المغرب يراهن على تحويل مونديال 2030 إلى نهضة اقتصادية شاملة

الاستثمارات المرتقبة تشمل بالأساس تقوية شبكة المواصلات والفنادق والاتصالات الرقمية، خصوصاً التحوّل لخدمات الجيل الخامس ما يحقيق انتعاشة قوية على الأمدين القريب والمتوسط، في قطاعات البناء والمصارف والسياحة.

الرباط - يراهن المغرب على استغلال تحقيقه لحلم تنظيم كأس العالم لكرة القدم العام 2030 مع جاريه إسبانيا والبرتغال، لجعله فرصة لتطوير بنيته التحتية وتعزيز قوته الناعمة، في ظل التطور الكبير الذي يشهده بسبب السياسة الاقتصادية البناءة التي جعلته يحتل المرتبة الخامسة ضمن أغنى عشر دول في أفريقيا.

وتعكس أهمية الحدثين الدوليين الكبيرين كأس أمم أفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، اللذين يستضيفها المغرب، القوة الناعمة للمغرب في شمال أفريقيا والمنطقة العربية باعتباره مقصدا عالميا للسياحة واللقاءات الدولية ويمتلك مقومات عالمية في استضافة الأحداث الدولية الكبرى كأن آخرها قبل أيام اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في مدينة مراكش العريقة، والتي أثبتت قدرتها على تنظيم فعالية كبرى بعد أسابيع قليلة على الزلزال المدمر الذي شهدته في الثامن من سبتمبر أيلول الماضي، وتمكنت بفضل جهود السلطات وبمتابعة دؤوبة من العاهل المغربي الملك محمد السادس من استعادة نشاطها سريعا وأن تكون على مستوى الحدث.
وتعتبر هذه التجربة مثالا بارزا على قدرة المغرب على استثمار الكوارث والأزمات للنهوض بشكل أقوى وإثبات كفاءة أبنائه وقدرات طواقمه على كافة المستويات.
كما أن الإصرار المغربي على النجاح ظهر جليا بعد 35 عاماً على أوّل محاولة لاستضافة نسخة 1994، وأربع محاولات أخرى فاشلة، ليتمكن أخيرا من استضافة الحدث العالمي للمرة الأولى في تاريخه، بعد اعتماد الملف المغربي الاسباني البرتغالي ترشيحاً وحيداً لنسخة 2030 من طرف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، مطلع أكتوبر مع منح أميركا الجنوبية ثلاث مباريات.

تنظيم مسابقة بحجم كأس العالم يخلق فرص عمل وتحفيز النمو الاقتصادي بالإضافة إلى تقوية اللحمة الاجتماعية من خلال شعور بالوحدة الوطنية والفخر.

ويتعيّن على هذا الملف المشترك النجاح في عملية التقييم، وتأكيد مؤتمر فيفا لهذا القرار خلال اجتماعه المقرَّر في 2024.

وتأكيداً لإصراره على مطاردة هذا الحلم، أعلن المغرب قبل خمسة أعوام نيته الترشح لتنظيم مونديال 2030، وذلك بعد يوم واحد من فشله في سباق تنظيم مونديال 2026؛ قبل أن يعلن الملك محمد السادس في مارس الانضمام للجارين إسبانيا والبرتغال في ترشيح مشترك.

ولا يرتبط هذا الإصرار فقط بشغف المغاربة بكرة القدم والذي أوصلهم للمركز الرابع في مونديال قطر 2022، والسعي لتقوية حضور المملكة الدولي، ولكن أيضاً "بخلفية أن تنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى فرصة لخلق تنمية. ويمكن أن نحقق في ستة أعوام بنية تحتية ربما تستغرق منا 20 عاماً"، وفق الباحث في الشؤون الرياضية منصف اليازغي في حديث لوكالة فرانس برس.

وتعتزم المملكة تشييد ملعب كبير في بلدة بنسليمان، الضاحية الشمالية للدار البيضاء، بكلفة تناهز 5 مليارات درهم (نحو 460 مليون دولار)، وفق ما أعلنت الحكومة المغربية، فيما سيُعاد تأهيل ستة ملاعب أخرى في الدار البيضاء والرباط ومراكش وفاس وأغادير وطنجة، لتكون جاهزة لاحتضان بطولة كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030.

وستتم الأشغال على مرحلتين على أن تنتهي العام 2028، بميزانية إجمالية تراوح بين 14 و15.5 مليار درهم (1.3 إلى 1.5 مليار دولار).

وتحتضن مدن مراكش وطنجة وأغادير حالياً أحدث ملاعب البلاد، وقد بُنيت في سياق ترشح المغرب لاحتضان مونديال 2010 الذي راح في نهاية المطاف لجنوب إفريقيا وكان الأول في تاريخ القارة.

وتتوقع دراسة لشركة التمويل "سوجيكابيتال"، أن تبلغ تكاليف التنظيم بالنسبة للمغرب حوالي 52 مليار درهم (نحو 5 مليارات دولار). واعتبرت أن بإمكان الموازنة العامة تحمّلها، مع توقع اللجوء إلى دعم من الخارج في حدود مليار دولار.

وفضلاً عن الملاعب ومراكز التدريب، تشمل الاستثمارات المرتقبة بالأساس تقوية شبكة المواصلات والفنادق والاتصالات الرقمية، خصوصاً التحوّل لخدمات الجيل الخامس. وهو ما من شأنه تحقيق انتعاشة قوية على الأمدين القريب والمتوسط، في قطاعات البناء والمصارف والسياحة، وفق نفس المصدر.

احتضان المونديال فرصة لتعزيز القوّة الناعمة للمغرب وقدرته على استقطاب مستثمرين وسياح أجانب.

وتشير تقديرات "سوجيكابيتال" إلى أن عائدات السياحة العام 2030 سوف تقارب 120 مليار درهم (نحو 11,7 مليار دولار).

علماً أن المملكة سجّلت عائدات "قياسية" خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، بحوالي 71 مليار درهم (نحو 7 مليارات دولار)، وفق وزارة السياحة. ويفترض كذلك الاستثمار في المرافق الصحية، التي يعاني فيها المغرب خصوصاً.

وأكد فوزي لقجع الذي يتولى في الوقت عينه رئاسة اتحاد كرة القدم ووزارة الميزانية أن الهدف هو جعل التحديات التي ستبرز في أفق 2030 "وسيلة لرفع وتيرة التنمية في بلادنا".

وأضاف عضو مجلس فيفا "بلادنا كانت دائماً قبلة للمستثمرين، لكن الوتيرة سترتفع في مختلف البنى التحتية".

وبالإضافة إلى "خلق فرص عمل وتحفيز النمو الاقتصادي"، سيمكّن تنظيم مسابقة من حجم كأس العالم "من تقوية اللحمة الاجتماعية من خلال شعور بالوحدة الوطنية والفخر"، حسب الباحث في علوم الرياضة عماد خاطر  ويوضح "إنه امتياز عظيم واعتراف بمكانة المغرب على الصعيد الرياضي العالمي".

ويصادف مونديال 2030 تحدياً أكبر للمملكة، يتمثل في طموحها تحقيق معدل نمو 6 بالمئة سنوياً في أفق العام 2035، كحد أدنى لتجاوز معضلة التفاوتات الاجتماعية والمجالية في البلاد.

ولرفع هذا التحدي، الذي سطّره تقرير رسمي قبل عامين، يأمل المغرب في قلب معادلة الاستثمار الذي تتحمل الدولة حالياً ثلثي أعبائه، باستقطاب الرساميل الخصوصية المحلية والدولية ".

ويبدو احتضان المونديال فرصة "لتعزيز القوّة الناعمة للمغرب وقدرته على استقطاب مستثمرين وسياح أجانب" كما يرى اليازغي، فضلاً عن تقوية حضوره في القارة الإفريقية التي تجمعه بها 44 اتفاقية شراكة في إطار "دبلوماسية الكرة".

ويعتبر الحدث الرياضي العالمي أيضا فرصة "لمواصلة هذه الدبلوماسية الرياضية الناعمة التي بدأت قبل بضعة أعوام، وبالتالي إمكانية حشد دعم أكبر للقضية الوطنية"، كما يستطرد خاطر في إشارة إلى نزاع الصحراء المغربية، وهي منطقة موضع خلاف منذ عقود بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر. فضلاً عن تقوية العلاقات مع إسبانيا والبرتغال، خصوصاً بعد تأييد مدريد لموقف الرباط من نزاع الصحراء المغربية منذ العام الماضي.

ويقول مراقبون أن سجل المغرب الاقتصادي يشكل فرصة إضافية لنجاحه في تحقيق خططه الطموحة باستثمار مونديال 2030 لخدمة التنمية والقوة الناعمة.

وجاء المغرب في المرتبة الخامسة ضمن “أغنى 10 دول إفريقية لسنة 2023 حسب الناتج المحلي الإجمالي”، كما ورد في تصنيف جديد لموقع “وورلد بوبيوليشن ريفيو”، الإحصائي. كما جاء المغرب في المرتبة الخامسة من حيث تعادل القدرة الشرائية (PPP INT $)، بالاعتماد في ذلك على بيانات سابقة للبنك الدولي لصياغة التصنيف.