إيقاف رئيس النهضة بالوكالة ورئيس الشورى يخلط أوراق إخوان تونس

ضغوطات داخل النهضة لعدم تصعيد قيادات جديدة خلال المؤتمر المقبل رغم أن أطياف داخلها تدعو إلى القيام بمراجعات وأخذ العبرة من الأخطاء السابقة.

تونس – ألقت قوات الأمن التونسية القبض على رئيس حركة النهضة بالإنابة المنذر الونيسي ورئيس مجلس الشورى أعلى هيئة في الحركة عبد الكريم الهاروني الذي وضع هذا الأسبوع قيد الإقامة الجبرية، بينما يتصاعد النقاش في الحركة حول انعقاد مؤتمرها القادم.
ويأتي التوقيف في أعقاب تسريب تسجيل صوتي نسب للونيسي تضمن حديثا عن صراعات داخل الحركة وتمويلات خارجية غير مشروعة وترتيبات لانتقال سياسي في البلاد، ونفى الونيسي أي صلات له به.
وفتحت النيابة العامة الاثنين تحقيقا في التسجيلات، وقال الونيسي في مقطع فيديو على صفحته على فيسبوك إن التسجيلات مفبركة.
وسبق أن ألقت الشرطة التونسية هذا العام القبض على زعيم الحزب راشد الغنوشي إلى جانب عدد من مسؤولي النهضة منهم نور الدين البحيري ورياض بالطيب وسيد الفرجاني والصحبي عتيق ومحمد بن سالم. وذلك في تحقيقات بشبهات التآمر على أمن الدولة والتحريض وتلقي تمويلات أجنبية، وتهم أخرى تتعلق بتسهيل سفر الجهاديين للقتال في سورية، وغسيل الأموال.
كما حظرت الحكومة الاجتماعات في جميع مكاتب الحزب وأغلقت الشرطة جميع مقراته.
وقررت النيابة العامة إطلاق سراح رئيس الحكومة التونسية الأسبق حمادي الجبالي، الثلاثاء، "في انتظار استكمال الأبحاث" بعد التحقيق معه من قبل الأمن، في قضية تتعلق بالتعيينات في المناصب خلال ترؤسه الحكومة بين ديسمبر 2011، إلى فبراير 2013.
وأكدت هيئة الدفاع عن الجبالي أنه يخضع للتحقيق على ذمة قضية مالية تتعلق بإبرام عقود أثناء توليه رئاسة الحكومة.

وعلّق القيادي بحركة النهضة بلقاسم حسن الاثنين الماضي، على مسألة التسريبات المتداولة للونيسي وقال في مقابلة له على إذاعة "ديوان" المحلية، "سمعنا عن التسريبات منذ مدة وسبق أن أنكر الونيسي ما ورد فيها وأكد أنها تسجيلات مفبركة"، معقبًا "نحن نصدّق الونيسي ولدينا ثقة فيما يقوله، وإن ثبت عكس ذلك فلا دخل لنا لا في الشأن القضائي ولا في التحقيقات".

وأشار القيادي بالنهضة إلى أنّ مجلس الشورى الذي انعقد الأحد، تطرّق إلى أهمية رفع قضايا لكشف الحقيقة عن طريق العدالة ضد من نشر التسريبات سواءً الصحفية شهرزاد عكاشة أو إحدى الصفحات على فيسبوك، متابعا "أما داخل الحزب فلدينا هياكلنا ولجاننا التي تتابع هذه المسألة بكل ما فيها من مسؤولية".

ونشرت الصحفية شهرزاد عكاشة الاثنين، فيديو على صفحتها الرسمية بفيسوك أكدت فيها صحة ما تم تداوله من تسريبات بخصوص مكالمتها مع رئيس حركة النهضة بالنيابة المنذر الونيسي.

وقالت إن حديثها مع الونيسي جاء في إطار جمع شهادات ستدرجها في كتاب بصدد إعداده، وكشفت أن الونيسي على علم بالتسجيل وأنها أعلمته بتسجيله وبفحوى الموضوع، نافية أن تكون هي وراء تسريب التسجيل.

من جهتها أدانت النهضة توقيف الونيسي ودعت في بيان نشرته على صفحتها الرسمية في فيسبوك "إلى إعلاء سلطة القانون واحترام حقوق الأفراد والتنظيمات السياسية في النشاط والتعبير عن الرأي".

ورغم ترويج النهضة أنها تمتلك قاعدة كبيرة، إلا أن تدهور الوضع الاقتصادي والسياسي وإصابة البلاد بالشلل مع ارتفاع معدلات البطالة وتراجع الخدمات العامة طيلة عقد من الزمن، جعل شعبيتها تتراجع إلى أدنى مستوياتها.

وخسر حزب النهضة أنصاره بشكل متصاعد على مدى العقد الماضي، حيث كان يحرص على تشكيل التحالفات مع أحزاب سياسية ويدعم حكومات متعاقبة رسخت تهميش المناطق الفقيرة التي تعتبر حاضنته الشعبية، ومع وصول الملفات الخطيرة إلى أروقة القضاء لن يكون أمام النهضة فرصة لاستعادة مواليها في الشارع التونسي.

وأثارت هذه التوقيفات ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكتب الإعلامي سمير الوافي على صفحته في فيسبوك، "تم إيقاف منذر الونيسي الآن...فهل تتساقط الرؤوس بعده وبسببه.. السيناريو المحتمل!؟؟".

وأضاف الوافي "ظن الونيسي أن إنكار صوته في التسجيل يكفي...وتناسى أن أجهزة الدولة عصية على الإستبلاه...وأن مجرد إختبار فني سيؤكد صحة الصوت ومصدره بسهولة...وأن العودة إلى تحركاته عبر اللوكاليزاسيون سوف تكشف تنقلاته ومواقع تواجده".
وتابع الوافي "في صورة يتبين أنه صوته الحقيقي فعلا وهو الأرجح...سيتم التحقق من كل المعلومات الخطيرة التي ذكرها...حول علاقاته وإرتباطاته...وما قاله عن المعاملات المالية الفاسدة والمشبوهة داخل الحركة...وسيتحول إلى مصدر لفتح الملفات بناء على ما قاله في التسجيل...وستصبح أقواله مفاتيح لأبواب تؤدي إلى خزائن أسرار... الدولة تكشر عن أنيابها...فلا يكبر أمامها كبير.".

وعلى أرض الواقع، تعتبر النهضة أضعف من أي وقت مضى، فبعد إقرار الدستور الجديد الذي يمنح رئيس الجمهورية سلطات واسعة، واستبعاد النهضة سياسيا من أجهزة الدولة، انتهت المنظومة السياسية التي استندت عليها حركة النهضة وتراجعت مكانتها وفقدت تأثيرها.
وازدادت ضعفاً بعد الانشقاقات التي أفرزت شقاً يمثله عبداللطيف المكي وأنصاره، وشقاً يمثله راشد الغنوشي وأنصاره.

ويأتي الإعلان عن اعتقال الونيسي بينما يدور نقاش وسط حركة النهضة عما إذا كان يمكن عقد مؤتمرها المقبل وأبرز قادتها رهن الاعتقال منذ أشهر بتهم مختلفة.

وبحسب المقطع المتداول، فقد قال الونيسي إن أطرافاً تريد قيادة الحركة من داخل السجن، في إشارة إلى إعادة انتخاب الغنوشي المسجون في قضية التآمر على أمن الدولة. وأشار إلى وجود ضغوطات مسلطة لعدم تصعيد قيادات جديدة خلال المؤتمر المقبل.

ونهاية الأسبوع الماضي، أكد نائب رئيس الحزب منذر الونيسي، أن النهضة ستعقد مؤتمرها الانتخابي نهاية أكتوبر القادم، داعيا القيادة التي كانت موجودة قبل 25 يوليو 2021 إلى "القيام بمراجعات وأخذ العبرة من أخطاء السابق"، مشددا على "أنه سيقع اختيار قيادة جديدة لديها مقبولية لدى التونسيين".

وكان الونيسي، تعرض إلى انتقادات حادة من قبل قيادات محسوبة على الغنوشي، بعد إقراره في يونيو الماضي، بأن النهضة أخطأت طيلة عشر سنوات من حكمها البلاد، وعليها الاعتراف بذلك.

وبرز الونيسي منتصف أبريل الماضي حين أعلنت حركة النهضة تكليفه بتسيير شؤون الحركة إلى حين الإفراج عن الغنوشي. لكن نادرا ما كان يتم تداول اسمه بسبب تركيز أغلب وسائل الإعلام على نائبي الغنوشي الآخرين، علي العريض ونور الدين البحيري، على اعتبار أنهما معروفان بشكل كبير بالنسبة للتونسيين، إذ شغلا عدة مناصب سياسية في حكومات الترويكا وداخل البرلمان.

وأصبح الرئيس الـ14 في تاريخ حركة النهضة حيث تداول على هذا المنصب شخصيات معروفة على غرار صالح كركر وحمادي الجبالي والصادق شورو ومحمد بن سالم، إلى الزعيم التاريخي للحركة راشد الغنوشي. وسبق له أن تقلد منصب مستشار وزير الصحة التونسي عبد اللطيف المكي بين عامي 2012 و،2013 في حكومة حمادي الجبالي، وهي أول حكومة بعد الثورة.

ويقول متابعون أن حركة النهضة تواجه أزمة جديدة قال مراقبون "إنها ستأجج تناقضاتها ما سيؤدي إلى تفكيكها سياسيا".

ولا يوجد الكثير من الخيارات أمام حركة النهضة للخروج من مأزقها، وتدرك جيدا أن أولوياتها اليوم احتواء الأصوات الداخلية المستاءة من هيمنة الصف الأول في القيادة على مراكز القرار، فما كان بالأمس مطالب يمكن مناقشتها أو غض الطرف عنها، أصبحت اليوم الضرورة ملحة للاستجابة لها لمنع تفاقم الشرخ داخلها.
ولم يعد الكثيرون يلتفتون للاسطوانة المكررة للنهضة، التي تتهم فيها السلطة بمحاولة إقصائها، ورفض الإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد، ووصف ما أقدم عليه بـ"الانقلاب" على الشرعية الدستورية.