالبوا مرارا بالتركيز على الجهود المحلية للحد من آثار العقوبات.

بينما يتولى رئيسي مهامه، تخوض إيران مع القوى الكبرى محادثات نووية شاقة بمشاركة أميركية غير مباشرة في فيينا، وأجريت ست جولات مباحثات في فيينا بين أبريل/نيسان يونيو/حزيران. وأكد مسؤولون إيرانيون أن التفاوض لن يستكمل قبل تولي رئيسي منصبه.

وفي توتر إضافي مع الغرب تواجه إيران اتهامات من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، بالوقوف خلف هجوم طال ناقلة نفط يشغّلها رجل أعمال إسرائيلي في بحر العرب الخميس الماضي، أدى لمقتل اثنين من طاقمها، ولإيران سوابق في تنفيذ اعتداءات مماثلة في مياه الخليج.

وبينما أكدت واشنطن أنها "تنسق مع دول المنطقة وخارجها للتوصل إلى رد مناسب ووشيك"، نفت طهران الاتهامات، محذّرة من أنها سترد على أي "مغامرة" بحقها على خلفية هذه المسألة.