التعدي على الشاطئ اللبناني يهدد هوية البلد وثرواته

مخالفات متعددة أبرزها التلوث بالنفايات ومجاري الصرف الصحي ينتج عنها تداعيات سلبية تأثر على اقتصاد ومجتمعات هذا البلد المتوسطي.

بيروت - مع أن البحر يشكل كامل حدود لبنان الغربية بشاطئ يبلغ طوله أكثر من 220 كيلومترا، إلا أن سوء التنظيم المزمن ومخالفة القانون أفقداه القوة الاقتصادية والحيوية، وسط محاولات حثيثة لتغيير هذا الواقع.

وبحسب خبراء وناشطين بيئيين، تتعدد أنواع التعديات على الشاطئ اللبناني، وأبرزها التلوث بالنفايات ومجاري الصرف الصحي، إضافة إلى الإنشاءات المخالفة للقانون التي تمنع الوصول إلى الشاطئ.

وينتج عن هذه المخالفات تداعيات سلبية تأثر على اقتصاد ومجتمعات هذا البلد المتوسطي، وبدلا من الاستفادة من هذه الثروة الطبيعية، أصبح هناك تداعيات بيئية خطيرة على الحياة البحرية.

وحدد القانون اللبناني مكان الأملاك العامة على الساحل بآخر نقطة على الشاطئ يصل إليها موج البحر في الشتاء، حيث لا يجوز بيعها تحت أي ظرف وتبقى ملكيتها للدولة اللبنانية، لكن يمكن تأجيرها بضوابط وشروط صارمة.

لكن منذ الحرب الأهلية (1975 – 1990) بدأ يشهد قطاع الإنشاءات الساحلية تعديات ومخالفات متصاعدة، بينما حاز عدد قليل من الأبنية الساحلية على مراسيم للاستثمار شريطة تجديدها سنويا.

وقال محمد أيوب رئيس جمعية "نحن" (غير حكومية) إن تاريخ لبنان وآثاره وعادات وتقاليد سكانه كلها مرتبطة بشاطئ البحر، وبالتالي فإن فقدان لبنان لشاطئه يؤدي إلى فقدانه لهويته.

وأوضح أن للشاطئ اللبناني أهمية بيئية، باعتباره أغنى الشواطئ في البحر الأبيض المتوسط من ناحية التنوع البيولوجي.

وعلى هذا النحو، شدد أيوب على أن "أي أذى يلحق بالشاطئ اللبناني، سيجعل لبنان والعالم يخسران بيئة بحرية هامة ومتنوعة"، مشيرا إلى دراسة سابقة أعدتها جمعيته تُبين أن الشواطئ المفتوحة لعموم الناس تشكل انتعاشا اقتصاديا للمدن الساحلية أكثر من تلك المغلقة والمحصورة فقط برواد المنتجعات والفنادق والمسابح الخاصة.

وتبلغ مساحة التعديات على الأملاك البحرية العمومية في لبنان 6.1 مليون متر مربع أي ما يوازي 80 في المئة من مساحة الشاطئ، وفقا لأيوب، مؤكدا أن هذه التعديات تمنع المواطنين من الوصول إلى الشاطئ أو حتى رؤية البحر أحيانا.

وأشار إلى أن المساحة المتبقية من الشاطئ وتبلغ نحو 20 في المئة منه، فهي متاحة للعموم، لكن "يشوبها التلوث في جزء كبير منها وذلك من جراء مياه الصرف الصحي التي تصب مباشرة في البحر من دون معالجة"، مضيفا أن التعديات والتلوث يؤديان إلى تضرر الصخور والرمال والأماكن البحرية التي تشكل موائل للأسماك، وهو ما يشكل تهديدا للثروة السمكية والتنوع البيولوجي بشكل عام.

ويوجد على سواحل لبنان 11 محطة تكرير للصرف الصحي بها نحو 50 مضخة، إلا أن معظمها يعاني من ضعف التشغيل نتيجة سوء الإدارة وعجز في التمويل.

أما الضرر الاقتصادي الأكبر لهذه التعديات فهو خسارة لبنان حوالي 10 مليار دولار أميركي سنويا بسبب ضعف قيمة الرسوم الضريبية والغرامات مقابل الاستثمارات والتعديات على الأملاك البحرية العامة.

ولفت أيوب إلى أن قيمة الرسوم على إشغال الأملاك البحرية (استثمار مؤقت) تمثل 0.5 في المئة من قيمة المساحة المشغلة وهي نسبة منخفضة جدا مقارنة بالأسعار التي حددتها قوانين السوق ما بين 5 و10 في المئة.

وقال إنه "في حال اعتماد نسبة مرتفعة للضرائب، كما يطالب النشطاء البيئيون بأن تكون 10 في المئة بدلا من 0.5 في المئة، قد تجني الدولة إيرادات تصل إلى 10 مليارات دولار سنويا".

وفي محاولة لتغيير هذا الواقع، أقر مجلس الوزراء اللبناني منتصف أبريل/نيسان الماضي تعديل احتساب سعر الرسم السنوي من 1500 ليرة للدولار إلى سعر صرف الدولار بحسب السوق الموازية (وصل إلى 100 ألف ليرة للدولار).

وجاء هذا التعديل بناء على اقتراح وزير الأشغال والنقل البري والبحري علي حمية، تماشيا مع تعديل سعر الصرف الرسمي للدولار من 1500 ليرة إلى 15 ألف ليرة وبلوغ سعر الصرف بالسوق الموازية نحو 100 ألف ليرة.

وأفاد علي حمية في تصريح سابق "للأسف الشاطئ اللبناني غير متواصل بسبب التعديات عليه وهذا أمر غير موجود في باقي دول العالم"، مضيفا أن الواقع الحالي في لبنان "يصعب على الناس وصولهم إلى الشاطئ وهذا أمر غير مقبول".

وبحسب الوزير اللبناني، وجد أكثر من 1000 إشغال غير قانوني على طول الشاطئ اللبناني، إضافة إلى نحو 70 مرسوم (عقار أو منتجع) يمنح لبعض الأشخاص والمؤسسات الخاصة إشغال "مؤقت" بشرط تجديده سنويا.

وتابع "بدلا من فرض ضرائب إضافية على المواطنين، قررنا زيادة الرسوم على من كل يستثمر الأملاك البحرية المملوكة بالأساس للدولة"، موضحا أنه من خلال هذه الخطوة "سترتفع الإيرادات الناتجة عن استثمار الأملاك البحرية من حوالي 500 ألف دولار سنويا إلى نحو 35 مليون دولار سنويا"، مضيفا "تؤمن هذه الإيرادات تغطية جزء كبير من نفقات قطاعي الصحة والتعليم ورواتب موظفي القطاع الحكومي".

أما الخطوة التالية التي تعتزم وزارة الأشغال العامة والنقل البري والبحري اتخاذها، فهي إجراء مسح شامل للشاطئ لتحديد أماكن التعديات، حيث أن آخر مسح للشاطئ اللبناني كان في عام 1996.

وأكد علي حمية "هدفنا زيادة إيرادات الدولة والسماح للناس بالوصول إلى الشاطئ ودعم السياحة، وكلها مطالب شعبية".

ويعاني لبنان منذ 2019 أزمة اقتصادية حادة صنفها البنك الدولي واحدة من بين أشد 3 أزمات عرفها العالم، حيث أدت إلى انهيار مالي وتدهور معيشي، وشلل في المؤسسات والإدارات الحكومية.