العملية البرية الإسرائيلية في غزة: ضرورة استراتيجية أم خطأ تكتيكي؟

لا يمكن تخيل أن تمر العملية البرية الإسرائيلية في غزة من دون تداعيات إقليمية كبيرة.

وصل الصراع بين إسرائيل وحماس في غزة إلى منعطف حرج، حيث حشدت إسرائيل دبابات وقوات بالقرب من حدودها مع القطاع المحاصر، مما يشير إلى استعدادها لشن عملية برية بعد أيام من الضربات الجوية المكثفة. وستكون لمثل هذه الخطوة آثار وخيمة على كلا الطرفين، وكذلك على المنطقة والمجتمع الدولي، لأنها ستؤدي إلى تفاقم العنف، وتسبب معاناة إنسانية هائلة وتثير الوضع السياسي والدبلوماسي المضطرب بالفعل.

وأصبح احتمال القيام بعملية برية أكثر وشيكا بعد اشتباك بين الجنود الإسرائيليين ومقاتلي حماس داخل غزة في اليوم الماضي، أسفر عن مقتل جندي إسرائيلي وإصابة ثلاثة آخرين. وفقا للجيش الإسرائيلي، كان الغرض من الغارة هو تحديد مكان أسرى حماس في منطقة خان يونس في غزة و"إحباط البنية التحتية الإرهابية، وتطهير المنطقة من الإرهابيين والأسلحة وتحديد مكان المفقودين والجثث. ومع ذلك، زعمت كتائب القسام، الجناح المسلح لحماس، أنها دفعت القوات الإسرائيلية إلى إسرائيل خلال الغارة. وكان هذا أول مقتل عسكري إسرائيلي يتم الإعلان عنه علنًا داخل غزة منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

إن شن عملية برية في غزة سوف يشكل مسعى محفوفاً بالمخاطر ومكلفاً بالنسبة لإسرائيل، لأنها ستواجه مقاومة شديدة من جانب حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية التي توقعت مثل هذا السيناريو من خلال بناء الأنفاق، ونشر المتفجرات، والاختلاط بين المدنيين. وسوف تسعى إسرائيل إلى تدمير منصات إطلاق الصواريخ التابعة لحماس، ومستودعات الأسلحة، ومراكز القيادة، فضلاً عن اعتقال أو القضاء على كبار الشخصيات في حماس. ومع ذلك، فإن هذا لن يكون سهلاً حيث أظهرت حماس قدرتها على إطلاق صواريخ بعيدة المدى على إسرائيل. وسيتعين على إسرائيل أيضا الامتناع عن دخول المناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان والتحضر في غزة، حيث ستواجه المزيد من العقبات والمخاطر. كما أن أي عملية برية في غزة ستكون لها عواقب وخيمة على الفلسطينيين، الذين يعانون بالفعل من الحصار والقصف الإسرائيلي.

وسيكون هناك أيضًا تداعيات إقليمية ودولية على عملية برية في غزة، حيث ستثير ردود فعل من البلدان والمنظمات التي تدعم أو تعارض إسرائيل أو حماس، ويمكن أن تؤدي إلى مزيد من التصعيد أو التدخل. وقد نددت عدة دول ومنظمات بتصرفات إسرائيل وأعربت عن تضامنها مع الفلسطينيين بينما ألقت دول أخرى باللوم على حماس في أعمال العنف. بعض الجهات الفاعلة الرئيسية التي يحتمل أن تشارك في هذه القضية هي:

الولايات المتحدة: أعربت الولايات المتحدة، وهي أقرب حليف لإسرائيل والمصدر الرئيسي للمساعدات العسكرية، عن دعمها لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. لقد كشف الصراع الحالي في غزة عن القيود المفروضة على النهج الذي تقوده الولايات المتحدة لحل القضية الإسرائيلية الفلسطينية، فضلا عن التحديات المتمثلة في إيجاد أرضية مشتركة بين القوى الكبرى. وواجهت الولايات المتحدة انتقادات من بعض حلفائها وخصومها بسبب انحيازها الواضح لإسرائيل وإحجامها عن الضغط عليها لإنهاء هجومها. كما واجهت الولايات المتحدة ضغوطًا داخلية من بعض المشرعين والناشطين التقدميين الذين شككوا في دعمها غير المشروط لإسرائيل وتواطئها في انتهاكاتها لحقوق الإنسان.

الصين: انتقدت الصين، وهي عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وقوة عالمية صاعدة، تصرفات إسرائيل ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار. كما عرضت الصين التوسط بين إسرائيل وحماس واتهمت الولايات المتحدة بعرقلة جهود الأمم المتحدة لحل الأزمة. ويعكس تورط الصين في هذه القضية نفوذها ومصالحها المتنامية في الشرق الأوسط، فضلاً عن تنافسها مع الولايات المتحدة على الزعامة العالمية. كما سعت الصين إلى تقديم نفسها باعتبارها جهة فاعلة مسؤولة ومحايدة يمكنها المساعدة في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.

روسيا: دعت روسيا، وهي عضو دائم آخر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ولاعب رئيسي في الشرق الأوسط، إلى إنهاء العنف وحثت الجانبين على احترام القانون الدولي. وحافظت روسيا على علاقات جيدة مع كل من إسرائيل وحماس، واستضافت عدة جولات من المحادثات بينهما في الماضي. ويعكس دور روسيا في هذه القضية مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية في المنطقة، فضلاً عن رغبتها في تحقيق التوازن بين الولايات المتحدة والقوى الأخرى. كما حاولت روسيا الاستفادة من علاقاتها مع كلا الطرفين لتسهيل الحوار ووقف التصعيد.

إيران: إيران هي الخصم الإقليمي الرئيسي لإسرائيل وراعي رئيسي لحزب الله وجماعات أخرى في المنطقة أدانت العدوان الإسرائيلي ودعت إلى إنهاء الحصار المفروض على غزة.

مصر وقطر: تحاول مصر وقطر التوسط في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، باستخدام اتصالاتهما الدبلوماسية ونفوذهما. تشترك مصر في الحدود مع غزة ولديها معاهدة سلام مع إسرائيل، في حين أن قطر لديها علاقات وثيقة مع حماس وتقدم مساعدات مالية لغزة. وأرسل البلدان وفوداً إلى إسرائيل وغزة لنقل الرسائل والمقترحات، لكن جهودهما لم تسفر حتى الآن عن أي نتائج.

حزب الله: حذر حزب الله، وهو الحركة الشيعية اللبنانية التي خاضت حربا مع إسرائيل في عام 2006، من أنها ستنضم إلى المعركة إذا غزت إسرائيل غزة. وتمتلك حزب الله ترسانة كبيرة من الصواريخ والقذائف التي يمكنها الوصول إلى عمق إسرائيل، ولها علاقات وثيقة مع إيران وسوريا، اللتين تعتبران أيضًا معاديتين لإسرائيل.
ومن شأن عملية برية في غزة أن تؤدي أيضا إلى تفاقم الوضع السياسي في إسرائيل كما رأينا مؤخرا الانقسام السياسي في ذروته في هذا البلد. واستمرت إسرائيل في حملتها العسكرية، على الرغم من الإدانة الدولية والأزمة الإنسانية، بهدف تدمير قدرات حماس الصاروخية واستعادة الردع وقتل الآلاف من الأبرياء. وقاومت حماس الهجمات الإسرائيلية على غزة وطالبت إسرائيل بوقف عدوانها ورفع الحصار عن غزة واحترام حقوق الفلسطينيين. وقد تم تقويض الوضع بسبب توسع المستوطنات الإسرائيلية وغياب الضغوط الدولية على إسرائيل. لقد أدت أعمال إسرائيل المثيرة للحرب إلى زعزعة استقرار المنطقة وتعرض للخطر احتمالات التوصل إلى حل سلمي وعادل لإنهاء دائرة العنف وتحقيق السلام الدائم.