التقارب الفرنسي المغربي يدفع تبون لإذابة الجليد مع باريس

تبون يعلن زيارة فرنسا إذ لم يفده الموقف المتشدد في دفع الإليزيه للتراجع عن الانفتاح الواسع على الرباط.

باريس – أعلنت الرئاسة الجزائرية أن الرئيس عبد المجيد تبون اتفق مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون على زيارة رسمية يجريها إلى باريس الخريف المقبل، بعد تأجيلها عدة مرات إثر حالة المد والجزر التي تشهدها العلاقات بين البلدين خصوصا مع اتجاه فرنسا وجهودها الحثيثة لتحسين العلاقات مع المغرب مؤخرا، ما دفع الجزائر أن تلحق الركب وتتراجع عن مواقفها السابقة تجاه باريس وتحاول كسر الجمود.

وقال بيان الرئاسة الجزائرية إن تبون تلقى مكالمة هاتفية من ماكرون تطرقا خلالها إلى العلاقات الثنائية ومسائل ذات بعد إقليمي ودولي، فيما أعلن الإليزيه أن تبون سيقوم بزيارة دولة لفرنسا "بين نهاية أيلول/سبتمبر وبداية تشرين الأول/أكتوبر"، وذلك إثر مشاورات هاتفية بين تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وقالت الرئاسة الفرنسية إن هذه الزيارة التي سبق أن ارجئت مرارا، ستجري "في موعد يتم تحديده" خلال الفترة المذكورة. كانت الزيارة مقررة أولا بداية أيار/مايو 2023، لكنها أرجئت إلى حزيران/يونيو من العام نفسه، في ظل توتر العلاقات وعدم استقرارها.

الجزائر تخشى أن تصبح خارج المعادلة السياسية مع استحواذ الرباط على الاهتمام الإقليمي والدولي إثر النشاط الدبلوماسي الفاعل وتحركاتها التي اكسبتها حلفاء في افريقيا والغرب.

وفي كانون الأول/ديسمبر، أكدت الجزائر أن ظروف الزيارة الرئاسية لا تزال غير متوافرة، لافتة إلى وجوب معالجة خمسة ملفات قبل إتمامها، بينها تنقية الذاكرة والتعاون الاقتصادي والتجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية. ومذاك، لم يؤكد الرئيس الجزائري مجيئه الذي يهدف إلى ترميم العلاقات بين البلدين بعد سلسلة من الأزمات الدبلوماسية. في المقابل، قام تبون بزيارة دولة لروسيا لم تنظر إليها باريس بارتياح.

ورغم عدم الحديث عن العلاقات الفرنسية المغربية إلا أنها ترخي بظلالها على موقف الجزائر من باريس، إذ تخشى أن تصبح خارج المعادلة السياسية مع استحواذ الرباط على الاهتمام الإقليمي والدولي إثر النشاط الدبلوماسي الفاعل وتحركاتها التي اكسبتها حلفاء في افريقيا والغرب.

وأعادت زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى المغرب، الدفء إلى العلاقات بين الرباط وباريس، بينما تصريحه بخصوص ملف الصحراء المغربية أثار حفيظة الجارة الجزائر، التي تساند جبهة بوليساريو الانفصالية، ما جعل النظام الجزائري يعيد التفكير بتليين موقفه مع باريس إذ لم يفده الموقف المتشدد في دفع الإليزيه للتراجع عن الانفتاح الواسع على الرباط.

وفي فبراير/شباط الماضي جدد الوزير الفرنسي ستيفان سيجورنيه، دعم باريس "الواضح والمستمر" لمقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب لحل النزاع، بينما تريد الرباط من باريس أن تتخذ موقفا مماثلا لذلك الذي أعلنته الولايات المتحدة أواخر العام 2020 حين اعترفت بسيادة المملكة على إقليم الصحراء الغربية، في مقابل تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل.

وتعد فرنسا والمغرب، حليفين تقليديين لكن علاقاتهما الدبلوماسية شهدت توترات قوية في السنوات الأخيرة تزامنت مع سعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى التقارب مع الجزائر، في حين قطعت الأخيرة علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط عام 2021.

وفي فبراير من العام الماضي برزت أزمة دبلوماسية بين البلدين بسبب مساعدة القنصلية الفرنسية في تونس على مغادرة الناشطة الفرنسية الجزائرية أميرة بوراوي، إلى فرنسا.

واعتبرت الجزائر أنّ وصول بوراوي إلى فرنسا يشكّل "عملية إجلاء سرية وغير قانونية" تمّت بمساعدة دبلوماسيين وأمنيين فرنسيين، واستدعت سفيرها في باريس سعيد موسي للتشاور.

كما سحبت الجزائر سفيرها من باريس في العامين الماضيين كرد فعل غاضب على تصريحات لإيمانويل ماكرون حول تاريخ الجزائر وملف الذاكرة، قبل أن تُقرر الجزائر إعادة سفيرها إلى فرنسا.

وطوى الرئيسان تبون وماكرون تلك الأزمة و"اتّفقا على تعزيز قنوات الاتصال.. لمنع تكرار هذا النوع من سوء التفاهم المؤسف" وفق الإليزيه.

وأضافت الرئاسة الفرنسية الاثنين "بالنسبة إلى المسائل المتعلقة بالذاكرة، أشاد الرئيسان بالتقدم الأخير الذي أحرزته اللجنة المشتركة الفرنسية الجزائرية (والتي تضم) مؤرخين ويترأسها البروفسوران محمد لحسن زغيدي وبنجامان ستورا، والتي ستجتمع مجددا في نيسان/أبريل". وأوضحت الرئاسة أن ماكرون وتبون "تطرقا أيضا إلى المسائل الإقليمية والتعاون في مجلس الأمن الدولي، وخصوصا فيما يتصل بالنزاع في الشرق الأوسط".

وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان توجه في تشرين الثاني/نوفمبر إلى الجزائر حيث استقبله تبون. وتناول البحث خصوصا "مكافحة الجريمة المنظمة" و"الهجرات" و"تداعيات الأزمة" في الشرق الأوسط.

وسبق أن صرح وزير الخارجية الجزائرية أحمد عطاف أن زيارة تبون إلى فرنسا لازالت قائمة، وستتم حال تجاوز العديد من الخلافات في وجهات النظر بين الجزائريين والفرنسين في قضايا تهم البلدين، لكن لم يتم تحديد موعد لهذه الزيارة التي لازالت الجزائر تُخطط لها منذ عدة شهور.

وكانت زيارة تبون الأولى إلى فرنسا منذ وصوله إلى الحكم عام 2019، مقررة في شهر مايو/ أيار 2023، قبل تأجيلها إلى النصف الثاني من يونيو/ حزيران من العام ذاته، لكنها لم تتم لأسباب لم يعلن عنها رسميا.

وفي أغسطس/ آب الماضي قال تبون في مقابلة مع وسائل إعلام فرنسية، إن زيارته التي كانت مبرمجة إلى فرنسا مازالت "قائمة"، مشيرا إلى أن الطرف الجزائري ما زال ينتظر برنامج التنقل من الرئاسة الفرنسية.