الفقر يعيد انتاج نفسه باستهداف الادمغة!

دراسة حديثة تكشف وجود صلة بين انخفاض دخل الأسرة والتحلل السريع للمادة البيضاء داخل الدماغ البشري.

واشنطن - وجدت بعض الأبحاث الحديثة نسبيا أن "الفقر يُغذِّي نفسه"؛ ويرجع ذلك إلى أن العبء النفسي للندرة -أي ندرة الفرص المتاحة التي تُغلِّف حياة الفقراء- يؤثر في بنية الدماغ البشري، بحيث يؤدي إلى ضعف الإدراك، مما يقود الفقير في نهاية المطاف إلى اتخاذ أسوأ القرارات، وبالتالي الاستمرار في دائرة من الفقر الذي يُعيد إنتاج نفسه.

وكشفت "دراسة حديثة" عن وجود صلة بين انخفاض دخل الأسرة والتحلل السريع للمادة البيضاء داخل الدماغ البشري.

ويتكون الدماغ بشكل أساسي من مادتين، وهما المادة البيضاء والمادة الرمادية، وبينما تنخفض مستويات "المادة البيضاء" مع تقدم العمر، فيبدو أن العيش في "فقر يسرع هذه العملية".

وتستند نتائج إلى تحليل 751 شخصا تتراوح أعمارهم بين 50 إلى 91 عاما، أجراها فريق من الباحثين من جامعة لوزان وجامعة جنيف في سويسرا، وفق موقع "ساينس أليرت".

والمادة البيضاء هي نسيج يُغطي الأجزاء العميقة من الدماغ، ويتكون من ألياف عصبية تسمى المحاور العصبية التي تربط ما بين الخلايا العصبية.

وتعتبر المادة البيضاء ضرورية جدا عندما يتعلق الأمر بنقل الرسائل والإشارات حول الدماغ، وكميتها المتوفرة لها تأثير على القدرة الإدراكية.

وبعد الأخذ في الاعتبار عوامل مثل العمر والجنس وبعض المشكلات الصحية الرئيسية، وجدت الدراسة أن أولئك الذين ينتمون إلى الأسر الفقيرة أظهروا المزيد من علامات شيخوخة المادة البيضاء في أدمغتهم في فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي.

وسجلوا درجات أقل في الاختبارات المعرفية من أولئك الذين يعيشون في الأسر الأكثر ثراء.

وقال الباحثون إن "العيش في فقر أو التعرض للحرمان الاجتماعي والاقتصادي المزمن"، كان مرتبطا منذ فترة طويلة بسوء الحالة الصحية والتدهور المعرفي بشكل أسرع.

ووجد العلماء أن عدد الألياف المتفرعة من كل خلية عصبية "كثافة العصبونات"، ومدى الطبقة الواقية على هذه الألياف "تكوين الميالين"، يبدو أنه يساهم في حدوث المزيد من  الانهيار السريع في الخلايا العصبية والمادة البيضاء.

ولم يكن لهذه العلامات الخاصة بشيخوخة الدماغ في المادة البيضاء تأثير سلبي كبير على الأداء المعرفي للأشخاص الذين ينتمون إلى دخل أسري مرتفع.

العيش في فقر أو التعرض للحرمان الاجتماعي والاقتصادي المزمن

وكتب الباحثون: "أظهر الأفراد من الأسر ذات الدخل المرتفع أداءً معرفيا محفوظا حتى مع زيادة متوسط الانتشار، أو انخفاض الميالين، أو انخفاض كثافة الخلايا العصبية".

ويبدو أن امتلاك المزيد من المال يعمل كنوع من الحماية ضد التدهور المعرفي، على الرغم من التغيرات الجسدية التي لوحظت، مما يشير إلى وجود آلية أخرى تلعب دورا يتجاوز التغييرات التي شوهدت حتى الآن، وفق الدراسة.

وطانت دراسة حديثة نُشرت في مجلّة "نيتشر نيوروساينس" الأميركيّة، كشفت أنّ الأطفال الذين يعيشون في فقر، لديهم كميّات أقلّ بكثير في المادّة الرماديّة في منطقة الدماغ المرتبطة باللغة والذاكرة واتّخاذ القرار، مقارنة مع الأطفال من العائلات ذات الدخل المرتفع.

وتسلّط هذه النتائج الضوء على أهمّيّة السياسات والبرامج الّتي تهدف إلى معالجة الفقر وتعزيز الحراك الاجتماعيّ والاقتصاديّ. على وجه الخصوص، يقترحون أنّ الاستثمار في برامج التعليم والتنمية في مرحلة الطفولة المبكّرة، بالإضافة إلى توفير الدعم الماليّ للأفراد والأسر الّذين يعيشون في فقر، يمكن أن يكون له فوائد كبيرة في نموّ الدماغ، والأداء المعرفيّ، والصحّة العقليّة.

وتتمثّل واحدة الأساليب الواعدة في الاستثمار في برامج التعليم والتنمية في مرحلة الطفولة المبكّرة، والّتي ثبت أنّ لها تأثيرًا إيجابيًّا على النموّ المعرفيّ والدماغيّ للأطفال من خلفيّات محرومة، وبحسب الدراسة، فإنّ الأطفال الّذين شاركوا في برنامج تعليم عالي الجودة في مرحلة الطفولة المبكّرة حصلوا على درجات ذكاء أعلى، ومعدّلات أعلى للتخرّج من المدرسة الثانويّة، ومعدّلات سجن أقلّ، مقارنة بالأطفال الّذين لم يشاركوا في مثل هذه البرامج.

ويعدّ الاستثمار في برامج التعليم والتنمية في مرحلة الطفولة المبكّرة، فضلًا عن توفير الدعم الماليّ للأفراد والأسر الّذين يعيشون في فقر، خطوة حاسمة نحو الحدّ من تأثير الفقر على الدماغ وتعزيز النتائج الإيجابيّة للأفراد والمجتمعات.