الإقصاء والإلغاء على طريقة 'الفقيه المجدّد' عبدالله العلايلي

من الواضح أن هذا الأديب المفكر لم يتخلص لا من النزعة القبلية، و لا من موروث عصر الإنحطاط، فهو لا يفكر بمعنى أنه يتقدم إلى أرض جديدة بل إنه يستعيد أفكار القرون الوسطى بلغة جديدة.
ملكون ملكون
ستوكهولم

صار الأمر شائكاً ومتعباً وصادماً عند البحث في صفحات ومؤلفات وتاريخ أسماء لامعة في الفكر والأدب والشعر العربي، لأن من تم تسويقه لنا نحن الجماهير (الغفورة) كان لامعاً برّاقاً، فتشربناه ونحن مذعنون لإعلام متخلف مضلل، وكتب مدرسية تزرع في أدمغتنا الطرّية أفكاراً ومسلمّات أقل ما يقال عنها أن الشك والريبة يلفانها.

عبدالله العلايلي..

عندما تبحث عن معلومات عن الشيخ عبدالله العلايلي تجد ما يلي : لغوي أديب موسوعي، وفقيه مجدّد لبناني، لُقب بفرقد الضاد، باعتباره من أبرز الشخصيات اللغوية الإصلاحية التنويرية.

 لكن بقراءة متأنية لمؤلفاته وخصوصاً كتابه الصادر عام 1941 "دستور العرب القومي" يجعلنا نعيد النظر في المشروع الفكري الذي كان يقوده هذا "المجدّد التنويري"، ففي زمن كانت الايدلوجيات القومية تغلي وتفضي لإندلاع أكبر حرب عالمية في التاريخ حصدت ما يقارب الخمسين مليون قتيل، كان "العلايلي" يجد في كتابه هذا الحل المثالي للمشاكل العربية فيقول : "فكل تجمع ملّي أو عنصري يعتبر جريمة قومية، فمثلاً تجمع العلويين تجمّع ملّي يجعلهم على الدوام محتفظين بعنعنات خاصة، فلا يذوبون أبداً في بوتقة القومية، وتجمّع الآشوريين تجمّع عنصري، وكذلك تجمّع اليهود في موضع كفلسطين". (دستور العرب القومي – دار الجديد – ص 178).

واللافت هنا أن عبدالله العلايلي  أغفل ( ولا نعرف السبب) تجمعات طائفية وعرقية (البربر والأكراد والتركمان والأرمن) وهي حسب تصنيفه السابق وحسب رؤيته تتساوى مع العلويين والاشوريين في ارتكابها "للجريمة القومية" على حد تعبيره، ومن هنا لا يبدو بريئاً صبّ جام غضبه على الطائفة الآشورية.

فما الحل حسب العلايلي في كتابه الآنف الذكر: "ومن ثم أرى، مداواة لذا الداء القومي الفظيع، أن يعمد إلى توزيع التجمعات بتبديل السكان، واليهود بدل أن يتجمعوا في فلسطين يُنثرون في بلاد العرب بحيث لا يتسنى لهم إيجاد تجمّع في إقليم ما أو منطقة ما، وكذلك العلويون يُنثرون في بلاد العرب، وكذلك الآشوريون ومن أشبههم ممّن يشكّل أقلية تورث تذبذباً  وتكسراً في الروح القومية، وأرى ضرورة مثل هذا التوزيع لأن لدينا طبقات مليّة وعنصرية كثيرة تؤلف أقليات، وهي أشد ضرراً من الطبقات الإجتماعية التي نتناصر على هدمها، وكل منها يجتمع على نفسه ويتكتّل تكتلاً إنفرادياً بحيث لا يتم للوطن كيان مع وجودها كعوالق طفيلية". (دستور العرب القومي – دار الجديد – ص 178).

هذا الكلام الخطير والفكر الإقصائي الإلغائي لم يلتفت له الكثيرون في خضم تسويق وتلميع لصورة المفكر المجدّد والتنويري وتَشرّب أجيال متعاقبة على صورته المثالية التي لا تشوبها شائبة، وهنا يتابع "العلايلي" عرض دستوره "القاتم" فيقول: "وأعتقد بأنه لن يتسنى إيجاد الكيان القومي مع هذا الداء الإجتماعي الوبيل، إلا بإحدى وسيلتين: 1- ترحيلهم، وهذا ما عمدت إلى تطبيقه حتى اليوم، كألمانيا مع اليهود، والعراق مع الآشوريين، 2- توزيعهم بتبديل السكان في جهات متنائية تضعف من شوكة تجمعهم، وتجعلهم أكثر ميلاً إلى الذوبان في البوتقة القومية. وهذه هي الوسيلة التي نَدلُّ عليها ونشير بها، لعلها تتحقق الغاية، وتكفل الهدف بدون ما إضرار بالوطن. أما الترحيل وقد ينطوي على الإبادة المادبة، كما فعلت ألمانيا النازية. وإما التوزيع السكاني وهو ينطوي على الإبادة المعنوية". (دستور العرب القومي – دار الجديد – ص 178).

من الواضح أن هذا الأديب المفكر لم يتخلص لا من النزعة القبلية، و لا من موروث عصر الإنحطاط، فهو لا يفكر بمعنى أنه يتقدم إلى أرض جديدة بل إنه يستعيد أفكار القرون الوسطى بلغة جديدة.