الاعلام كسلاح حربي ثقيل.. هل ينجح في أوكرانيا؟

يدرك الغرب قوة الماكنة الإعلامية لروسيا ولم يتردد بمواجهتها بكل الوسائل وأولها حجبها عن المتابع في أوروبا والولايات المتحدة.

في ابريل 2022 اتخذ حلفاء أوكرانيا من قاعدة رامشتاين العسكرية الأميركية في ألمانيا، مقرا لانعقاد مؤتمر نسق فيه المشاركون لإيجاد خطط فعالة لتسهيل نقل شحنات الأسلحة الى أوكرانيا ومع أنه فشل في الحصول على اتفاق إمداد كييف بدبابات ليوبارد التي يصفها الأوكرانيون بالمهمة، الا أنه أفضى لطرح مبادرات أخرى تشمل الدعم اللوجيستي ومجالات الطاقة التي كانت حاسمة في تأمين وإرسال المولدات إلى أوكرانيا خلال أشهر الشتاء. أما الآن تعد "مجموعة رامشتاين" خططا لمكافحة التضليل الروسي على نطاق أوسع.

سيكون فريق "رامشتاين الإعلامي" مكونا من العديد من المسؤولين الأوكرانيين، بما في ذلك ميخايلو بودولياك المستشار المؤثر للرئيس فولوديمير زيلينسكي، بالإضافة الى مسؤولين من فرقة عمل ايست ستارت كوم التابعة للاتحاد الأوروبي، وهو قسم تم إنشاؤه بعد عام من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 لتحدي حملات التضليل التي أطلقها الكرملين، وموظفون من مركز التميز للاتصالات الاستراتيجية التابع لحلف الناتو، وكذلك من وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة.

ورغم الخلاف حول مقعد القيادة لمثل هذه المبادرة، الا أن هناك تفاهمًا على أن أوكرانيا لها الحق في الدفاع عن نفسها من روسيا، بما في ذلك في مجال المعلومات، عن طريق إزالة، جميع القنوات التلفزيونية الروسية من شبكة تلفزيون الكابل الخاصة بها أو حظر الشبكات الاجتماعية الروسية. ودعما للمبادرة قرر الاتحاد الأوروبي في حزم العقوبات الأخيرة ضد روسيا تعليق أنشطة البث والتراخيص للعديد من وسائل الإعلام المدعومة من الكرملين مثل سبوتنيك وآر تي وروسيا 1. ويشمل الحظر، الذي يستهدف المنصات ووسائل الاعلام الروسية التي تنشر معلومات مضللة، جميع وسائل الإرسال والتوزيع في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أو الموجهة إليها، لتنهي بذلك مبادرة مجموعة رامشتاين التردد الذي أبداه الاتحاد الأوروبي في بداية الحرب عندما قرر عدم استهداف وسائل الإعلام الروسية بأي شكل من الأشكال.

ومع ذلك، سمح الاتحاد الأوروبي للصحفيين العاملين بوسائل الاعلام الروسية أو التابعة لحلفاء بوتين بمزاولة بعض الأنشطة الإعلامية بخلاف البث، مثل المقابلات أو التقارير، بينما كانت هناك دعوات لتشديد الإجراءات، بما في ذلك فرض مزيد من العقوبات على الأفراد الذين يُعتقد أنهم ينشرون دعاية مؤيدة للكرملين.

لقد أصبح تدمير صحافة العدو وإعلامه هدفاً عسكرياً أكثر من أي شيء آخر لما يقدمه الاعلام الحربي من دور قادر على قلب الحقائق أو التأثير على الروح المعنوية التي تضعف القدرات القتالية أو حتى العصيان والتمرد، ولنا في تاريخ الحروب الحديثة العديد من الأمثلة. ففي عملية "تحرير العراق" التي أدت الى سقوط العراق سنة 2003، تم قصف التلفزيون العراقي والتشويش على بث المحطات الاذاعية المحلية منذ الساعات الأولى من الحرب. وفي 8 أبريل عندما كان الجيش الأميركي يتقدم صوب بغداد ثم استهداف محل إقامة الصحفيين المستقلين في فندق فلسطين، كما خرجت مقرات قناة الجزيرة وأبوظبي من الخدمة بعد أن تم استهدافها دون أن تعترف القيادة الأميركية بذلك، وكان ذلك لعدم السماح بتقديم تحليل نقدي للتدخل الأميركي قد يؤدي الى أعمال انتقامية من شانها أن تضع الجنود الأميركيين في الخطر.

لا يتم خوض الحرب في ساحات القتال فقط. الصراع بين روسيا وأوكرانيا يجري أيضا في مجال الإعلام. فمنذ ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، إلى التدخل في انتخابات 2016 في الولايات المتحدة و2017 في أوروبا، مروراً بالتدخل العسكري الروسي في سوريا اعتبارًا من عام 2015، كانت استراتيجية المعلومات الروسية تذهب في اتجاه واضح نحو تضخيم "الروايات" وهو ما يدفع أيضا الى اللجوء إلى "الوسطاء" أو "العملاء" لشن حرب المعلومات الخاصة بها، وهو ما يجري اليوم أيضا في الحرب الأوكرانية بمستوى أعلى من حيث تضخيم الروايات في ظل تقدم بطيء أو معدوم وعدم تحقيق انتصارات عسكرية فعلية، هذا ما يدفع ان تتحول فكرة مجموعة رامشتاين من فكرة مكافحة التضليل الروسي الى فكرة الهجوم على المعسكر الروسي من خلال نفس الوسائل والأساليب المتاحة.