الدعم السريع تنفي مسؤوليتها عن التصعيد في الفاشر

استقالات جماعية من حركة جيش تحرير السودان رفضا لخروج مناوي عن الحياد الذي يخالف مبادئ الحركة ويمثل اختطافا لقرارها.

الخرطوم – أطاحت الهجمات التي وقعت حول مدينة الفاشر السودانية بالهدنة التي كانت تحميها من حرب مستعرة منذ عام، الأمر الذي أدى إلى تحذيرات من موجة جديدة من العنف الطائفي ومخاطر إنسانية على 1.6 مليون من السكان المتكدسين في عاصمة ولاية شمال دارفور، فيما أكدت قوات الدعم السريع أنها ليست من خرقت الهدنة وحرصت على إبقاء الاشتباكات بعيدة عن المدنيين في المدينة، لكن الجيش والفصائل المتحالفة معه قاموا بمهاجمتها على مشارفها.

والفاشر هي آخر مدينة رئيسية في إقليم دارفور الشاسع في غرب البلاد التي لا تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع شبه العسكرية. ويقول سكان ووكالات إغاثة ومحللون إن القتال من أجل السيطرة على الفاشر، وهي مركز تاريخي للسلطة، قد يطول أمده ويؤجج التوترات العرقية التي ظهرت في الصراع الذي دارت رحاه في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في المنطقة ويمتد عبر حدود السودان مع تشاد.

ويضم سكان الفاشر ما يقدر بنحو نصف مليون شخص نزحوا خلال هذا الصراع السابق، عندما قام الجيش بمساعدة الميليشيات العربية التي أصبحت فيما بعد قوات الدعم السريع، بإخماد تمرد الجماعات المتمردة غير العربية.

ونزح نحو نصف مليون شخص إضافي إلى المدينة خلال الحرب التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم في أبريل/ نيسان 2023، مع وصول التوترات المستمرة منذ فترة طويلة بشأن دمج القوتين إلى ذروتها.

ومع امتداد الحرب إلى أجزاء أخرى من البلاد، توسط القادة المحليون لإبرام اتفاق هدنة في الفاشر، حيث اقتصر وجود قوات الدعم السريع على المناطق الشرقية من المدينة بينما ظلت الجماعات المتمردة السابقة على الحياد. لكن هذا الترتيب انهار بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على بلدة مليط هذا الشهر، مما أدى إلى حصار الفاشر فعليا بعد أن عزز الجيش الإمدادات والقوات، بما في ذلك من خلال إنزال جوي لقاعدته في المدينة، على عكس ما حدث في عواصم الولايات الأخرى حيث فر الجنود بسرعة.

وقالت جماعتان متمردتان سابقتان بارزتان، هما جيش تحرير السودان بزعامة مني مناوي، وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم، إنهما ستتصديان أيضا لقوات الدعم السريع.

وأعلنت حركة جيش تحرير السودان مكتب شرق دارفور في مؤتمر صحافي الأحد تقديم استقالات جماعية من الحركة، معلنين الحياد ومؤكدين وقوفهم مع خيار التحول المدني الديمقراطي. وأكد محمد حسين أمين الشؤون القانونية والدستورية بالحركة في ولاية شرق دارفور، الحياد وعدم دعم أي طرف من طرفي القتال.

كما شدد في الوقت نفسه على التزامهم بمبادئ الحركة الداعية للتحول المدني الديمقراطي، مطالبا الإدارات الأهلية والشباب بالعمل علي رفع الوعي لتحييد المجتمع حتي لا يتحول الصراع إلى حرب أهلية.

وقال حسين إن خروج مناوي عن الحياد يمثل قرارا فرديا اتخذه رئيس الحركة مع مجموعة قليلة تقيم في بورتسودان بشرق البلاد، مضيفاً أن هذا القرار يخالف مبادئ الحركة ويمثل اختطافا لقرارها، ومؤكداً على دعم المبادرات الداعية لوقف الحرب.

وأعلن مناوي في 24 مارس/ آذار الماضي، التحرك صوب ولاية الخرطوم للمشاركة في القتال إلى جانب الجيش الذي يخوض معارك ضد قوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل نيسان 2023. ونشر مناوي عبر حسابه على فيسبوك مقاطع مصورة لرتل من المركبات العسكرية بمدينة عطبرة في ولاية نهر النيل بشمال البلاد، متوجهة نحو العاصمة.

ويشعر العديد من غير العرب في الفاشر بالخوف. وقال محمد قاسم (39 عاما) وهو أحد السكان لرويترز عبر الهاتف “ما عارفين نعمل شنو. الفاشر خطرة والخروج من الفاشر أخطر”.

وافاد إسماعيل خريف، الناشط في مخيم أبو شوك للنازحين في المدينة، إن حتى قبل انهيار الهدنة، أدت المناوشات المتفرقة إلى مقتل أكثر من 220 شخصا في الفاشر العام الماضي. وأضاف أن الاشتباكات التي وقعت في 16 أبريل/ نيسان خلفت 18 قتيلا على الأقل. ويقول هو وسكان آخرون إن إطلاق النار والقذائف، بما في ذلك من طائرات الجيش الحربية أصاب المنازل.

ومنذ بداية الشهر، تم تدمير ما لا يقل عن 11 قرية في ضواحي الفاشر، وفقا لصور الأقمار الصناعية التي حصل عليها مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة يال. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما لا يقل عن 36 ألف شخص نزحوا.

ونفت قوات الدعم السريع مهاجمة الفاشر، وقالت إنها حرصت على إبقاء الاشتباكات بعيدة عن المدنيين في المدينة، واتهمت الجيش والفصائل المتحالفة معه بمهاجمتها على مشارفها. ونفت قوات الدعم السريع في السابق مسؤوليتها عن العنف العرقي في دارفور. كما أعلنت في بيان التزامها بتسهيل وصول المساعدات للمدنيين.

وقال عوض الله حامد مدير منظمة براكتكال أكشن في دارفور، متحدثا لرويترز من المدينة التي لا يوجد بها سوى عدد قليل من العاملين في المجال الإنساني الدولي، إن الفاشر نفسها لم تعد بها مياه جارية أو خطوط كهرباء عاملة منذ عام. وأضاف أن مستشفى عام واحد فقط يعمل، بينما يكتظ النازحون بالمدارس والمباني العامة.

وقال جيروم توبيانا، الخبير في شؤون دارفور ومستشار منظمة أطباء بلا حدود الخيرية، إن القتال الشامل “يهدد بالفعل بتعقيد وصول المساعدات الإنسانية، في وقت تظهر فيه البيانات المتاحة أن الفاشر تعاني من أزمة غذائية خطيرة للغاية”.

منذ بدء الحرب، لم تدخل سوى كميات صغيرة من المساعدات إلى الفاشر، وهي القناة الوحيدة التي وافق عليها الجيش للشحنات إلى أنحاء أخرى من دارفور. ويقول السكان إنه على الرغم من أن الأسواق تعمل، إلا أن سيطرة قوات الدعم السريع على الطريق الرئيسي تسببت في ارتفاع أسعار الوقود والمياه والسلع الأخرى.

كما أثارت التوترات وأعمال العنف الأخيرة حول الفاشر مخاوف بشأن اتساع رقعة الصراع. وتنحدر الجماعات المتمردة السابقة التي تقاتل إلى جانب الجيش من قبيلة الزغاوة التي تمتد عبر الحدود إلى تشاد، ويعتبر الزعيم التشادي محمد إدريس ديبي أحد أعضائها.

ويقول محللون إن مصادمات تنشب منذ أمد طويل بين القبائل العربية وغير العربية مثل الزغاوة حول الأراضي والموارد القيمة في دارفور.

ومما يزيد الأمور تعقيدا دخول القوات التابعة لموسى هلال، وهو قائد عربي بارز من أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ومنافس لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، على الرغم من انتمائه إلى نفس القبيلة. وأكد متحدث باسم مجلس الصحوة الثوري تسجيلا مصورا لهلال وهو يخاطب القوات في شمال دارفور يوم الاثنين، لكنه قال إنه من السابق لأوانه القول ما إذا كانت القوات ستنضم إلى القتال في الفاشر أو في أي مكان آخر.

وقال يوناس هورنر، وهو محلل سوداني مستقل “حتى لو كان هناك وقف لإطلاق النار بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، فإن الأمر أكبر من ذلك. ثمة حسابات يجري تسويتها وتوترات تتجدد”