قاعات سينمائية بالجملة في المغرب، أما عن الأفلام فلا تسأل

الشاشات الجديدة لن تؤدي إلى تحسين إنتاج الأفلام المغربية بسبب العوائق الهيكلية وسيظل الجمهور محدودا لأن السينما المحلية تعاني من صعوبة في التنافس مع الأفلام الدولية.

الرباط - يحكى أن هناك سوقا سينمائيا ينتج حوالي 40 فيلما سنويا، فيفكر وزير الثقافة في وضع مشروع لافتتاح 150 قاعة في الجهات ال12 للمملكة! مشروع يعتبر بيزنطيا في قطاع يلقبه صناع السينما المغربية ب "الطفل الرضيع"، حيث أن مفهوم الصناعة نفسه في المغرب مثل الخرافة؛ فلا صناعة دون شركات إنتاج خاصة، ومادامت هذه الأخيرة منقرضة، سنبقى في دوامة تطبيل وتزمير وتهليل وشعارات فارغة، سواء ممن يقتات على التسهيلات الإدارية للوزارة أو من أنصار شركات الإنتاج المدعمة، وكل هذا عجز لا يتجاوز سقف المحلية والعشوائية.

إن مشروع افتتاح 150 قاعة سينمائية الذي كثر اللغط حوله، لا يشمل الجوانب المعمارية كما تتصور أنت، بل يتضمن بعض التجهيزات في بعض دور الشباب والمراكز الثقافية، مثل كومبيوترات متصلة بشاشات عرض، ومع أن الشاشات العرضية لا ترقى إلى مستوى قاعات "ميغاراما" مثلا، فإن الغريب في هذا المشروع هو تقسيمه إلى أشطر.

فعلى سبيل المثال يوم الأربعاء 07 آذار/ مارس 2024، أعلن وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد مهدي بنسعيد بتامسان، عن إطلاق الشطر الأول الذي يشمل افتتاح 50 قاعة سينما، وتأتي التطبيلات والتهليلات تدعي أن هذا المشروع يساهم في توفير البنية التحتية الضرورية للفنانين والمنتجين والمخرجين لعرض وترويج أعمالهم السينمائية على المستوى الوطني، فضلا عن خلق دينامية ثقافية في مختلف مدن وأقاليم المملكة.

فأين وفرة الأفلام والشركات الخاصة أولا، يا وزير الثقافة؟

هذه خرافة بالنسبة لصناع السينما المغربية، فالسؤال الأول يتمحور حول وجود شركات خاصة ستمكن من إنتاج الأفلام المغربية بوفرة، والسؤال الثاني، أين هي الأفلام حاليًا التي ستعرض في هذه القاعات؟ والسؤال الثالث، أين هو الجمهور الذي سيتوافد على هذه القاعات؟

هناك مشاكل أساسية يجب أن تعالج قبل القفز إلى القاعات، أبرزها تكوينات مغربية الأصل في كتابة السيناريو ذي الهوية المغربية شكلا ومضمونًا، ثم شركات خاصة لا تنتظر الربح ولا دعم المركز السينمائي، ولا تتحكم فيها مصالح، وأخيرًا، إعادة هيكلة القطاع وغربلته من نفس الوجوه والاحتكارات والأعمال السوداء، بما فيها تقنيون يعملون دون بطائق مهنية والمنهيين في بطالة، ثم العدل في توزيع الأدوار، أي على كل عامل أن يحترم مهنته ولا يعدد المهام، فهذه هي الأساسيات التي تعيق القطاع.

إذا، من الواضح أن الوزارة ومن يخطط لها، لا يدرس واقع السينما المغربية من جذوره، إذ أن هناك مشاكل أولية قبل بناء القاعات وزخارفها، وهي مشاكل الكتابة السينمائية التي تروج للهوية المغربية، فالعديد من الأعمال تسمى مغربية ولها شركات إنتاج أجنبية، بالإضافة إلى ذلك، هناك مزيج من الثقافة التركية والأميركية والأوروبية تظهر بوضوح في المواضيع المغربية سواء في السينما أو الدراما والتلفزيون، وهذا لن يحركها من مكانها.

يحتاج قطاع السينما والتلفزيون المغربي إلى دراسة الواقع من جذوره والابتعاد عن ثقافة التطبيل والتهليل وجنون العظمة الذي ورثناه من المونديال، إذ لا يوجد شيء في القطاع يدل على أننا أفضل شعوب العالم سينمائيا، فحتى الأفلام التي يتم قبولها في المهرجانات العالمية، إما أنها من إنتاج أجنبي أو تروج لأفكار تضعف الأسر المغربية، مثل المساواة والحرية والنسوية والمثلية الجنسية، أو تتناول مواضيع تسيء للمغرب ككل، فهؤلاء الأجانب لا يدعمون مجانا، بل يتدخلون في كتابة السيناريو ويقننونه على حساب ما يريدونه هم، لا المخرج.

ونخلص القول إلى أن قضية بناء سرب من القاعات السينمائية في غياب وفرة سنوية من الأفلام المغربية معادلة فاشلة، فهو يشبه عدد المهرجانات السينمائية التي يصل عددها إلى 84 مهرجانا دون فائدة، حيث تكرر نفسها ورؤساؤها يجتمعون على الولائم، وهذا كله مقابل إنتاج أفلام ضعيف سنويا، فلا تغرنك كثرة الشعارات وأفلامنا على رؤوس الأصابع، إضافة إلى أن شركات إنتاج هذه الأفلام تكرر نفسها بين السينمائي والتلفزيوني.

إذا، فقضية 150 قاعة سينمائية و84 مهرجانا سينمائيا مقابل حوالي 40 فيلما سينمائيا تقريبا سنويا، وضعية عبثية للغاية، على مستوى الدعاية الإعلامية وعلى مستوى أرض الواقع السينمائي.