'الجنين' يتحدى المجتمع لإثبات نسبه

المخرج المغربي إدريس الروخ يكشف في تصريح أهمية طرح قضايا الأطفال المتخلى عنهم في دراما رمضان، ويبرز صراع الطبقات الاجتماعية نحو السلطة.

الرباط - يتناول مسلسل "الجنين" للمخرج إدريس الروخ قصة طفل تتخلى عنه والدته وتتركه أمام الباب الحديدي لمحل خردة في مدينة الدار البيضاء، ويعثر عليه "الذهبي" أمين الخردة، ويقرر أن يعتني به، لكن زوجته "تاجة" ترفض بشدة، فيتربى الفتى في بيت عاملة بمحل الخردة فيكبر ليواجه عدة مصاعب وتحديات.

العمل من سيناريو عدنان موحجة والمهدي شهاب، وتشخيص كل من يسار لمغاري، إدريس الروخ، ورفيق بوبكر، سعيدة باعدي، محمد كاف، فاطمة الزهراء قنبوع، حسناء طمطاوي، وحميد النيدر، ومجموعة من الطاقات الشابة.

في تصريح للمخرج إدريس الروخ لـ "ميدل إيست أونلاين" عن مسلسله الجديد الذي يحمل عنوان "الجنين" والذي افتتح السباق الرمضاني بأسبوع قبل رمضان، يقول المخرج: "بخصوص مسلسل 'الجنين' الذي صور بين مدينة الدار البيضاء والنواحي، والذي يضم ممثلين من مختلف الأعمار، فهو يطرح إشكالات كثيرة عويصة، وخصوصا الأبناء المتخلى عنهم، كما يتحدث عن أسرار عائلات تعمل في سوق خردة السيارات ومشاكلهم النفسية والاجتماعية والأسرية والمهنية، والتي تدور كلها حول شاب ثلاثيني يعود إلى ماضيه ويحاول البحث عن والديه، ولكن ليس البحث فقط بل لطرح السؤال، لماذا تم التخلي عنه؟ وما السبب؟ وهذه المشاكل كثرت في المجتمعات العربية للأسف، إذ أن معظم الحالات النفسية تبقى عالقة في السؤال المطروح دائما وهو لماذا؟، كما أن هناك قضايا المخدرات والاستغلال وعلاقات السلطة والقوة القادرة على كسر جميع الطابوهات، والباقي سيتعرف عليه المشاهد في الحلقات الأخرى القادمة في رمضان".

ويتميز المسلسل ببداية مثيرة تلفت الانتباه وتثير الفضول، مثل مشهد المطاردة الذي يفر فيه "الجنين" الذي يلعب دوره الممثل الكوميدي يسار أمغار من عصابة اللصوص، إذ أن هذا المشهد جعل الجمهور يتسائل ويبقى مترقب عن سبب هذه المطاردة، ثم يتبع السرد تطورا تدريجيا يفتح للمشاهدين نوافذ على عالم الشخصيات والأحداث بتناغم.

ويتقن المسلسل فن ترتيب الأحداث بشكل محكم، حيث يتم الانتقال بين المواقف الصاخبة والمواقف الهادئة بسلاسة، وخاصة تكوين اللقطات الذي يظهر الطبقات الميسورة الحال مثل عائلة "الحاج الذهبي" الذي أدى دوره الممثل محمد كافي وزوجته "الحاجة تاجة" الذي لعبت دورها الممثلة سعاد حسن، وعائلة "مليكة" الذي أدت دورها الممثلة سعيدة باعدي، وزوجها المختار الذي أدى دوره الممثل عبداللطيف الخمولي، والمشاهد الاخرى التي تبرز الاحداث في سوق خردة السيارات، إذ تتداخل الخطوط الزمنية فيه، حيث تبرز اللقطات الاولى بشكل مفاجئ جثة مرمية يجهل عمال (لافيراي) أي سوق الخردة سبب وفاتها، مما يضيف تعقيدا وإثارة إلى القصة ويشد انتباه المشاهدين دون أن يؤثر على التسلسل الرئيسي للأحداث.

وتتميز الحوارات بالحيوية والواقعية، كالمداخلات بين "مليكة" السيدة التي تملك محل قديم في سوق الخردة، و"الحاج الذهبي" الذي يعتبر من أقدم تجار أجزاء السيارات في المنطقة، حيث تعكس مداخلاتهم مكانة شخصياتهم الفريدة، إذ تساهم في تطوير القصة بشكل ملحوظ.

وتحمل الحوارات العديد من العناصر الدرامية والفكاهية والعاطفية، مثل مشهد بحث "الجنين" عن أمه الحقيقية، ومشهد شخصية "الشطابة" الرجل الأحمق الذي لعب دوره الممثل محمد حميمصة ببراعة، مما يجعل الحوارات المتداخلة مثيرة ومسلية في الوقت نفسه.

ويقدم الممثلون تفاعلا قويا في أداء الشخصيات، مما أضفى مصداقية على العلاقات الشخصية داخل القصة، فعلى سبيل المثال، تميز أداء يسار أمغار "الجنين" بالاندماج مع شخصيته وتفاعله الطبيعي مع الشخصيات الأخرى في المسلسل، مما أضفى عمقا وحيوية على السلسلة، فأول مرة نرى هذا الممثل الكوميدي في دور درامي بطولي صعب، ورغم ذلك فقد نجح في نيليه استحسان الجمهور المتابع بأدائه المؤثر.

كما ينجح الممثلون في تقديم مجموعة متنوعة من التعابير العاطفية الاخادة، إذ تميز أداء سعاد حسن "الحاجة تاجة" ومحمد كافي "الحاج الذهبي" بتقديم تعابير معقدة ومتنوعة تجمع حنان الأم "الحاجة تاجة" المسؤولة عن بيتها وابنها "خالد" الطائش المنحرف الذي أدى دوره الممثل أبو النصر، وزوجته "عواطف" الذي أدت دوره الممثلة فاطمة الزهراء قنبوع، الزوجة المهملة الفاشلة في زواجها بإتقان، من جهة، وولاء "الحاج الذهبي" ل "جنين" باعتباره الأب المربي الذي تبناه منذ أن وجده أمام باب سوق الخردة، من جهة أخرى، مما أثرى  ترابط العلاقات الشخصية في القصة.

ويتميز أداء عبداللطيف الخمولي "المختار" وسعيدة باعدي "مليكة" بطرافة ورمانسية فعالة، مما أضفى إحساسا بالود واللطافة على مسار إيقاع الأحداث، أما أداء الممثل ادريس الروخ في دور "الكاش" فهو متقن ومنسجم ومتمكن من تقمصه دور الماكر المخادع الذي يبيع خردة مسروقة، وأدائه الزوج المحب العطوف مع زوجته المريضة الذي لعبت دورها الممثلة هاجر مصدوفي بكل جيد، إضافة إلى أداء رفيق بوبكر الذي يبرع في تقمص الشخصيات المتمردة بطبعه، إذ يظهر هؤلاء الممثلون في الحلقات الأولى قدرة على الاستماع والتفاعل مع بعضهم البعض، مما أضفى طابعا حقيقيا على الحوارات والمواقف، وهذا يسهم في إثراء القصة وجعلها تبدو أكثر واقعية ومثيرة للاهتمام على مستوى الابعاد النفسية والاجتماعية.

ويتألق مسلسل "الجنين" بمهارة إخراجية متقنة في تقديم قصة مشوقة تندرج في إطار درامي يجمع بين الإثارة والواقعية، إذ يبدأ ببداية مثيرة تشد انتباه المشاهد، مع تباين وتنوع في الأحداث التي تثير الفضول وتحفز الاهتمام، إذ يتقن المخرج ادريس الروخ ترتيب الأحداث مما يسهم في بناء جو درامي متوازن، حيث أن العمل يبرز استخداما متقنا للتصوير بما في ذلك استعمال الزوايا العليا والسفلى معا، واللقطة التأسيسية وتكوين اللقطات الذي يتأطر بين المتوسطة والبعيدة والقريبة والمقربة جدا، مما يعزز جاذبية المسلسل ويجعله تجربة ممتعة ومثيرة للمشاهدين، ويعتبر مسلسل "الجنين" عملا دراميا متميزا يجمع بين التشويق والواقعية، ويستحق بلا شك المشاهدة والاستمتاع به.