الملاحق الثقافية بالصحافة السعودية.. تنوع وثراء

'الجزيرة الثقافية' تصل للعدد رقم 700 وتواصل تجربتها الصحفية الناجحة بمنحها المشهد الثقافي داخل السعودية المزيد من الثراء.
الدوريات السعودية تهتم بالأدب والفنون التشكيلية والقضايا اللغوية
الصحافة الثقافية السعودية تتبنى قضايا اللغة العربية

باعتقادي أنه لا ينبغي أن يمر وصول "الجزيرة الثقافية" وهو الملحق الثقافي الأسبوعي الصادر عن صحيفة الجزيرة السعودية، للعدد رقم 700، دون أن نحتفي بتلك المناسبة، وأن نتوقف عندها بالرصد والدراسة والبحث، باعتبارها تجربة صحفية صادقة نجحت في منح المشهد الثقافي داخل المملكة العربية السعودية وخارجها مزيدا من الثراء، وأفلح القائمون عليها في تسليط الضوء على أوجه الإبداع المختلفة وإفراد صفحاتها لكل صاحب قلم من شتى المدارس والأجيال، ونقل صورة حية لكل ما يجري من حراك ثقافي على أرض المملكة.
والحديث عن تجربة "الجزيرة الثقافية" يقودنا بالطبع للحديث عن الملاحق الثقافية السعودية التي تتفرد بها الصحافة اليومية السعودية، وهي تمثل ظاهرة إيجابية ربما غابت عن الكثير من الصحف اليومية الصادرة في بلدان عالمنا العربي.
ويستطيع كل متابع وباحث أن يرصد وبوضوح ذلك التنوع والثراء في تلك الملاحق التي باتت زادا ثقافيا ورافدا معرفيا مهما لكل قارئ ومبدع وكاتب، وفيما تطرحه من قضايا، وما ثيره موضوعاتها من سجال بين الأدباء والمثقفين.
وقد أفردت الملاحق الثقافية السعودية بداية من الجزيرة الثقافية بصحيفة الجزيرة، مرورا بـ"عكاظ" و"الرياض"، ووصلا للصفحات والملفات الثقافية والأدبية والفنية في شتى الدوريات السعودية مساحات جيدة للأدب والفنون التشكيلية والقضايا اللغوية، وكل ألوان الشعر والقصة والمسرح الخ.

ولعل من اللافت أنه في الوقت الذي كانت فيه شكوى الفنانين التشكيليين العرب، تتزايد من تجاهل كثير من وسائل الإعلام العربية لما تشهده الحركة التشكيلية العربية من تطور وانتشار، كانت الصحف السعودية تفرد الصفحات الكاملة لمتابعة المشهد التشكيلي السعودي، وكانت الصحافة الثقافية السعودية هي من تتبنى قضايا اللغة العربية – لغة القرآن الكريم وتراث الأجداد وارث الأحفاد – بل وحتى الخط العربي بات له نصيب من تلك المساحات التي تخصصها الصحافة السعودية لمتابعة المشهد الثقافي والأدبي بشكل يومي وأسبوعي.
ويمكنني القول بأنه ما من قضية ثقافية ولغوية وأدبية في عالمنا العربي بل وفي المشهد الثقافي والإبداعي الإنساني، إلا وكان لها حضور فيما ينشر من مقالات ودراسات في الصفحات والملاحق الثقافية بالصحافة اليومية السعودية.
وقد تحررت تلك الملاحق من المحلية، وانفتحت على الثقافات العربية والإنسانية، دون أن تًهمل متابعة المشهد الثقافي السعودي، ففتحت صفحاتها لكتاب من العالم العربي وخارجه، واسست لسجالات ثقافية افتقدناها كثيراً في صحافتنا العربية، وهي سجالات تلتزم الحوار الجاد والهادف بعيدا عن العراك وكيل الاتهامات، وصارت تلك السجالات التي نشهدها في حوارات ومقالات اللغويين من علماء لغتنا العربية والنقاد والشعراء والأدباء الذين يتبارون في طرح مواقفهم والانتصار لوجهات نظرهم اللغوية النقدية في لغة سامية، وطرح لا ينقصه العمق، وهنا تتسع مدارس القارىء، وتتعدد ثقافاته.
ولعل اتساع دائرة القراء والمتابعين لتلك الملاحق والصفحات الثقافية بالصحافة اليومية السعودية، هو نتاج لذلك التنوع والثراء الذي نجح في تحقيقه كوكبة من الصحفيين والكتاب الذين أخذوا على عاتقهم إمداد تلك الملاحق والصفحات التي يسعد بها كل صباح كل باحث عن الدهشة، وكل مهتم بشئون الإبداع والثقافة والفنون والآداب.
ولعل من دواعي سروري، انني واحد من الذين نالوا شرف الكتابة بتلك الملاحق والصفحات التي – وكما أسلفنا – فتحت أبوابها لكل كاتب وكل عاشق للكلمة والحرف داخل الوطن العربي وخارجه، بجانب تلك الكوكبة المستنيرة من كتاب المملكة الذين نسعد بمتابعتهم عبر تلك الملاحق والصفحات، وربما كانت أول دراسة أدبية تنشر لي بالصحافة العربية، هي تلك الدراسة التي نشرت لي بالملحق الثقافي لجريدة اليوم السعودية، ورصدت فيها صورة الوطن في كتابات مجموعة من أديبات وكاتبات المملكة، وكان ذلك ربما قبل قرابة ثلاثة مضت.
ولا يغيب عنا ونحن نتحدث عن الصفحات والملاحق الثقافية السعودية، دور المجلات الثقافية السعودية، في إثراء الحركة الثقافية والأدبية داخل المملكة، وفي شتى أقطار العالم العربي، حيث يتابع القراء العرب – وكاتب السطور واحد منهم –على مدار عقود مضت الكثير من تلك الدوريات التي أسهمت في التكوين الفكري والثقافي للكثير من الأجيال العربية وأثرت في وجدانهم، بما تقدمه من أبداع صادق، وموضوعات متنوعة تغطي كافة مناحي الثقافة والفنون والآداب، فكانت مجلات مثل المنهل، والفيصل، والمجلة العربية، والحرس الوطني، والعرب، والجيل، واليمامة، وغيرها مصادر خصبة وغنية ينهل منها كل محب للثقافة والأدب والفنون.
وكم نتوق اليوم لباحثين يوثقون لنا تلك المسيرة المنيرة للصفحات والملاحق الثقافية السعودية، وللمجلات التي صدرت من أرض المملكة لتخاطب المثقفين والناطقين بلغة الضاد في كل مكان من العالم، ويجمعون لنا ما دار على صفحاتها من سجال ومعارك أدبية، وما نشرته من مواد إبداعية ونقدية لتبقى ميراثاً للأجيال القادمة، ومصدراً يتعرفون من خلاله على ما سطره الآباء والأجداد، وما تمتعت به الصحافة السعودية من مكانة متميزة في مسيرة الصحافة الثقافية العربية.