البشرية تقطع شوطا جديدا نحو حقول شمسية في الفضاء

على عكس الوسائل التقليدية لتجميع الطاقة الشمسية على الأرض، التكنولوجيا الحديثة لارسال الطاقة عبر الاقمار الصناعية لن تتطلب مساحات شاسعة لزرع ألواح كبيرة ولا تتأثر بعوامل الطقس أو الفصول الأرضية أو التوقيت الأرضي، بل سيكون لديها وصول غير مقيد لأشعة الشمس، مما يوفر إمدادًا غير متقطع بالكهرباء.

واشنطن – قطع فريق بحقي اميركي شوطا جديدا في مسار قد يمكن يوما ما البشرية من جني طاقة شمسية نظيفة في الفضاء وارسالها الى الأرض عبر أقمار صناعية.

ونقل الطاقة الشمسية من الفضاء إلى الأرض كان يعتبر سابقا مجرد خيالي علمي، لكن تجارب سابقة بينها تجارب للجيش الأميركي تؤكد اليوم انه أصبح قريبا جدا من متناول اليد إذا سارت الأمور كما يخطط لها.

ونحن نشاهد بالفعل في كل يوم عملية بث الموجات الكهرومغناطيسية من الأقمار الصناعية إلى سطح الأرض، فما الذي يمنعنا من نقل الكهرباء لاسلكيًا؟ 

وعلى عكس الوسائل التي نعرفها لتجميع الطاقة الشمسية على الأرض، فإن هذه التكنولوجيا الحديثة لن تتطلب مساحات شاسعة لزرع ألواح كبيرة، ولا تتأثر بعوامل الطقس أو الفصول الأرضية أو التوقيت الأرضي، بل سيكون لديها وصول غير مقيد لأشعة الشمس، مما يوفر إمدادًا غير متقطع بالطاقة.

وفي يناير/كانون الثاني أطلق باحثون بجامعة كاليفورنيا للتكنولوجيا  (Caltechمجموعة من التجارب المدارية لاختبار تقنية جديدة لتجميع الطاقة الشمسية في الفضاء ونقلها لاسلكيا إلى الأرض من خلال موجات كهرومغناطيسية دقيقة، وتوصلوا إلى نتائج مشجعة، حسبما نقلته صحيفة "وول   ستريت جورنال".

ويقول علي حاجيميري، مهندس كهرباء في جامعة كاليفورنيا للتكنولوجيا وأحد قادة المشروع: "يدرك الناس الآن أن هذا ليس مجرد خيال علمي، قد يكون هناك طريقة للحصول على الطاقة من الفضاء".

ويقوم الفريق حاليا باختبار هياكل فائقة الخفة وإلكترونيات مرنة يمكن أن تجعل من فكرة نقل الطاقة الشمسية النظيفة من المدار إلى الأرض مشروعا عمليا وقابلا للتحقق.

ومن بين العناصر الرئيسية في مشروع الفريق البحثي، إرسال جهاز أطلق عليه "ميبل"، والذي استطاع توليد موجات ميكروية تم توجيهها من جزء في القمر الصناعي إلى آخر، كما تمكن من إضاءة اثنين من مؤشرات الضوء الاختبارية، وفقا للحاجيمري. 

وأشار المتحدث ذاته إلى أن المسافة المقطوعة تبقى "قصيرة ولا تتعدى القدم، لكنها أول تجربة موثقة لنقل الطاقة في الفضاء"، كما قام الجهاز بتوجيه أشعة ميكروية نحو الأرض، وتم استقبالها بواسطة كاشفات وضعها الفريق على الأرض.

ويحاول فريق "كاليفورنيا للتكنولوجيا" تسريع أبحاثه عن طريق اختبار تقنيات متعددة وبتكلفة أقل في مشروعه الذي يموله الملياردير ومطور العقارات الأميركي، دونالد برين، رئيس مجلس إدارة ومالك شركة إيرفاين، والذي ألهمته، قبل سنوات طويلة، مقالة منشورة على مجلة "بابيلار ساينس" عن استغلال الطاقة الشمسية في الفضاء، لدعم الأبحاث في هذا المجال. 

وقال برين في تصريحات صحفية نقلتها "وول ستريت جورنال": "أنا أحلم باستخدام الطاقة الشمسية في الفضاء لحل بعض التحديات العاجلة التي تواجه البشرية".

وساعد تبرعه بأكثر من 100 مليون دولار  خلال العقد الماضي، في دعم إطلاق "كالتيك" مجموعة من الاختبارات والتجارب لاستكشاف فرص نقل الطاقة من الفضاء. 

من جانبه، أجرى المركز البحري لتكنولوجيا الفضاء، تجارب على تقنية إرسال الطاقة في الفضاء باستخدام جهاز صغير يُسمى " PRAM"، تم نقله على متن طائرة الفضاء X-37B التابعة لسلاح الجو الأميركي، وقام بتحويل أشعة الشمس بشكل فعال إلى موجات ميكروية، ولكنه لم يستطع توجيه تلك الموجات إلى أي مكان آخر.

يقول كريس رودينبيك، رئيس مجموعة المشاريع المتقدمة في المختبر البحثي البحري الأميركي في واشنطن، إن التكنولوجيا "المستخدمة في العملية شبيهة بنظيرتها المستخدمة في شحن الهواتف المحمولة بشكل لا سلكي".

وفي عام 2021، أرسل رودينبيك وشركاؤه شعاعا من الموجات الكهرومغناطيسية بقوة 1.6 كيلووات (مماثلة أيضا لتلك المستخدمة في إشارات الواي فاي، ولكن بتردد أعلى) من جهاز إرسال إلى جهاز استقبال على بُعد نصف كيلومتر في حقل البحوث العسكرية التابع للجيش الأميركي في بلوسوم بوينت بولاية ماريلاند.

ويعمل رودينبيك على مشروعٍ مواز يُسمى "أراكني"، يديره مختبر أبحاث سلاح الجو في دايتون بولاية أوهايو. ويهدف إلى بلوغ التحدي الأكثر صعوبة والمتمثل في نقل الطاقة من المدار إلى محطة على الأرض، بحلول عام 2025، وفقا للصحيفة.

وتكثف عدة مؤسسات أخرى جهودها في نفس المجال، حيث تعمل وكالة الفضاء الأوروبية على إطلاق مشروع لشبكة فضائية شمسية. كما أعلنت أكاديمية تكنولوجيا الفضاء في الصين عن خطط لبناء نموذج أولي لقمر صناعي قادر على إرسال الطاقة من الفضاء، بحلول عام 2028. 

وتقوم المختبرات العسكرية في الولايات المتحدة بتجارب على تقنيات يمكن أن تنقل الطاقة من الفضاء إلى القواعد العسكرية البعيدة أو مناطق القتال، بحسب وول ستريت جورنال.

وبالإضافة إلى التحديات التقنية، يمثل  إيجاد طريقة آمنة وموثوقة لنقل آلاف الجيغاواطات من الطاقة من الفضاء إلى الأرض وتحويلها إلى كهرباء يمكن للناس استخدامه، أحد أبرز الرهانات التي تواجه هذه المشاريع.

وتعتبر أشعة الميكروويف التقنية المفضلة إلى حد كبير في المجال، حيث يمكنها أن تنتقل بحرية عبر الهواء، بغض النظر عن حالة الطقس.

وعلى الرغم من أن هذه الموجات هي نوع من الإشعاع الكهروميغناطيسي الذي يشبه إلى حد كبير نظيره المستخدم في أفران الميكروويف، إلا أن تركّزه لا يكون بنفس القوة، بحسب خبراء.

وأظهرت دراسة أجرتها وكالة الفضاء الأوروبية مؤخرا أن أشعة الميكروويف القادمة من الفضاء ستكون "ضعيفة ومبعثرة بشكل لن يؤثر على صحة الإنسان". 

ومع ذلك، يقول بعض المشاركين في هذه المشاريع، إنه من الضروري إجراء المزيد من البحوث الدقيقة لإقناع الجمهور بسلامة العملية.

من ميزات هذه المحطة الطاقية الفضائية، هي أنّها تستطيعُ تلقّي أشعّة الشمس دون انقطاع، هذه الانقطاع الذي عادةً ما تسبِّبه الأجواء الغائمة على الأرض.

كذلك، فإنّه ليس هناك ليال مُعتِمة في المدار الأرضي في الفضاء، ستتوقّف فيها المحطة عن توليد الطاقة بالكامل. وبناء على هذه الشروط الفضائية، يمكن توقع مردود طاقي يساوي ثمانية أضعاف ما تستطيع نفس المحطّة توليده على الأرض.

ويؤكد علماء ان محطة من هذا النوع، كفيلة بحل مشكلات الطاقة العالميّة في المستقبل. كما ستخفّ الاعتماد على مصادر الطاقة الحالية السائدة، كالنفط وغيرها، والتي لا تعدّ صديقة للبيئة.

ومحطّةٌ من هذا النوع يمكن أن توّلد ما يقارب 2 غيغا واط من الطاقة، وهو ما يعادل إنتاج مفاعل نووي. أما كلفة التركيب، فلا تتجاوز دولاراً ونصف للواط الواحد.