الجزائر تستبق التدخل العسكري في النيجر باستنفار على حدودها

قوات جزائرية ستتولى مراقبة عمق النيجر، فيما تتمركز وحدات قتالية للجيش الجزائري عالية التدريب في التغطية الخلفية بحالة تأهب.

الجزائر - ترفض الجزائر التدخل العسكري الخارجي في النيجر معتبرة ذلك تهديدا مباشرا لها، فيما شددت على تفضيلها الحلول الدبلوماسية لاستعادة الشرعية الدستورية فيها واتخذت استعدادات لأسوأ السيناريوهات عبر رفع درجة الاستنفار العسكري على حدودها للتعامل مع أي طارىء، وفق مراقبين جزائريين.

وأوفدت الجزائر اليوم الخميس الأمين العام لوزارة الخارجية لوناس مقرمان إلى النيجر لإجراء مباحثات مع كبار المسؤولين فيها سعيًا للتوصل إلى حل سلمي، وفق مصادر رسمية.

ويأتي ذلك بعدما بدأ وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف الأربعاء جولة مباحثات في ثلاث من دول الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) هي نيجيريا وبنين وغانا للتشاور بشأن أزمة النيجر وسبل حلها.

وأعلنت الوزارة على صفحتها بموقع فيسبوك أن "مقرمان يقوم بزيارة إلى النيجرفي إطار المساعي الحثيثة والمتواصلة للجزائر بشأن الإسهام في إيجاد حل سياسي للأزمة التي يعيشها البلد بما يجنبه وكذلك للمنطقة بأكملها المزيد من المخاطر".

 

وتعتقد الجزائر التي تتقاسم حدودا برية مع النيجر بحوالي 1000 كلم أن التدخل العسكري الذي لوحت به المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" ضد المجلس الانقلابي في نيامي أخيرا، بات وشيكا.
وكانت الإذاعة الجزائرية قد نقلت عن مصادر- لم تسمها - أن الجزائر رفضت طلبا بالسماح للطائرات الفرنسية باستخدام مجالها الجوي، تحسبا لعملية عسكرية وشيكة بالنيجر وهو ما نفاه قائد أركان الجيش الفرنسي تييري بوركار.
ومنذ عزل الرئيس محمد بازوم في النيجر من قبل قادة عسكريين في 26 يوليو/تموز، عبرت الجزائر عن مواقفها الرافض للانقلاب والمطالب باستعادة الشرعية الدستورية.
ومع طرح دول "إكواس" الخيار العسكري ضمن إجراءات إرغام الانقلابيين على التراجع، سارعت الجزائر للتعبير عن رفضها لاستخدام القوة معتبرة ذلك تهديدا مباشرا لها.
وفي رده على سؤال حول موضوع التدخل قال الرئيس عبدالمجيد تبون، في آخر مقابلة مع وسائل إعلام محلية "بالطبع هو تهديد مباشر للجزائر ونرفضه بشكل قاطع".
ولفت إلى أن هذا التوجه "ينذر بحرب إقليمية"، مشيرا إلى "إعلان مالي وبوركينا فاسو الوقوف إلى جانب النيجر واعتبار أي هجوم عليها اعتداء عليهما".
وقال تبون "ما فائدة كل هذه التهديدات؟ هي ليست الخيار الأنسب لحل الأزمة"، مضيفا "قلنا إننا مع الحل السلمي وإذا أرادوا منا المساعدة فنحن مستعدون لذلك".
وحذر الجيش الجزائري على لسان قائده السعيد شنقريحة الثلاثاء من أن "التدخلات الأجنبية في النيجر ستفرز مزيدا من عدم الاستقرار في المنطقة" وذلك في كلمة له بالندوة 11 للأمن الدولي بموسكو.
وترى الجزائر أن التدخلات العسكرية الخارجية في المنطقة لم تجلب السلام لدول جوارها بل كانت عنصرا مفاقما لكل أزمة.
ودافعت الخارجية الجزائرية، عقب تحديد قادة جيوش "إكواس" موعد التدخل العسكري، عن هذا الطرح بقولها "تاريخ المنطقة يشهد بصفة قطعية أن التدخلات العسكرية قد جلبت المزيد من المشاكل بدلاً من الحلول".
وأضاف شنقريحة أن الحلول العسكرية "شكلت عوامل إضافية لتغذية الصدامات والانقسامات عوض نشر الأمن والاستقرار".
وينبع رفض الجزائر لخيار القوة بجوارها الإقليمي واعتباره تهديدا مباشرا لها من التجربة التي عاشتها عقب الفوضى الأمنية التي شهدها شمال مالي أواخر 2012.
ومع سيطرة الجماعات الإرهابية على مدن شمال مالي، تعرض القنصل الجزائري العام ومرافقيه في قنصليتهم بمدينة غاو حينها إلى الاختطاف على يد الإرهابيين.
ومع بداية التدخل الفرنسي شمال مالي منتصف 2013 تعرضت أكبر منشأة لإنتاج الغاز الطبيعي بالجزائر وتحديدا بمحافظة إليزي (جنوب شرق) إلى هجوم إرهابي واحتجاز رهائن قبل أن يقضي الجيش الجزائري على المجموعة المهاجمة التي قدمت من مالي وعددها 32 عنصرا.
وقال الخبير الجزائري في الشؤون الإستراتيجية بن عمر بن جانا، وهو ضابط سامي متقاعد، إن الجزائر "أنهت استعداداتها للسيناريوهات الصعبة في النيجر".
وتابع "في وضع مماثل لا نقول إن الجزائر ستتخذ إجراءات لأنها انتهت فعلا من ضبط جميع الاستعدادات اللازمة للتعامل مع أي طارئ".
وأفاد بأن "المخطط الأمني الخاص قائم على وضع قوات الدرك الوطني على خط الشريط الحدودي للقيام بالمراقبة الأمنية للمهاجرين وإخضاع كل من يرغب في اجتياز الحدود للتفتيش القانوني، اعتبارا لكون الدرك قوة إنفاذ القانون".
وأوضح الخبير الجزائري أن هذه القوات "ستتولى مراقبة عمق النيجر بمسافة تفوق 40 كلم وذلك ضمن اتفاق تسيير الدوريات المشتركة على الحدود مع النيجر".
كما "تتمركز وحدات قتالية للجيش الجزائري عالية التدريب في التغطية الخلفية وضعت في حالة تأهب دائم للتعامل مع كل خطر محدق بأمن البلد".
وفي السياق تضع الجزائر كافة منشآتها الحيوية ولعل أهمها منشآت الطاقة الواقعة جنوب البلاد تحت حماية أمنية عالية المستوى،  فيما أكد تبون في يونيو/حزيران على "حماية المواقع الاستراتيجية للبلاد".
وقال خلال إشرافه على تمرين تكتيكي "فجر 2023" بالمنطقة العسكرية الأولى إن الجيش مدعو إلى "الحرص على مواكبة التطورات الأمنية والعسكرية وإلى السهر على الاستغلال الأمثل للإمكانيات المادية والبشرية المسخرة حصريا للتأمين الشامل لحدودنا الوطنية وحماية المواقع الإستراتيجية والتصدي للهجرة غير الشرعية".
وإلى جانب تفعيل أدوات الردع العسكري، من المنتظر أن تكون الجزائر إحدى مقصد آلاف النازحين والمهاجرين من النيجر في حال اندلعت حرب بين قادة المجلس الانتقالي وجيوش "إكواس".
وتتعامل الجزائر، سنويا مع عشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين القادمين من النيجر، وفق خطط الإعادة الطوعية بالتنسيق مع سلطات بلادهم.
ويرى المحلل السياسي مبروك كاهي، وهو أستاذ العلوم السياسية بجامعة ورقلة جنوب البلاد، أن الجزائر "قد تلجأ إلى تحديد مناطق واضحة لتدفق اللاجئين".
وقال كاهي "في حال حدوث التدخل العسكري، سوف تلجأ الجزائر لاتخاذ التدابير التي يجيزها القانون الدولي هذه الحالات".
وأضاف أن من هذه التدابير "إغلاق الحدود وربما إنشاء مناطق عسكرية لمنع تسلل الجماعات الارهابية، مع تحديد مناطق واضحة لتدفق اللاجئين والفارين من جحيم الحرب".