الأصفر للأكاسيا، والأزرق للفيسبوك

عندما يريد رجال الأعمال عرض أفكارهم وصورهم، فإنهم عادة ما يستخدمون اللون الأزرق لإعطاء الإحساس بالهدوء والثقة عند التسويق والإعلان.
ميسلون هادي
بغداد

يشعر الإنسان بالراحة التامة عندما يدخل إلى الحديقة، ويجد السكينة والطمأنينة عندما يجلس بين ورودها وأشجارها وألوانها، ذلك لأنها الحياة الوحيدة التي لا تشكل خطراً على الإنسان، إذ ليس فيها الوحوش والكواسر أو الطيور الجارحة. وبالتالي يكون خلوها من الخطر هو السر  في جمالها وأمانها، ولربما لهذا السبب يُرتفق باللون الأخضر للدلالة على السلامة والأمان في الإشارات المرورية، بحيث يمكن للسائق عندما يراه أن يعمد إلى اختراق الطريق وهو آمن.

أما اللون الأزرق فهو من الألوان الباردة التي تعبر عن الحزن والعزلة، خصوصاً وأن لوحات بيكاسو التي رسمها في "المرحلة الزرقاء" كانت مثقلة بهذه الأحاسيس الحزينة، لكنه من جهة أخرى هو لونٌ شديد التفضيل، لدى الرجال خصوصاً،  لما يوحي به من الصفاء والهدوء والسكينة، سواء عندما ينعكس على صفحةالسماء، أو فوق مياه البحيرات والأنهار ، لهذا السبب فهو اللون المفضل في مجال التصميم، ويجعل الناس (مبدعين) بشكل ملفت أكثر من المعتاد في الغرف المصبوغة به، وعندما يريد رجال الأعمال عرض أفكارهم وصورهم، فإنهم عادة ما يستخدمون اللون الأزرق  لإعطاء الإحساس بالهدوء والثقة عند التسويق والإعلان.

ولعل هذا هو السبب في استخدام السيد مارك زوكربيرغ الأزرق  لوناً  لمملكته التواصلية المترامية الأطراف،وأقصد بها الفيسبوك أشهر مواقع التواصل الاجتماعي.

 وبالرغم من أنه يعتبر من أكثر الألوان شيوعاً وتفضيلاً،إلا أنه في الوقت ذاته من أقل الألوان فتحاً للشهية، فبعض الطرق لإنقاص الوزن أوصت بأكل الطعام في طبق أزرق اللون، فالناس غالباً ما يتجنبون اللون الأزرق في الطعام لأنه يعطي انطباعاً بالتلف والفساد. على العكس من ذلك فإن كثرة الألوان الزاهية في الاطعمة تساهم في حماية الجسم من الأمراض، والمحافظة على الصحة و النشاط و الحيوية، ويرى المختصون أن تناول المزيد من الألوان يعني المزيد من الصحة.

بسبب تأثير اللون في اعماق النفس الإنسانية فقد أصبحت المستشفيات تستدعي الاخصائين لاقتراح لون الجدران الذي يساعد أكثر في شفاء المرضى، وكذلك الملابس ذات الألوان المناسبة لإجراء العمليات، فوجدوا أن اللون الذي يريح العين ويبعث على السعادة وحب الحياة هو اللون الأخضر، كما أن طول موجته وسطي، فليست بالطويلة كاللون الأحمر ولا بالقصيرة كالأزرق، لذلك أصبح اللون المفضل في غرف العمليات الجراحية وملابس الأطباء الجراحين. فهو مريح للبصر لأن المساحة البصرية له أصغر من المساحات البصرية لباقي الالوان، كذلك فإن إطالة النظر والتركيز على اللون الأحمر للدم لفترة طويلة سوف يجعل عين الجراح تحتاج إلى اللون الأخضر لكي لا تصاب بالإجهاد. ومن الطريف أن تذكر لنا بعض المصادر بأن جسر "بلاك فرايار" في لندن كان يسمى بجسر الانتحار، ولكن عندما تم تغيير لونه الأغبر القاتم إلى اللون الأخضر الجميل سبب هذا اللون بانخفاض حوادث الانتحار بشكل ملحوظ..

ووفقا لدراسة أعدها البروفيسور جولز بريتي من جامعة إيسيكس، ونُشرت  في دورية العلوم البيئية والتكنولوجيا تحت عنوان "جرعة الطبيعة"، فإن
"مزاج الشخص واحترامه لذاته يتحسنان بشكل كبير لدى الاتصال مع خضرة الطبيعة سواء عبر المشي أو البستنة أو ركوب الدراجة أو القيام بألعاب رياضية في المناطق الريفية. وقال بريتي إن "المزاج الجيد واحترام الذات مؤشران على الصحة الذهنية الجيدة وكذلك، على المدى الطويل، على الصحة الجسمانية الجيدة".

للأكاسيا
'شخصيا أحب جداً أن أرى شجرة الأكاسيا مزروعة في شوارع بغداد'

 وتشير تلك الدراسة إلى أن وجود المرء في بيئة خضراء أفضل من وجوده في بيئة مدنية أو عمرانية من حيث التأثير الإيجابي على ضغط الدم والهرمونات ومستويات التوتر. ولفتت الدراسة أيضا إلى أن الحصول على أفضل نتائج الاحتكاك مع الطبيعة الخضراء تتم خلال الدقائق الأولى من الاتصال، لذلك فإن الخطوات الأولى للمشي في حديقة أو منطقة خضراء هي التي تحدث التغيير على المزاج، إذ تساهم الطبيعةمساهمة سحرية في تغيير الحالة النفسية للمرء في أولخمس دقائق من ممارسته المشي وسط الخضرة أوالنظر إلى أزهار الحديقةالمتفتحة ذات الألوان الزاهية.

ولعل من أكثر متع العناية بالحدائق فائدةً هو منظر تشابك وتناغم الألوان المختلفة للأزهار .فكلما تنوعت الألوان في حديقتك، وزاد قضاء الوقت بين ورودها، زاد معدل التحفيز الذي يتلقاه مخك.. ولهذا نجد راحة الكثير من البشر تتحقق بالتواجد في الحدائق، ليس بسبب ألوانها وسكينتها وسلامها حسب، بل بسبب المتعة الحسية الناشئة عن الاستمتاع بثمرة مجهوداتك والتفرج على ماصنعت يداك أيضاً.

 والمرأة ايضاً تحصل على المتعة نفسها عندما تتفرج على بيتها بعد تنظيفه وعلى ستائرها بعد غسلها وتعليقها..

يقول خبراء الذاكرة إن اللون الأصفر هو أول لون سوف تلاحظه في الحديقة،فهو يستطيع أن يرفع من روحك المعنوية ويشعرك بالسعادة والتفاؤل.

 وشخصيا أحب جداً أن أرى شجرة الأكاسيا مزروعة في شوارع بغداد، لما يمنحه وردها الأصفر الجميل من بهجة تسر الناظرين إليها.   أمااللون الأحمر القاني، فهو ذو تحفيز عال، لذلك عليك أن تضمه إلى حديقتك ضمن مجموعة من الورود أوالحشائش المزهرة التي تخفف من تأثيره!

أما إذا كان اللون الأحمر لوحده فهو يرمز للحبّ والدفء ويعمل على تقوية روح الانتماء لدى الشخص الذي يُعاني من المشاكل الأسرية أو الشخص المغترب أو الذي يحسّ بالوحدة، وهذا ما يفسّر  فرش السجادة الحمراء للدبلوماسيين الذين يزورون بلاداً غير بلادهم، فهي تهدف لرفع روح الانتماء للبلد الذي تتم زيارته.

أما اللون الأبيض فيرمز للصفاء والنقاء، وعند زواج الملكة فكتوريا اختارت اللون الأبيض لفستان زفافها، ومنذ ذلك الحين يسود اللون الأبيض في مختلف أعياد الزفاف عند العديد من المجتمعات ولكافة طبقاته، وبرغم محاولة بعض المصممين إدخال عدة ألوان على فستان الزفاف، إلا أن اللون الأبيض ظل هو السائد، لأن هيرتبط في الذاكرة بالفرح ويجعل العروسة تبدو كالملاك.. والبعض يرجع اختيار اللون الأبيض إلى تقليد حربي قديم يجعل القبائل التي تريد الاستسلام ترفع راية بيضاء، وقد انتقل هذا التقليد إلى الزواج، فإذا وافق أهل العروس على العريس ترتدي الفتاة فستانا أبيض كرمز للاستسلام وقبولها وأهلها بالعريس.