الأرض مقابل السلام شرط السعودية للتطبيع مع إسرائيل

زيارة الوفد السعودي لأريحا تعتبر استثنائية في توقيتها وتأتي كرسالة طمأنة للفلسطينيين المتوجسين من تطبيع قريب في العلاقات بين المملكة وإسرائيل.

أريحا (الأراضي الفلسطينية) - وصف أول سفير سعودي لدى الفلسطينيين الطرح العربي القائم منذ عقود، وهو الأرض مقابل السلام، بأنه ركن أساسي لأي اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، في إشارة إلى أن الرياض لم تتخل عن القضية الفلسطينية.
ووصل وفد سعودي رسمي الثلاثاء إلى أريحا في الضفة الغربية المحتلة في زيارة هي الأولى من نوعها منذ توقيع اتفاقية أوسلو بين إسرائيل والفلسطينيين في العام 1993 التي سمحت بإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية.

ويبدو أن الزيارة الاستثنائية في توقيتها تأتي رسالة طمأنة للفلسطينيين المتوجسين من تطبيع قريب في العلاقات بين المملكة وإسرائيل.

وجاءت الزيارة بعد وقت قصير من إعلان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن مسار تطبيع فعلي للعلاقات مع تل أبيب وتأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ذلك في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حين قال إن اتفاق سلام مع المملكة سيكون اتفاقا تاريخيا.

ومن المتوقع أن تلتحق الرياض بركب دول خليجية وعربية وقعت اتفاق سلام مع تل أبيب في العام 2020 وهي الإمارات والبحرين والمغرب، بينما لا تزال الاتفاقية مع السودان عالقة بسبب اندلاع نزاع مسلح في 15 ابريل/نيسان بين الجيش وقوات الدعم السريع وهو نزاع استبقه قائد مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان بانقلاب على الشركاء المدنيين في الحكم.

وقالت القائمة بأعمال محافظ أريحا يسرى سويطي "وصل إلى الأراضي الفلسطينية الوفد السعودي" الذي يرأسه السفير غير المقيم في الأراضي الفلسطينية نايف السديري، قادما من الأردن عبر جسر الملك حسين (اللنبي) الذي تشرف عليه إسرائيل من الناحية المقابلة للأردن.

وتأتي الزيارة في وقت تقود فيه واشنطن محادثات بين إسرائيل والسعودية التي لا تعترف بالدولة العبرية، لتطبيع العلاقات بين البلدين، ما يثير قلقا فلسطينيا.

وأُعلن في أغسطس/اب تعيين السديري سفيرا غير مقيم في الأراضي الفلسطينية وسيتولى أيضا منصب القنصل العام في مدينة القدس. وتتولى سفارة المملكة العربية السعودية في عمّان تقليدا ملف الأراضي الفلسطينية.

وقام سفير السعودية غير المقيم لدى الفلسطينيين، وهو منصب كشفت عنه المملكة الشهر الماضي، بأول زيارة إلى مقر الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة الثلاثاء، وقدم أوراق اعتماده أيضا "قنصلا عاما في القدس".

ولهذا اللقب حساسية نظرا لأن إسرائيل تعتبر القدس بالكامل عاصمة لها وترفض مطالب الفلسطينيين بأن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم التي يأملون إقامتها في المستقبل.

وقال السفير نايف السديري للصحفيين في رام الله إن زيارته تعد تأكيدا "على أن القضية الفلسطينية وفلسطين وأهل فلسطين يقعون في مكانة عالية ومهمة، وإن شاء الله في الأيام القادمة يكون هناك مجال لتعاون أكبر بين المملكة العربية السعودية ودولة فلسطين من خلال هذا التأييد وهو دلالة مهمة لحرص المملكة على هذه البلد وأهلها".

وفي إشارة إلى احتمال التطبيع مع إسرائيل، قال السديري "كلمة تطبيع توضع في سياق غير مناسب، أحيانا التطبيع يعني في العربية الشيء الطبيعي، والطبيعي بين الشعوب هو السلام والاستقرار، نأمل ونرجو كما تحدث سمو ولي العهد أن تكون لنا علاقات طبيعية مع كل دول العالم".

وأضاف "المبادرة العربية التي قدمتها المملكة عام 2002 هي ركن أساسي من أي اتفاق قادم".

ويشير ذلك إلى اقتراح طرحته الرياض وتبنته الدول العربية على نطاق واسع فيما بعد، وهو أن إسرائيل لن تحصل على اعتراف عربي بها إلا إذا انسحبت من الأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967، ومن بينها تلك التي يريد الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها.

ومنذ أشهر، يتكاثر الحديث عن تطبيع محتمل بين السعودية وإسرائيل التي توصلت في العام 2020 إلى "اتفاقات أبراهام" للسلام مع دول عربية وخليجية بوساطة الولايات المتحدة.

وخلال جولة الرئيس الأميركي جو بايدن في الشرق الأوسط العام الماضي، أعلنت هيئة الطيران المدني السعودية فتح أجوائها "لجميع الناقلات الجوّية"، ما مهّد الطريق للطائرات الإسرائيلية لاستخدام المجال الجوي السعودي.

وخلال خطابه في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، قال نتانياهو إن الدولة العبرية على "عتبة" إقامة علاقات مع السعودية، معتبرا أن "مثل هذا السلام سيقطع شوطا طويلا نحو إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وسيشجّع الدول العربية الأخرى على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل".

أما السعودية فأكدت على لسان ولي العهد الأمير أنها "تقترب" من تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، مشدّدة في الوقت ذاته على "أهمية القضية الفلسطينية" بالنسبة للمملكة.

وقال في مقابلة أجرتها معه شبكة فوكس نيوز الإخبارية الأميركية في السعودية "المفاوضات تجري بشكل جيّد حتى الآن" و"نأمل أن تؤدّي إلى نتيجة تجعل الحياة أسهل للفلسطينيين وتسمح لإسرائيل بأن تلعب دورا في الشرق الأوسط".

وفي العام الماضي، وصلت وفود إسرائيلية إلى السعودية للمشاركة في الألعاب الرياضية وغيرها من الأنشطة. وشاركت إسرائيل الشهر الجاري في اجتماع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) عقد في الرياض.

وبسبب الاستياء من تهميشهم في الجهود الدبلوماسية عام 2020، لعب الفلسطينيون دورا أكثر نشاطا في المحادثات السعودية.

وأمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، حذّر الرئيس الفلسطيني محمود عباس من أنه لن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط من دون حصول الشعب الفلسطيني على "كامل حقوقه".

وقال في مستهل خطابه "واهم من يظن أن السلام يمكن أن يتحقق من دون حصول شعبنا على كامل حقوقه".

ومع مرور 30 عاما على توقيع اتفاق أوسلو الذي كان من المتوقع أن يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، فقد الفلسطينيون الأمل في ذلك، لا سيما في ظل تصاعد مستمر للعنف بين الجانبين.

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين لهيئة البث العامة الإسرائيلية (راديو كان) الثلاثاء إن أي اتفاق لتطبيع العلاقات مع السعودية "سوف يكون اتفاقا يدعمه اليمين"، في إشارة إلى الأحزاب القومية الدينية في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الائتلافية التي ترفض التنازل عن الضفة الغربية المحتلة للفلسطينيين.

ويتواصل البناء الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة في ظل الحكومات الإسرائيلية اليمينية المتعاقبة، ما يعقد إقامة دولة فلسطينية. وقتل منذ مطلع العام الجاري نحو 242 فلسطينيا و32 إسرائيليا في أعمال عنف. وتحتل إسرائيل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية منذ العام 1967.