العاهل المغربي يوجه بترسيخ وتعزيز دولة الحق والمؤسسات

الملك محمد السادس يدعو لإقرار مدونة أخلاقيات للمؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم وتحقق الانسجام بين ممارسة الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية.
العاهل المغربي يرسم الخطوط العريضة لنواب البرلمان للارتقاء بالديمقراطية التمثيلية
الملك محمد السادس يرسي دعائم تحصن المكاسب الديمقراطية
العاهل المغربي يعبر عن ارتياحه لمساهمة المؤسسة التشريعية في الدفاع عن مصالح المملكة

الرباط - عبّر العاهل المغربي الملك محمد السادس عن ارتياحه لمساهمة المؤسسة التشريعية في الدفاع عن المصالح والقضايا العادلة للمملكة بما في ذلك وحدته الترابية، والتعريف بمختلف الإصلاحات والأوراش التي تشهدها المملكة، موضحا في رسالة وجهها إلى المشاركين في الندوة الوطنية بمناسبة الذكرى الستين لإحداث البرلمان المغربي، الخطوط العريضة التي يجب على نواب الشعب السير عليها للارتقاء بالديمقراطية التمثيلية المؤسساتية إلى المستوى الذي يريده لها والذي يشرف المغرب.

وتأسس النموذج البرلماني المغربي وفق رؤية سياسية متبصرة للملك محمد السادس تقوم على التدرج ومراكمة الإصلاحات الدستورية المتواصلة، والحرص على مشاركة القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحية. وقد حقق العمل البرلماني والمؤسسات التمثيلية، نضجا كبيرا على مستوى الاختصاصات وممارستها من خلال الانفتاح على المجتمع المدني وتنظيم وتدبير العمل البرلماني وإبرام شراكات مع برلمانات وطنية أخرى.

وأصبح البرلمان مصدر التشريع وأضيف إلى اختصاصاته، تقييم السياسات العمومية إلى جانب مراقبة العمل الحكومي، وكانت المملكة سباقة في دسترة الديمقراطية التشاركية والمواطنة، وأدوار المجتمع المدني، وحق المواطنات والمواطنين في تقديم ملتمسات في مجال التشريع، وعرائض للسلطات العمومية، مما من شأنه إغناء العمل البرلماني.

الدبلوماسية البرلمانية المغربية في طليعة المدافعين عن القضايا المصيرية للقارة الإفريقية التي تبوأت موقع الصدارة ضمن أولويات السياسة الخارجية المغربية

وبالرغم مما تم تحقيقه في هذا المجال فإن العاهل المغربي وجه بمضاعفة الجهود للارتقاء بالديمقراطية التمثيلية المؤسساتية إلى المستوى الذي يريده لها، إذ أن من أبرز التحديات التي ينبغي رفعها للسمو بالعمل البرلماني، ضرورة تغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين على غيرها من الحسابات الحزبية وتخليق الحياة البرلمانية، من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات للمؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم وتحقيق الانسجام بين ممارسة الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية. داعيا إلى العمل على الرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة وتعزيز ولوج النساء والشباب بشكل أكبر إلى المؤسسة التمثيلية .

وشدد الملك محمد السادس على الدور الحاسم الذي ينبغي أن يضطلع به البرلمان في نشر قيم الديمقراطية وترسيخ دولة القانون وتكريس ثقافة المشاركة والحوار وتعزيز الثقة في المؤسسات المنتخبة، معتبرا أن هذه رهانات ينبغي العمل على كسبها خاصة في سياق ما ينجزه المغرب من أوراش إصلاحية كبرى ومشاريع مهيكلة سيكون لها بالغ الأثر في تحقيق ما نتطلع إليه من مزيد التقدم والرخاء لشعبنا العزيز.

وكانت الدبلوماسية البرلمانية المغربية في طليعة المدافعين عن القضايا المصيرية للقارة الإفريقية، التي تبوأت موقع الصدارة ضمن أولويات السياسة الخارجية المغربية، بما في ذلك تلك المرتبطة بالعدالة المناخية والأمن الغذائي والهجرة والسلم، وحق القارة في التنمية وفي استثمار مواردها وإمكانياتها، لما فيه مصلحة شعوبها، وذلك في التزام تام بعقيدة الدبلوماسية المغربية، التي أرسى دعائمها الملك محمد السادس، والمبنية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام وحدتها الوطنية والترابية والمساهمة في حفظ السلم والاستقرار، وتسوية الأزمات والنزاعات بالطرق السلمية والوقاية منها.

النموذج البرلماني المغربي تأسس وفق رؤية سياسية متبصرة للملك محمد السادس
النموذج البرلماني المغربي تأسس وفق رؤية سياسية متبصرة للملك محمد السادس

وشكلت المقاربة التشاركية دوما منهجا في بلورة الإصلاحات الكبرى التي شهدتها المملكة في عدة محطات فاصلة في تاريخها الحافل بالمنجزات والتطورات الإيجابية. وأوضح العاهل المغربي أنه "إذا كانت هذه المنهجية تعكس الوجه الإيجابي الآخر للديمقراطية المغربية وتفردها، فإن الهدف الأسمى يظل هو ترسيخ دولة الحق والمؤسسات على أساس فصل السلط وربط المسؤولية بالمحاسبة".

واعتبر الملك محمد السادس أن تخليد الذكرى الستين لتأسيس البرلمان المغربي، له ثلاث غايات أساسية وفي مقدمتها تذكير الأجيال الحالية والصاعدة بالمسار الديمقراطي والمؤسساتي الوطني، وبما راكمه من إصلاحات في إطار التوافق الوطني، ثم الوقوف على ما أنجزته المملكة في مجال العمل البرلماني، وعلى مكانة السلطة التشريعية في مسار الإصلاحات المؤسساتية والسياسية والتنموية، التي عرفها المغرب طيلة هذه الفترة من التاريخ المعاصر. بينما يتعلق الهدف الثالث في استشراف مستقبل النموذج السياسي المغربي، في أفق ترسيخ أسس الديمقراطية التمثيلية، وتكريس مبدأ فصل السلط، تعزيزا لتقاليدنا المؤسساتية الضاربة جذورها في عمقنا الحضاري.

وأكد أن "الديمقراطية ليست وصفة جاهزة أو نموذجا قابلا للاستيراد وإنما هي بناء تدريجي متأصل مستوعب للتعددية والتنوع، مضيفا أنه نموذج متفاعل مع السياق الوطني وخصوصيات كل بلد، دون تفريط في المعايير الكونية للديمقراطية التمثيلية والتي من بين أسسها الاقتراع الحر والنزيه والتعددية الحزبية والتناوب على تسيير الشأن العام.

رغم التحولات العديدة في الحياة السياسية، ظلت التعددية الحزبية قائمة واستمر التفرد المغربي سائدا بوجود أحزاب سياسية جادة، تحمل مشاريع مجتمعية متنوعة ومجتمع مدني يقظ وتنظيمات نقابية مستقلة.

ونوه العاهل المغربي أنه منذ استرجاع المغرب لحريته واستقلاله، حرص الملك (الراحل) محمد الخامس بمشاركة القوى الوطنية، على تمكين البلاد من مجلس وطني استشاري، كلبنة لبناء ديمقراطية تمثيلية، وقد تحقق في عهد الملك الراحل الحسن الثاني ما أراده بطل التحرير للأمة، من إقامة دولة المؤسسات.

ودخل أول دستور للمملكة بعد الاستقلال حيز التنفيذ وأرسى معالم دولة حديثة، قوامها انتخاب المواطنين لممثليهم في مختلف المجالس التمثيلية، حيث تم انتخاب أول برلمان من مجلسين في 1963، حيث دشنت المملكة مرحلة جديدة من الحياة السياسية والدستورية، مؤكدة اختياراتها السيادية في التعددية السياسية والحزبية والديمقراطية التمثيلية وحرية التنظيم والانتماء وحرية الرأي والتعبير، وذلك في الوقت الذي كانت تسود فيه أفكار الحزب الوحيد في أقطار متعددة من دول المعمورة.

وأوضح الملك محمد السادس أنه رغم التحولات التي عرفتها تلك المرحلة، فإن التعددية الحزبية ظلت قائمة واستمر التفرد المغربي سائدا بوجود أحزاب سياسية جادة، تحمل مشاريع مجتمعية متنوعة، ومجتمع مدني يقظ وتنظيمات نقابية مستقلة، أفرزت نقاشات حيوية تمخضت عنها مراجعات دستورية متعاقبة في سبعينيات وتسعينيات القرن الماضي أدخلت تغييرات جوهرية ورسخت تعددية التمثيل في المؤسسة البرلمانية.

وكان الربع الأخير من القرن العشرين حاسما في ورش استكمال بناء الصرح الديمقراطي والمؤسسات المنتخبة وطنيا، وعلى المستوى المحلي، وفي تقوية المؤسسات الوطنية وتعزيز سلطاتها، وإعمال إصلاحات كبرى أطرها تعديلان دستوريان هامان في 1992 و1996.

وهذه المرحلة الهامة والفاصلة في تاريخ المغرب، كانت أساسية في مسلسل الإصلاح المؤسساتي ومن أبرز معالمها العودة، منذ 1996، إلى نظام الثنائية البرلمانية، الذي يتمتع فيه كلا المجلسين بنفس الصلاحيات، مع توسيع اختصاصات المؤسسات المنتخبة ووضع أسس الجهوية.

وكانت المؤسسة التشريعية في صلب الإصلاحات المهيكلة سواء بتوسيع اختصاصاتها، أو من حيث النهوض بتمثيلية المرأة، التي تعزز حضورها الوازن بشكل مطرد بالمؤسسة التشريعية، وبمختلف المجالس المنتخبة.

وناقش المشاركون في الندوة موضوعين أساسيين يتعلقان بـ"التطور الدستوري لبنية ووظائف البرلمان" و"دعامات وتحديات وأفاق العمل البرلماني"، حيث سيتناول الباحثون والمختصون خلال الجلسة الأولى نظام الثنائية البرلمانية بالمغرب، والعلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية، وتقييم السياسات العمومية، فيما ستتطرق الجلسة الثانية للعلاقة بين البرلمان والممارسة الديمقراطية، و"البرلمان المنفتح"، والتحديات المرتبطة بالعمل البرلماني.