الصين تفتح منافذ للأسد وعينها على تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط

الدبلوماسية الصينية تبحث عن فتح منافذ أوسع لانتزاع حصة من عقود الإعمار في البلد المنكوبة من الحرب، وتشير الحفاوة بالأسد إلى مصالح كبرى تنوي بكين تحقيقها من خلال التعاون مع دمشق.

 

بكين – ترى الصين في الزيارة التي بدأها الرئيس السوري بشار الأسد الخميس إلى الصين فرصة لدفع العلاقات بين دمشق وبكين إلى "مستوى جديد"، ما يعني أنها لا تخرج عن إطار أهداف بكين في المنطقة التي ترتكز على توسيع انخراطها عبر الانتقال من التبادل الاقتصادي إلى حل النزاعات بشكل تفاوضي ومد نفوذها من خلال هذا المساعي.

وتشهد الدبلوماسية الصينية تحولا أكبر نحو الشرق الأوسط إذ تبحث عن فتح منافذ أوسع  لانتزاع حصة من عقود الإعمار في البلد المنكوبة من الحرب، وتشير الحفاوة التي استقلت بها الصين الرئيس الأسد إلى مصالح كبرى تنوي بكين تحقيقها من خلال التعاون مع دمشق.

وذكرت صحيفة الوطن السورية المقربة من الحكومة أن الرئيس الصيني أرسل طائرة رئاسية خاصة لتقل الرئيس الأسد والسيدة عقليته والوفد المرافق، الأمر الذي يكشف مدى الاهتمام الذي توليه بكين لهذه الزيارة وللقاء القمة الذي سيجمع الرئيسين في هذه المدينة الواقعة أقصى شرق الصين في مقاطعة شيشانغ".

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ "نرى بأن زيارة الرئيس بشار الأسد ستعمّق الثقة السياسية المتبادلة والتعاون في مجالات مختلفة بين البلدين، بما يدفع العلاقات الثنائية إلى مستوى جديد".

وعرض تلفزيون "سي.سي.تي.في" الرسمي بثا مباشرا لوصوله إلى هانغجو حيث سيشارك في افتتاح دورة الألعاب الآسيوية السبت مع نظيره الصيني شي جينبيغ.

طريقة العمل التي تتّبعها الصين للتوصل إلى حلول تفاوضية تشكل عامل جذب لدول المنطقة التي امتعضت من فشل التدخل الأميركي في سورية ودول أخرى.

وبعد المباحثات مع الرئيس شي في خانجو، ينتقل الأسد والوفد المرافق له إلى العاصمة بكين، للقاء كبار المسؤولين والبحث في آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين، حيث من المرجح أن يتم التوقيع على عدد من الاتفاقيات الثنائية.

وتشكّل طريقة العمل التي تتّبعها الصين من أجل بلوغ حلول تفاوضية للنزاعات عامل جذبٍ لدول المنطقة التي وجّهت في مناسبات عدة منذ العام 2011 انتقادات للإدارات الأميركية المتعاقبة بسبب انسحابها الاستراتيجي من الشرق الأوسط، وامتعضت من فشل التدخل الأميركي في سورية ودول أخرى.

وتندرج هذه الزيارة في إطار عودة الأسد تدريجيا منذ أكثر من سنة إلى الساحة الدولية بعد عزلة فرضها عليه الغرب خصوصا بسبب قمعه الحركة الاحتجاجية في بلاده التي تطورت الى نزاع مدمر.
والصين ثالث دولة غير عربية يزورها الأسد خلال سنوات النزاع المستمر في بلاده منذ العام 2011، بعد روسيا وإيران، أبرز حلفاء دمشق، واللتين تقدمان لها دعماً اقتصادياً وعسكرياً غيّر ميزان الحرب لصالحها.

وترافق الأسد زوجته أسماء ووفد سياسي واقتصادي وتشمل الزيارة لقاءات وفعاليات في مدينتي هانغجو وبكين.

ودعمت الصين دمشق في المحافل الدولية ومجلس الأمن الدولي، فامتنعت مراراً عن التصويت لقرارات تدينها خلال النزاع، واستخدمت الفيتو الى جانب روسيا لوقف هذه القرارات.

ويقول المحلّل السياسي السوري أسامة دنورة من دمشق "هذه الزيارة تمثّل كسرا لنطاق مهم من العزل الدبلوماسي والحصار السياسي المفروض على سوريا، كون الصين دولة عظمى وذات ثقل على المستوى الاقتصادي والاستراتيجي الدولي".

وأضاف لوكالة فرانس برس "الصين تكسر التابوهات الغربية التي تحاول منع عدد من الدول من التعاطي مع ما تعتبره واشنطن دولا معزولة".

وتفرض دول غربية عقوبات اقتصادية لطالما اعتبرتها دمشق سبباً أساسياً للتدهور المستمر في اقتصادها.

وبالنسبة لدمشق، وفق دنورة، تُعدّ الصين "شريكاً موثوقاً" وخصوصاً في المجال الاقتصادي وإعادة الإعمار.

وعن استثمارات صينية محتملة، يقول "الصين لديها القدرة على إنجاز البنى التحتية في الإعمار في المناطق السكنية والمدنية بسرعة استثنائية".

وبعد 12 سنة من نزاع مدمّر أودى بحياة أكثر من نصف مليون شخص وخلّف ملايين النازحين واللاجئين ودمّر البنى التحتية للبلاد، تسعى سوريا اليوم إلى الحصول على دعم الدول الحليفة لمرحلة إعادة الإعمار.

وكان الرئيس السوري أعرب في تصريحات سابقة عن أمله في أن تستثمر مؤسسات صينية في سوريا.

وترى الباحثة لينا الخطيب، مديرة معهد الشرق الأوسط في مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية التابعة لجامعة لندن، أن الأسد يحاول من خلال زيارته إلى الصين إيصال رسالة حول بدء "الشرعنة الدولية" لنظامه والدعم الصيني المرتقب في مرحلة إعادة الإعمار.

وتأتي زيارة الأسد في وقت تلعب بكين دوراً متنامياً في الشرق الأوسط، وتحاول الترويج لخطتها "طرق الحرير الجديدة" المعروفة رسميا بـ"مبادرة الحزام والطريق"، وهي مشروع ضخم من الاستثمارات والقروض يقضي بإقامة بنى تحتية تربط الصين بأسواقها التقليدية في آسيا وأوروبا وإفريقيا.

وانضمت سوريا في كانون الثاني/يناير 2022 إلى مبادرة "الحزام والطريق". واعتبر الرئيس الأسد في تصريحات سابقة له أن المبادرة شكلت تحولاً استراتيجياً على مستوى العلاقات الدولية في العالم، حيث تعتمد على الشراكة والمصالح المشتركة عوضاً عن محاولات الهيمنة التي يتبعها الغرب، لافتاً إلى أن الصين كدولة عظمى تحاول أن تعزز نفوذها في العالم بالاعتماد على الأصدقاء والمصالح المشتركة التي تؤدي إلى تحسن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية لدى كل الدول الموجودة في هذه المبادرة وتعزيز الاستقرار والازدهار في العالم.

وتأتي زيارة الأسد إلى الصين في وقت تتحضر فيه بكين لاستضافة مؤتمر الحزام والطريق الذي سينطلق الشهر القادم وبحضور ممثلين من أكثر من 110 دول حيث تولي الصين أهمية كبيرة لاستكمال مشروعها في تعزيز تنمية العلاقات التجارية بين هذه الدول.

وقد استضافت الصين خلال الأشهر الماضية قادة دول ومسؤولين يواجهون عزلة دولية بينهم البيلاروسي ألكسندر لوكاشنكو وممثلون عن حركة طالبان في أفغانستان. كما استقبلت الرئيس الفنزويلي الذي تواجه بلاده الغنية بالنفط أزمة اقتصادية خانقة.

وأعلن الكرملين الأربعاء أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيزور الصين أيضاً في تشرين الأول/أكتوبر، في وقت تواجه موسكو غضباً غربياً جراء حربها في أوكرانيا.

وشهد العام الحالي تغييرات على الساحة الدبلوماسية السورية تمثلت باستئناف دمشق علاقتها مع دول عربية عدة على رأسها السعودية، واستعادة مقعدها في جامعة الدول العربية ثم مشاركة الرئيس السوري في القمة العربية في جدّة في أيار/مايو للمرة الأولى منذ أكثر من 12 عاما.

وتسارعت التحوّلات الدبلوماسية على الساحة العربية بعد اتفاق مفاجئ بوساطة صينية أُعلن عنه في آذار/مارس وأسفر عن استئناف العلاقات التي كانت مقطوعة بين السعودية وإيران.