الأسد يلجأ لإسكات الأصوات الناقدة في حاضنته الشعبية

الدور المتزايد للسيدة الأولى أسماء الأسد كصانعة قرار في بلد منهار اقتصاديا ممنوع انتقادها يثير استياء شعبيا.

دمشق – لم يمر خبر اعتقال القوى الأمنية السورية للمحامي سامر رجب في محافظة اللاذقية، مرور الكرام إذ يعتبر من المقربين لعائلة الأسد وجاء اعتقاله بطريقة مهينة على خلفية منشور له على وسائل التواصل الاجتماعي، وجه فيه انتقادات لاذعة للرئيس بشار الأسد ونفوذ السيدة الأولى في البلاد، في حادثة تشير إلى حجم الاستياء الشعبي في حاضنة الأسد بسبب تدهور الأوضاع المعيشية.

وتعتبر الانتقادات الصادرة عن منطقة الساحل السوري عموما استثنائية ونادرة باعتبارها الخزان البشري الأهم للأسد وتمتلك موقعها الخاص بالنسبة للنظام السوري رغم أنها ليست بعيدة عما تعانيه باقي المناطق من الجوع والفقر والفساد.
واعتاد الرئيس السوري وزوجته خلال السنوات الماضية إجراء زيارات إلى مدن وقرى وبلدات الساحل السوري ووجهوا سلسلة رسائل مؤخرا تتعلق بالوضع المعيشي، والعمل من أجل تحسينه.
لكن لم يترجم ذلك على أرض الواقع، وعلى العكس جاءت القرارات الأخيرة برفع الدعم وما تلاها من شلل حالة النقل وارتفاع الأسعار، لتزيد من حالة انسداد الأفق والغضب الشعبي على نحو أكبر.

وذكرت وسائل إعلام محلية أن اعتقال رجب المعروف "بصهر عائلة الأسد" ويعمل بالتجارة ويملك العديد من محطات الوقود في اللاذقية، جاء بعد كتابته مدونة على فيسبوك انتقد فيها أيضا رؤساء الأجهزة الأمنية، واصفاً إياهم بأنهم "خدم لأسماء الأسد ويعملون تحت إمرتها". وخلال عملية الاعتقال تم قطع الشوارع المؤدية إلى منزله وسط حضور كثيف لعناصر الأمن العسكري، وتم إغلاق صفحته على فيسبوك.

وذكرت مصادر أنه ليس من المتوقع أن يستمر اعتقال المحامي لفترة طويلة، لكنها ستكون كافية لإرهاب الأهالي في المحافظة وإشاعة الخوف فيما بينهم لئلا يتجرؤوا على تناول العائلة الحاكمة بأي طريقة كانت.

وفي وقت سابق، اعتقل فرع الأمن العسكري في مدينة جبلة بمحافظة اللاذقية، الناشط أحمد إبراهيم إسماعيل على خلفية انتقاده الأوضاع المعيشية المتردية وفساد المؤسسات عبر منشورات وتسجيلات مصورة في صفحته الخاصة على فيسبوك.
وتكررت حالات اعتقال أجهزة الأمن والمخابرات لشخصيات علت أصواتها في الساحل السوري وشملت ناشطين وصحفيين منهم من دعا الأسد إلى التنحي، وطالب الأهالي بتنظيم إضرابات سلمية للمطالبة بأبسط حقوقهم منذ أغسطس /آب 2023.

ونشرت صحيفة فايننشال تايمز، تقريرا حول الدور المتزايد للسيدة الأولى في سوريا أسماء الأسد، قالت فيه أنها "عززت مكانتها كصانعة قرار ومتربحة من اقتصاد بلد منهار، فالموظفة السابقة في مصرف “جي بي مورغان” تدير مجلسا اقتصاديا سريا يعمل فيه أتباعها وشركاء لها في مجال المال والأعمال، وجمعية خيرية وسّعت من شبكة الرعاية لعائلتها وتسيطر على تدفق المساعدات الدولية إلى سوريا".

ونقلت الصحيفة عن جويل ريبيرن، الذي عمل كمبعوث خاص لوزارة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، قوله إن أسماء ومن بداية 2020 أصبحت في مركز القوة الاقتصادية لسوريا. ويمكن اكتشاف بصماتها في عدد من قطاعات الاقتصاد، من العقارات إلى النظام البنكي والاتصالات، وإن كان هذا عبر شركات وهمية ومناطق تجارة حرة وحسابات في الخارج بأسماء المقربين منها.
وكل هذا وسط اقتصاد يترنح بسبب سنوات الحرب، والديون غير المدفوعة نظرا للعقوبات، وانفجار النظام المصرفي في الجارة لبنان الذي ظل ملجأ لرجال الأعمال السوريين.

واعتادت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام تنفيذ اعتقالات بحق منتقدي السلطة أو الأوضاع المعيشية المتردية التي وصلت إليها البلاد، دون اتخاذ أي إجراء من شأنه إنهاء معاناة السكان.

ويأتي تعالي هذه الأصوات في وقت تدخل فيه المحافظات السورية الخاضعة للنظام السوري أزمة معيشية غير مسبوقة، ووصلت آخر تداعياتها بتدهور سعر صرف الليرة إلى حد 16 ألف مقابل الدولار الأميركي الواحد. في أعقاب قرارات أصدرتها حكومة النظام، وقضت برفع الدعم عن المحروقات، وهو ما انعكس على قطاع النقل، وأسفر عن حالة شلل كامل دفعت السكان في محافظتي درعا والسويداء للخروج بمظاهرات شعبية، وإعلان حالة "الإضراب العام".

وتواصل الأوضاع في سوريا التدهور باتجاه "الأسوأ"، ولا توجد أي بوادر للحل السياسي أو ضوء في آخر النفق، وكذلك الأمر بالنسبة للوضع المعيشي، الذي وصل إلى مستويات "خطيرة"، حسب منظمات دولية.
وتسري في محافظة اللاذقية التي أنهك الفقر أهلها حالة من الترقب الحذر، وسط ضخ كبير من الشائعات التي تفيد بتحركات لشبان وشابات ضد القرارات الماضية، من رفع سعر المحروقات برفع الدعم، مع تدني الرواتب وندرة فرص العمل.