اللبنانيون يترقّبون بفارغ الصبر نتائج التنقيب في 'البلوك 9'

خبراء يؤكدون وجود العديد من المعطيات التي تجعل الآمال كبيرة في اكتشاف النفط والغاز، لكن لا يمكن معرفة الكمية المتواجدة في المياه اللبنانية.

بيروت - يعقد اللبنانيون آمالا واسعة على عمليات التنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 9 بالمياه الإقليمية اللبنانية، وسط تفاؤل بالعثور على ثروات طاقة تنتشل البلد من أزمته الاقتصادية الخانقة وهذا ما ظهر بوضوح في كلمة رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في الأمم المتحدة مؤخرا.
وقال ميقاتي الأسبوع الماضي "اسمحوا لي أن أُسجّل ارتياح لبنان لبدء عملية التنقيب عن النفط والغاز في مياهه الإقليمية ورغبته في لعب دور بنّاء مستقبلاً في مجالات الطاقة في حَوض المتوسط".
وكشف المدير التنفيذي لمنظمة استدامة البترول والطاقة (خاص) مروان عبدالله عن المراحل التي يمر فيها التنقيب، قائلا "بعد وصول باخرة التنقيب تحضّر الأرضية أو القاعدة الخاصة لمدّ قساطل تحت المياه، وهذا ما بدأته الشركة المشغّلة آواخر أغسطس/آب في البلوك رقم 9".
وأشار إلى أن هناك مرحلتين "الأولى هي المرحلة فوق سطح البحر حتى قعره، ثم يتم الحفر في القعر"، لافتا إلى أن كل مرحلة التنقيب تحتاج إلى نحو 68 يوما أو 3 أشهر وفقا لظروف البحر والطقس في الشتاء.
وتابع "بعدها يتم أخذ كل ما تم استخراجه من قعر البحر مثل الصخر، نوع التراب والغاز والنفط إلى المختبرات الخاصة في شركة توتال ويقومون بدراستها"، مضيفا أن الدراسات تُظهر نوعية النفط والغاز وكميتها وكلّ التفاصيل حولها وكلّ هذه المراحل تسمى "مرحلة البئر الاستكشافية".
وبعد إجراء الدراسات يصدر تقرير ويرسَل للدولة اللبنانية، منه سري ومنه علني، ويحتوي على الكميات المتوقعة داخل البئر وغيرها من معلومات.
وبعد الحصول على الموافقة من الدولة اللبنانية تبدأ خطة الحفر وتطوير الحقل وتحتاج لمدة عام، "وتستمر الإجراءات حتى الوصول لمباشرة التنقيب من خلال إحضار منصة ثابتة".
ويرى خبراء النفط أن هناك معطيات عدة تجعل الآمال كبيرة في البلوك رقم 9، يتمثل الأول في أن المنطقة التي يتم الحفر فيها "بِكر" ولم تتعرض للحفر سابقا، لذا فاحتمال إيجاد النفط أو الغاز من المرة الأولى فيها يتراوح بين 22 بالمئة و27 في المئة.
أما المعطى الثاني فيتثمل في إيجاد النفط في البلوكات المجاورة للبلوك رقم 9، في إسرائيل (كاريش) وقبرص (أفروديت)، لذا الاحتمال كبير بإيجاد كميات أيضا في البلوك اللبناني.
وخلص عبدالله إلى أن "التقنيات الجديدة تسمح بأخذ فكرة عامة عن الموضوع وحسب الشركات التي أقامت الدراسات، فالبلوك فيه حقل لكن لا أحد يعرف كميته أو حجمه"، مشيرا إلى أن "التفاؤل حول إيجاد النفط والغاز موجود، لكن لا يمكن معرفة الكمية المتواجدة فيه".
ويتوافق كلام عبدالله مع حديث الباحث في العلاقات الدولية والمتخصص في شؤون الطاقة شربل سكاف الذي قال إن "المنطقة الجنوبية للمتوسط هي التي يتمركز فيها حاليا معظم الاكتشافات التجارية مثل مصر والجزائر وإسرائيل".

"التوقعات تشير إلى حصول اكتشاف تجاري مرتفع، لكن لا يمكن التأكّد إلا عند انتهاء عملية الحفر في البئر الأولى".

وأضاف سكاف أن الدراسات الزلزالية على مستوى البلوك 9 واعدة بالإضافة إلى ذلك، فهذا البلوك قريب من مكان الحفر من كاريش".
ولفت إلى أن التوقعات "تشير إلى حصول اكتشاف تجاري مرتفع، لكن لا يمكن التأكّد إلا عند انتهاء عملية الحفر في البئر الأولى".
بدوره ذكر الخبير الاقتصادي اللبناني عماد عكوش أن "التنقيب في البلوك رقم 9 بدأ.. نحن واثقون من قدرة الدولة على إدارة الملف"، موضحا أن "إحدى فوائد أي عمليات اكتشاف قريبة، ستعزز الثقة بالاقتصاد اللبناني ولو بشكل نسبي".
وزاد "في الأشهر المقبلة، في حال تم التأكد من وجود غاز في البحر ستعزز الثقة بالاقتصاد اللبناني وعملة البلد وممكن أن تعود الشركات الأجنبية للدخول في مناقصات البلوكات الأخرى".
أما بالنسبة إلى العائدات المالية من الغاز والنفط، فأكد أن الاستفادة المادية من الغاز تحتاج إلى سنوات لحين القيام بخطوة ومع بدء عمليات التنقيب في البحر تتفتح الأنظار نحو التنقيب في البرّ اللبناني.

وفي هذا السياق ذكر عبدالله أنه "لحد الآن هناك قانون اسمه قانون الموارد الطبيعية في المياه اللبنانية في البرلمان اللبناني، ومن خلاله سُمح العمل في البحر، لكن لا قانون للبر".
وأكد أنه لا يمكن الحديث عن أي سيناريو في البرّ، إلا بعد إقرار قانون في مجلس النواب مشابه لما يحصل في البحر، لافتا إلى أن المشهد في البر يختلف لأن هناك أراض ملكيات خاصة وأخرى تابعة للبلديات.

وأعلن وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني علي حمية منتصف أغسطس/آب الماضي وصول باخرة التنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 9 جنوب البلاد على الحدود مع إسرائيل.
وقالت شركة توتال في بيان حينها إنها "متفائلة بوجود ثروات في حقل قانا في البلوك 9.. نحن على بعد خطوات قليلة من الاستكشاف".
وكان لبنان وقع في فبراير/شباط 2018 عقدا مع ائتلاف شركات نفطية بقيادة "توتال" والذي يضم "إيني" الإيطالية و"نوفاتيك" الروسية التي انسحبت فيما بعد وحلت مكانها "قطر للطاقة" للتنقيب عن النفط والغاز في مياهه الإقليمية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقع لبنان وإسرائيل اتفاقا لترسيم الحدود البحرية بينهما، عقب مفاوضات غير مباشرة استمرّت عامين بوساطة أمريكية إثر نزاع على منطقة غنية بالنفط والغاز الطبيعي بالبحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كم مربعا.
ويقع لبنان ومعه قبرص وإسرائيل ومصر فوق حقل غاز شرق البحر المتوسط، الذي تم اكتشافه عام 2009.
وحسب إحصاءات غير رسمية، تقدر حجم الاحتياطيات البحرية اللبنانية من الغاز بـ96 تريليون قدم مكعب ومن النفط 865 مليون برميل.
وبدأ لبنان الاهتمام بمسألة النفط والغاز منذ عهد الانتداب الفرنسي (1920 - 1943)، إلا أن النزاعات السياسية بين الأطراف اللبنانية المتنافسة وظروف الحرب الأهلية (1975 - 1990) وعدم الاستقرار السياسي، حالت دون البدء بعملية التنقيب وتطوير القطاع.