الساحة الشعرية التونسية تفقد أحد أبرز شعرائها

رحل الشاعر التونسي محمد عمار شعابنية تاركا إرثا شعريا ترجم بعضه لعدة لغات.

فقدت الساحة الشعرية التونسية واحدا من أبرز شعرائها وهو الشاعر والكاتب المسرحي والمدير الأسبق لدار الثقافة وأحد مؤسسي مهرجانها الوطني للشعر بالمتلوي وهو محمد عمار شعابنية حيث كانت له صولات وجولات في الملتقيات الأدبية والتظاهرات الشعرية التونسية والعربية والدولية التي يحضر فيها شاعرا وعلى هامشها يترك رسومات طريفة عن الأحداث والشعراء في ضرب من الفكاهة والدعابة وتخفيف ضغط الجلسات الرسمية والندوات الصارمة وهو ما كون له صداقات، فضلا عن روح الدعابة والطرافة التي ميزت أسلوبه وعلاقاته حيث كان يتمنى وضمن إصداراته ومشاريعه في الكتابة إنجاز كتاب مشترك مع الشاعر المولدي فروج حول طرائف الشعراء التونسيين، وقد أدار مهرجان الشعر بالمتلوي لسنوات صحبة رفيق دربه الشاعر سالم الشعباني ولعل جل الشعراء التونسيين والعرب قد عرفوا مدينة المناجم والفسفاط المتلوي وتعرفوا إلى أهلها وخصائصها عبر هذا المهرجان الذي شهد في دوراته الأخيرة صعوبات جراء قلة الدعم...

الحديث إلى الشاعر الراحل عمار شعابنية مريح ولا ملل فيه وذلك لخفة روحه وطرافته في الكلام والتعاطي مع المسائل ومنها الشعر والشعراء..

ومن قصائده التي يقدمها في أماسي الأشعار نذكر:

"لي خيارانِ:
أن ْأترك الرّيحَ تدخلْ،
إذا اغبّرتْ الرّوح، من ثقْب بابي
وترْسمْ على جسَدي لوْنَها وتعفّرْ ثيابي
أو إذا ساقَها عاصفٌ
أنّ أحمّلها وزْر ما خلّفتْ
في المدينة مِنْ وَسَخٍ
وشوارعَ مفروشة بالترابِ....
الخياران لا خير لي فيهما
وأنا حين يصدمني واقعٌ
لا يغازلني الحُلْمُ
فالحُلْم يهجرني اليوم
في يقظة أو منامْ
غير أني سأفتح نافذتي ذات صبح  

على الضوْءِ
حتى إذا همّتِ الشمس بي
احتفي بالشّعاع الذي يتسرّب لي
من نضارتها
وأخاطبها عاشقا:
يا سلامْ
".

رحم الله شاعرنا الذي أحب الجميع ومضى في دروب الشعر تاركا أصداء صوته وضحكته العارمة التي ألفها الجميع.

محمد عمار شعابنية هو شاعر أصيل مدينة المتلوي عاصمة مناجم الفسفاط بتونس ولد في 28 يوليو/تموز 1950 وزاول التعليم الابتدائي والثانوي المهني بمسقط رأسه والثانوي بقفصة وانتدبته وزارة الثقافة مديرًا لدار الثقافة بالمتلوي.. عضو اتحاد الكتاب التونسيين، ومؤسس فرع اتحاد الكتاب بقفصة وله مشاركات ثقافية وشعرية في الكثير من الملتقيات والمهرجانات داخل الوطن وخارجه.

تلقى تكوينا وتربصا في اختصاص التنشيط الثقافي بفرنسا وألمانيا سنتي 1978 و1979 موفدا من طرف وزارة الثقافة التونسية. له في الشعر المجموعات التالية المنشورة: "ألغام في مدينة بريئة" 1976، "طعم العرق" 1985، "غبار الوقت" 1994، "ثلاثون سماء تحت أرض الخوارزمي" 2009، "ورقات من ديوان الثورة" 2011 بالاشتراك مع الشاعر حسن بن عبدالله... طبعة أولى مارس/آذار 2011 وطبعة ثانية يونيو/حزيران 2011.

وله في المسرح الشعري: "نحن اكتشفنا الوطن" 1985 للأطفال، "أحبك يا شعب" 2002 للكبار، عن شهيد الكفاح الوطني والنقابي الزعيم فرحات حشاد، مسرحيتان شعريتان 2005 للأطفال.

وله في البحوث التاريخية: "قصة الفسفاط في تونس" 1998، وله في السرد الروائي والقصصي: "لا بدّ منك يا سطيف" ـ رواية رحلة ـ 2013، "حكايات رمضانية" من وحي مشاهداته ومتابعاته لأحداث تمت خلال شهر رمضان 1434 الموافق لشهري يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013 - نشر في 2014.

تحصل على العديد من الجوائز أهمها: الجائزة الأولى لشعر الشباب في المهرجان الثالث للشباب العربي بالعراق يوليو/تموز 1977، جائزة الدولة للتشجيع على الإنتاج الأدبي عن المجموعة الشعرية "الغام في مدينة بريئة" يناير/كانون الثاني 1978، جائزة أفضل عمل مسرحي للأطفال من وزارة الشباب والطفولة بتونس في نوفمبر/تشرين الثاني 1979، جائزة مفدي زكريا المغاربية للشعر من الجمعية الثقافية الجاحظية بالجزائر في ديسمبر/كانون الأول 1992، جائزة ابن رشيق لأفضل مخطوط مجموعة شعرية عن "غبار الوقت" من طرف اتحاد الكتاب التونسيين سنة 1993، جائزة نشيد الجيش التونسي من وزارة الدفاع الوطني في يونيو/حزيران 2000، جائرة أبوالقاسم الشابي للبنك التونسي في دورة 2011 حول أفضل قصيدة شعرية نشرت سنة 2011 حول الثورة التونسية تحت عنوان "هكذا يحملنا ضوء"، جائزة أفضل قصيدة شعرية عن الثورة التونسية من مؤسسة الإذاعة الوطنية التونسية سنة 2013 تحت عنوان "شقيّا مرّ ذ\ب الوقت".

تم تكريمه عديد المرات في تونس وفي الجزائر وليبيا، كما له عدة عروض مسرحية، حيث قدّم له مسرح الجنوب بقفصة مسرحية "فئران الداموس" في 120 عرضا سنتَيْ 1976/1977. وقدم له مسرح المناجم بالمتلوي "العطش" سنة 1889، ومسرح الكوفة الصغرى بنفطة "البترول" سنة 1990، والهلال المسرحي بالرديف "حوت بالدلاع" 1995، ومركز الفنون الركحية والدرامية بقفصة "أحبك يا شعب" 2003، ونادي مسرح بالموردين بسوسة مسرحية "النادي" في مايو/أيار 2015.

أسس مهرجان المناجم الثقافي الصيفي بالمتلوي سنة 1981 والمهرجان الوطني للشعر 1993 وتولى الإشراف عنه منذ التأسيس قبل أن يتخلى عن ذلك باختياره عند إحالته على التقاعد، كما أسس المهرجان الوطني للشعر بالمتلوي سنة 1993 وأداره إلى غاية إحالته على التقاعد ليتخلى عن تسييره بمحض إرادته، إلى جانب مشاركته في الكثير من الملتقيات الأدبية والثقافية بتونس وفرنسا وألمانيا والجزائر وليبيا ومصر والعراق.

ترجمت بعض قصائده إلى الروسية والفرنسية واليوغوسلافية والرومانية، وأعدّت حول أشعاره رسالتا تخرج للحصول على شهادة الأستاذية بكلية الآداب بسوسة والمعهد العالي للتنشيط الشبابي والثقافي ببئر الباي للطالبين إيهاب بالحاج نصر ومبروكة الهانية، ورسالة تخرج تحصلت بواسطتها الطالبة مروى بن علي على شهادة التبريز من المدرسة العليا لتكوين المعلمين بتونس بعنوان "الشعر المنجَمي" خلال شهر مايو/أيار 2012 بإشراف الدكتور محمد صالح بن عمر.

وكُتبت عن شعره دراسات نقدية من طرف الدكتور محمد صالح بن عمر والدكتور عثمان بن طالب والأستاذ عمر حفيظ والأستاذة كوثر خليل والأستاذ الشاعر سوف عبيد والأستاذ الشاعر أحميدة الصولي والروائي الناقد عباس سليمان والروائي يوسف عبدالعاطي والصحفي محمد بن رجب من تونس والدكتورة شادية سقروش من الجزائر والأستاذ علي بن الفتاح والشاعر أحمد فضل شبلول من مصر والأستاذ الناقد طراد الكبيسي والروائي عبدالرحمان مجيد الربيعي من العراق وآخرين.

وأُجريَت معه عشرات الحوارات والمقابلات بالمحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية بتونس والجزائر وليبيا، وتمّت محاوراته حول تجربته الشعرية والإبداعية في الصحافة المكتوبة بصحف ومجلات تونسية وإماراتية وكويتية وعراقية وسعودية ولبنانية ومصرية وليبية وجزائرية ومغربية نشرت حول شعره.