الاحتجاجات تشتعل في لبنان على وقع تواصل انهيار الليرة

لبنانيون غاضبون يحطمون عددا من واجهات البنوك للمطالبة بسحب ودائعهم، فيما يتواصل انهيار الليرة مقابل الدولار.
عشرات المحتجين اللبنانيين يهجمون على بنوك تحتجز أموالهم
أسعار المحروقات تقفز والأوضاع المعيشية تزداد ترديا
عشرات من سائقي الأجرة يغلقون الطريق أمام مقر وزارة الداخلية

بيروت - اندلعت احتجاجات عارمة في لبنان اليوم الخميس قام خلالها عشرات المحتجين بتحطيم فروع لبنوك تجارية في أحد أحياء بيروت وأضرموا فيها النار كما قطعوا بعض الطرقات احتجاجا على عجزهم عن سحب أموالهم، فيما سجلت الليرة اللبنانية انهيارا قياسيا إذ خسرت 95 من قيمتها وتخطت عتبة 80 ألفا أمام الدولار، ما تسبب في ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية.

وتفرض المصارف اللبنانية منذ بدء الانهيار الاقتصادي في خريف 2019 قيودا مشددة على سحب الودائع تزايدت حتى بات من شبه المستحيل على المودعين التصرّف في أموالهم، خصوصاً تلك المودعة بالدولار الأميركي أو تحويلها إلى الخارج.

وقال متحدث باسم جمعية "صرخة المودعين" إن ستة فروع لبنوك على الأقل استهدفت مع تسجيل الليرة اللبنانية لانخفاض قياسي جديد اليوم الخميس والجمعية تمثل المودعين الذين لا يمكنهم الوصول لأموالهم في القطاع المصرفي في البلاد.

 كما قطع لبنانيون الأربعاء عددا من الطرق شمالي لبنان احتجاجا على ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية وتردي أوضاعهم المعيشية، بينما قام بعض المحتجين في عدة مناطق من بينها مدينة طرابلس بإغلاق الطرق مستخدمين السيارات والصهاريج وحاويات نفايات والحجارة والإطارات.

وفي شارع بدارو في بيروت حطم نحو 50 شخصا واجهات أربعة بنوك على الأقل خلال تحرك دعت إليه الجمعية وأحرق المتظاهرون إطارات أمام المؤسسات البنكية التي استهدفوها.

وقال أحد المتظاهرين الطبيب باسكال الراسي "منذ ثلاث سنوات خطفوا وحجزوا ونهبوا أموالنا، هناك أصحاب ملايين بالدولار بيننا ولكن ليس هناك حتى قرش في جيوبهم"، مضيفا "لم يعد هناك أي حل سنُصّعد حتى نستعيد حقوقنا".

ومن بدارو توجه المتظاهرون إلى منزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير الواقع في الضاحية الشمالية الشرقية لبيروت حيث أحرقوا الإطارات والأخشاب وكتبوا شعارات على جداره بينها "حرامية"، في حين رمى بعضهم الحجارة من فوق الجدران إلى داخل المنزل المحاط بأسلاك شائكة.

وخلال أسبوعين فقط تراجع سعر صرف الليرة اللبنانية في السوق السوداء من 60 ألفا مقابل الدولار إلى أكثر من 80 ألفا اليوم الخميس وما زاد في إشعال غضب المحتجين القفزة التي سجلتها أسعار المحروقات، إذ قارب سعر صفيحة البنزين (20 لترا) مليونا وأربعمئة ألف ليرة ما يناهز 19 دولارا، أي ما يعادل قرابة ثلث راتب جندي في بلد بات فيه 80 في المئة من السكان تحت خط الفقر، فيما رفعت السلطات منذ العام 2021 الدعم عن المحروقات وبعض السلع الرئيسية مثل الطحين والأدوية.

محتجون لبنانيون يصبّون جام غضبهم على البنوك التي تفرض قيودا مشددة على أموالهم
محتجون لبنانيون يصبّون جام غضبهم على البنوك التي تفرض قيودا مشددة على أموالهم

وعلى وقع ارتفاع الأسعار أغلق العشرات من سائقي الأجرة الطريق أمام مقر وزارة الداخلية في بيروت احتجاجا على تدهور الأوضاع المعيشية، خصوصا وأن تعريفة سيارة الأجرة تبلغ مئة ألف ليرة (1.3 دولار).

وقال ربيع فرح (33 عاما) سائق الأجرة منذ 12 عاماً "اختنقنا جراء انهيار الليرة... مدخولي لا يكفيني حتى لشراء البنزين"، مضيفا "إيجار بيتي 300 دولار، عدا عن الأكل والشرب، من أين آتي بالمال".

وتوقفت المحال التجارية الكبرى خلال الأيام القليلة الماضية عن تسعير المواد الغذائية، في بلد يعتمد بشكل أساسي على الواردات.

وتُعتبر الأزمة الاقتصادية المحتدمة الأسوأ في تاريخ لبنان وفاقمها شلل سياسي يحول دون اتخاذ خطوات إصلاحية تحدّ من التدهور وتحسّن من نوعية حياة السكان.

ويزيد الجمود السياسي الوضع سوءا في ظل فراغ رئاسي منذ أشهر تدير خلاله البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، بينها إصلاحات يشترطها المجتمع الدولي لتقديم الدعم من أجل وقف النزيف الحاصل.

ومنذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في نهاية أكتوبر/تشرين الأول فشل البرلمان اللبناني 11 مرة في انتخاب رئيس جراء انقسامات سياسية عميقة، إذ لا يملك أي فريق أكثرية برلمانية تخوّله إيصال مرشح.

وحذّر ممثلو خمس دول، هي فرنسا والولايات المتحدة والسعودية وقطر ومصر عقدت مؤخرا اجتماعا بشأن لبنان في باريس من تداعيات التأخر في انتخاب رئيس للجمهورية، وفق بيان صدر عن رئاسة الحكومة اللبنانية الاثنين، مؤكدين أن "عدم انتخاب رئيس جديد سيرتّب إعادة النظر بمجمل العلاقات مع لبنان".

ومنذ صيف العام 2019 يشهد لبنان انهيارا اقتصادياً خسرت خلاله الليرة أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار، فيما بدأ منذ مطلع الشهر الحالي اعتماد سعر صرف رسمي جديد يبلغ 15 ألفاً مقابل الدولار مقارنة مع 1507 ليرات سابقاً ويتزامن ذلك مع أزمة سيولة حادة وتوقّف المصارف عن تزويد المودعين بأموالهم بالدولار.

وذكرت الأمم المتحدة في تقرير سابق أن "سياسات البنك المركزي اللبناني على وجه الخصوص أدت إلى دوامة هبوط العملة وتدمير الاقتصاد والقضاء على مدخرات الناس مدى الحياة ووضع الدولة اللبنانية في مخالفة صريحة للقانون الدولي لحقوق الإنسان".