الأحلام لدى رجال الدين.. ساحرة وقدسة!

كم ضريح شُيد بحلم لرجل دين؟

تمارس الأحلام في الحياة النفسية لدى الأفراد أثراً كبيراً على مدركاتهم وتوافقهم مع العالم الخارجي ورؤيتهم المستقبلية، وتعرف وفقاً لفرويد بانها أحداث خيالية تظهر لتحقيق رغبة، أو هي مجموعة من الصور والأفكار والانفعالات التي تحدث بصورة غير إرادية أثناء النوم، وتظهر على أنواع منها أحلام الخوف والرغبات الدفينة وأحلام الانجاز والعدوان الصداقة..الخ، وتتضمن مجموعة من الرموز، بشرية وحيوانية ودينية وجنسية، وتتمثل وظيفة الأحلام بأنها تعبر عن الاجزاء المكبوتة في العقل من خلال الخيال، وتنظم المزاج، والتفكير بالمشكلات، وإعادة التركيب العقلي من أجل الحفاظ على مرونة معالجة المعلومات .

ورغم أن للأحلام قيمة شخصية لدى كل فرد، إلا أن للحلم دوراً مؤثراً على حياة الجماعة أيضاً، ولاسيما إذا ظهرت لدى شخصيات تتسم بطابع روحي وديني واجتماعي كبير مثل الزعماء والقادة ورجال الدين، ويتمثل ذلك في استعمال الحلم والاعتماد عليه بوصفه مصدراً للاستبصار والالهام والتنوير ، ووسيلة لاستمداد الشرعية والتأييد الالهي المقدس. ويمكن القول إن الأحلام تظهر لدى رجال الدين وقت نشوب الصراعات والنزاعات بين الجماعات الدينية، إذ وفقاً لنظريات التحليل النفسي (فرويد وتلاميذه) يظهر الحلم عندما يشعر (رجال الدين) بالتهديد والقلق والصراع والمنافسة، وبما أنهم يرغبون في إنهاء هذا الشعور المؤلم ، فانهم يصنعون أحلامهم وفقا لهذه الرغبات بصورة لا شعورية، لتبعث في نفوسهم الراحة والاطمئنان والرضا حول ما يريدون القيام به من قرارات وأفعال، أو تترجم الى رموز تشير الى شر خارجي يهدد حياة الحالم وجماعته.

رموز الأحلام الدينية

يتضمن أي حلم مجموعة من الرموز الشخصية والاجتماعية والثقافية، ولكن ما يميز أحلام رجال الدين والمتدينين وجود رموز خاصة تتمركز حول معتقداتهم الدينية، وتنقسم هذه الرموز الى (رموز دنيوية): أشياء موجودة في الحياة المادية للفرد الحالم مثل الصليب، الكتب المقدسة، الاضرحة، و(رموز غيبية): لها علاقة بعالم ما بعد الموت مثل جهنم، والملائكة، والجنة، والصراط المستقيم...الخ. وبما أن للرموز السابقة معاني دينية عميقة وثرية فان الأحلام عندما تظهر تكون معقدة ، ولها تأثيرات نفسية متعددة، فعلى سبيل المثال نجد أن رؤية الحالم للأضرحة والانبياء والجنة والكتب المقدسة ستمنحه الشعور بالسعادة والراحة والتفاؤل، في حين أن رؤية جهنم أو يوم قيام الساعة والعذاب يثير في نفس الحالم الخوف والرهبة وتوقع حدوث الشر.

مكانة أحلام رجال الدين بين أبناء الجماعة

تختلف قيمة ومكانة أحلام رجال الدين عن الآخرين، إذ غالباً ما يمنح الناس لأحلامهم ورموزها وأحداثها مكانة كبيرة، فهم يرون أن أحلام رجال الدين طاهرة وخالية من الدنس، لذلك لها طابع سحري وغيبي مقدس، ولاسيما إذا تضمنت رؤية الأنبياء والأوصياء أو القيام بعمل مقدس أو ظهور حدث قدسي غير طبيعي (مثل رؤية يوم الحساب وزوال الحياة على الأرض والنار والملائكة...الخ)، وبهذا تثير هذه الأحلام عواطف الجماعة وتحرك شعورهم الجمعي المتعلق بهويتهم ومكانتهم الدينية. وهناك الكثير من الادلة والحقائق حول تأثير أحلام الزعماء ورجال الدين في دفع الجماهير نحو الحرب والسلام، فعلى سبيل المثال حلم رجل الدين المسيحي جيم جونز عام 1978 في غانا باليوم الذي ينتهي فيه العالم، لذلك أمر أتباعه بشرب ماء فيه سم، ومات إثر هذه الحادثة أكثر من 900 رجلاً وامرأة وطفلاً.

التوظيف النفسي للحلم لدى رجال الدين

يعتمد الكثير من رجال الدين على مراجع وأحاديث دينية ظهرت عبر الأحلام، إذ يعد الحلم في الدين الاسلامي والمسيحي واليهودي (وغيرها من الديانات) مصدراً اساسياً للتفسير والتأويل ودعم الحجج والبراهين الدينية، ويظهر ذلك في ضوء ما يرويه رجال الدين من أحلام في محاضراتهم ومناقشاتهم وخطبهم الدينية أو ما يستعملونه من ستراتيجيات نفسية في عمليات التنافس الديني، التي يكون هدفها تأجيج مشاعر الجماعة وزيادة رفعتها ومكانتها، على سبيل المثال عندما يصعد رجل الدين الى المنبر ويروي بأنه أحد الأنبياء والمعصومين زاره في الحلم، وقال له بانه يدعمه ويحبه ويعز جماعته، فان هذا الحلم يعمل كستراتيجية تشرط رموز الحلم المقدسة (الأنبياء والأوصياء) بذاته ومنزلة الجماعة، مما يعطي لنفسه هالة مقدسة ويبعث في الجالسين الشعور بالعظمة وتقدير الذات الايجابي، وبنفس الطريقة قد يستعمل بعض رجال الدين الأحلام لزيادة الكراهية تجاه الجماعات المنافسة، ولاسيما عندما يروي رجل الدين بانه شاهد في حلمه أعضاء الجماعة المنافسة يقومون بأفعال شنيعة ونجسة وكريهة وبعدها يعذبون بالنار، فان هذا يزيد مشاعر العداء والنفور والاشمئزاز تجاه الجماعة المستهدفة. وبهذا لو راجعنا الحوادث والاعتداءات التاريخية بين الجماعات المتنازعة، لوجدنا أن أحلام رجال الدين مارست أثراً مهماً في ظهور سلوكيات الاعتداء وتغذية مشاعر الغضب لدى الافراد بصورة مستمرة.

هل يمكن الاعتماد على الأحلام الدينية؟

يهتم علماء النفس التحليلي بالأحلام بدرجة كبيرة، إذ يرون أن الحلم مادة نفسية يمكن الاعتماد عليها في تفسير شخصية الفرد وإصابته بالاضطرابات النفسية والتنبؤ بالمستقبل، ورغم ذلك فان الكثير من علماء النفس لا يتفقون مع هذا الرأي، لأن الأحلام تظهر من المخزن اللاشعوري بصورة معقدة ومحرفة، كذلك تتداخل فيها الكثير من الانفعالات السلبية او الرغبات والامنيات الشخصية، لذلك فان قدسية الأحلام التي ينادي بها رجال الدين ينتابها الكثير من الشك، لأن معظمها يرجع الى تحيزاتهم الداخلية لأنفسهم وجماعتهم الدينية على حساب الجماعات الأخرى، كذلك ان امنيات رجال الدين والمتدينين في رؤية الله ولقاء الانبياء والمعصومين قد تظهر في الحلم، إذ من المرجح ان تكون زيارة المقدس لرجال الدين في الاحلام نتيجة رغباتهم الخاصة وليست لمزايا يتمتعون بها، ويشير هول Hall,1981 الى ان احلام رجال الدين والمتدينين تكون اكثر تمتعا بالرموز الدينية من الناس الاخرين، لأنهم يعطون للرموز الدينية انفعالات ومشاعر عميقة وشديدة تسمح بظهورها فيما بعد في احلامهم، لذلك تتنشط الاحلام الدينية لدى رجال الدين بدرجة مستمرة.

علي عبد الرحيم صالح

كاتب عراقي