الضربات الإيرانية تدفع العراق إلى إعادة النظر بمغادرة قوات التحالف

السوداني يؤكد أن بلاده لا تمانع في التعاون مع دول التحالف الدولي بمجال التسليح والتدريب والتجهيز.

دافوس (سويسرا)– عرض مستشار الأمن القومي الأميركي جايك ساليفان على رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الثلاثاء تعزيز التعاون الأمني بين البلدين بعد ضربة شنّتها إيران في إقليم كردستان العراق، والتي من شأنها أّن تدفع بغداد لإعادة حساباتها بشأن المطالبة بخروج قوات التحالف من البلاد والتي حركتها القوى الموالية لإيران.

والتقى ساليفان السوداني ورئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في سويسرا. وجاء في بيان للبيت الأبيض أن ساليفان أجرى مع السوداني محادثات بشأن "هجمات إيران الصاروخية البالستية المتهوّرة". وأوضح أن ساليفان والسوداني "بحثا في أهمية وضع حد لهجمات" تُشن ضد أميركيين في العراق وسوريا، وأكّدا "التزامها توطيد التعاون الأمني في إطار شراكة دفاعية مستدامة وطويلة الأمد".
وبالنسبة للأميركيين فإن تداعيات الضربات الإيرانية تعتبر المدخل الذي يمكن لهم من خلاله طرح بقاء قوات التحالف الدولي في البلاد.

وفي الحقيقة فإن مهمة التحالف الدولي لا تبتعد كثيرا عما يعرضه ساليفان إذ أنه بحلول نهاية عام 2021، انتهت رسميا العمليات القتالية الأميركية في العراق، وأصبحت مهمة قواتها هناك تقديم المشورة والعون للقوات العراقية لزيادة قدرتها على أن تعمل بشكل مستقل ضمن جهودها الرامية إلى التركيز على تحقيق الاستقرار للمناطق التي كانت خاضعة لسيطرة التنظيم وإعادة إعمارها، وفي الوقت ذاته مواصلة مداهمتها للمواقع الصغيرة التي لا يزال يتحصن بها التنظيم في غرب البلاد وفي مناطق واقعة عبر الحدود مع إقليم كردستان.

وشهد اللقاء الأميركي العراقي التأكيد على بدء أعمال اللجنة الثنائية الخاصة بمراجعة تواجد التحالف الدولي في العراق، التي جرى الإتفاق بشأنها خلال زيارة وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي إلى الولايات المتحدة الأميركية في شهر آب/أغسطس من العام الماضي، والبحث في صياغة جدول زمني لإنهاء مهمة التحالف والانتقال إلى علاقات ثنائية شاملة مع دول التحالف.

بلدان الخليج ترى القوات الأميركية في العراق أساسا للوحدات العسكرية الأميركية التي تستضيفها على أراضيها، وعاملا حيويا في دفاعها عن نفسها ضد إيران.

كما التقى السوداني بالأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرج، وصرح بأن العراق لا يمانع في التعاون مع دول التحالف الدولي بمجال التسليح والتدريب والتجهيز، في إطار العلاقات الثنائية التي تجمع العراق وبلدان هذا التحالف. وثمّن "جهود دول الحلف ودعمها للعراق، من خلال العمليات العسكرية في الحرب ضدّ عصابات داعش الإرهابية وتقديم المشورة وتدريب القوات الأمنية العراقية".

وأشاد ستولتنبرج بجهود الحكومة وإجراءاتها في دعم أداء القوات الأمنية بملاحقة فلول الإرهاب، وتعزيز الأمن والاستقرار، مشيرا إلى أن دول الناتو تتطلع نحو المزيد من التعاون المشترك مع العراق في مجالات أمنية عدة.

وحسب بيان للحكومة العراقية، جرى خلال اللقاء بحث آفاق التعاون بين العراق وحلف الناتو وسبل تعزيز الشراكة في المجال الأمني وتبادل المعلومات، وتتبع شبكات الإرهاب وكشف مصادر تمويلها. وتم بحث ملفّ إنهاء تواجد قوات التحالف الدولي في العراق، الذي أدرجته الحكومة في منهاجها الوزاري، بعد التطور الذي حققته القوات العراقية على مستوى الإعداد والجهوزية الكاملة، وأهمية الاتفاق على خطوات تنفيذية لترتيب إنهاء مهمته عبر إجراء حوارات ثنائية، بما يضمن انتقالاً سلساً لمهامه".
واحتفظت واشنطن بحوالي 2500 جندي في العراق، حتى بعد إنهاء مساعي تنظيم الدولة لإقامة خلافة إسلامية في عام 2019، ورغم زيادة المطالب بخروجهم من العراق خصوصا بعد الهجمات المتبادلة مع الفصائل المسلحة الموالية لإيران مع استمرار الحرب على غزة، إلى أن مغادرتهم مسألة تثير الشكوك حتى مع تصريحات السوداني الذي يحاول إمساك العصا من المنتصف.

ومن بين أبرز المصالح الأميركية في الإبقاء على قواتها في العراق، وفقا لمقال بقلم ديفيد بولوك زميل برنامج برنشتاين بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الإبقاء على علاقات ودية مع العراق والتصدي للنفوذ الإيراني، ومنع إيران من "استغلال النفط العراقي".
وأضاف بولوك أن انسحاب القوات الأميركية "يخلق تهديدات إضافية لأمن إسرائيل، وأن " بلدان مجلس التعاون الخليجي كافة ترى القوات الأميركية في العراق أساسا للوحدات العسكرية الأميركية التي تستضيفها على أراضيها، وعاملا حيويا في دفاعها عن نفسها ضد إيران".

ويرى البروفيسور ستيف سايمون أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة واشنطن والمدير السابق لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجلس الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس أوباما أن هناك عددا كبيرا من القطاعات العراقية التي تستفيد من الوجود العسكري الأميركي.

وتابع سايمون في تصريحات لـ"بي.بي.سي" أن "هناك فائدة مادية إذ تحصل الولايات المتحدة على خامات من العراق، وهناك فائدة استراتيجية لأن الوجود الأميركي يحول دون عودة تنظيم الدولة من جديد ويحقق توازنا مع إيران. والعديد من العراقيين لا يرغبون في الخضوع للهيمنة الأميركية، لكنهم في الوقت ذاته لا يرغبون في الخضوع للهيمنة الإيرانية. والجيش العراقي يحصل على تدريب عالي الجودة وكذلك على معدات من الجانب الأميركي، ولذلك يفضل بقاء الولايات المتحدة. كما أن الأكراد العراقيين يرون أن الوجود الأميركي يحميهم من تركيا وإيران وبغداد، وهم كذلك يستفيدون من الناحية المالية من الوجود الأميركي".

وكانت إيران أعلنت أنها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد الصهيوني" (الاستخبارات الإسرائيلية) في كردستان العراق وتجمعات لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. وندّد العراق بالضربة الإيرانية ونفى صحّة ما أعلنته طهران بشأن استهداف مقر للاستخبارات الإسرائيلية.

وفي الثالث من كانون الثاني/يناير، وقع تفجيران انتحاريان في مدينة كرمان بجنوب إيران قرب مرقد القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني، وذلك خلال مراسم إحياء الذكرى السنوية الرابعة لمقتله بغارة أميركية في العراق. والتفجيران اللذان تبنّاهما تنظيم الدولة الإسلامية، أوقعا نحو 90 قتيلاً وعشرات الجرحى.

وأعلنت وزارة الخارجية العراقية، الثلاثاء، تقديم شكوى ضد إيران إلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، على خلفية هجماتها الصاروخية التي استهدفت مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، شمال البلاد.

وقالت الوزارة إن "العراق تقدم بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، تتعلق بالعدوان الصاروخي الإيراني الذي استهدف مدينة أربيل وأدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين الأبرياء وإصابة آخرين وتسبب بأضرار في الممتلكات العامة والخاصة"، بحسب وكالة الأنباء العراقية.

وأضافت أنها "رفعت شكوى بموجب رسالتين متطابقتين إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الدولي عبر الممثلية الدائمة لجمهورية العراق في نيويورك". وأشارت أنها أكدت في الرسالتين أن "هذا العدوان يعد انتهاكا صارخا لسيادة العراق وسلامته الإقليمية وأمن الشعب العراقي".

وقال السوداني، الثلاثاء إن القصف الإيراني في مدينة أربيل الاثنين يمثل "عملا عدوانيا” و”تطورا خطيرا يقوض العلاق القوية” بين بغداد وطهران.