النهضة توظف أحداث غزة للعودة لشارع نبذها

متاجرة الحركة بالقضية الفلسطينية تظهر في ربطها بسجناء النهضة في الشعارات المرفوعة خلال كل تظاهراتها تحت يافطة نصرة فلسطين.

تونس - تسعى حركة النهضة لحشد الدعم بكل الوسائل والطرق للفت الانتباه والعودة إلى المشهد السياسي عبر استغلال الشارع وتعاطف التونسيين اللامحدود مع القضية الفلسطينية، رغم أن أوراقها باتت مكشوفة بسبب مواقف سابقة لها أثبتت أن الهدف ركوب موجة الغضب الشعبي لما يجري في غزة تماما مثلما حدث إبان ثورة 2011.

وطالبت حركة النهضة في بيان نشرته بصفحتها الرسمية على موقع فيسبوك السلطة بالتعجيل بكشف الحقيقة في جريمة اغتيال المهندس محمد الزواري معلنة عن تأييدها دعوات التعجيل في الفصل في قضايا الاغتيالات التي هزت البلاد والرأي العام بعد الثورة معتبرة انه تم استغلالها في محاولات لإجهاض الثورة وفي قطع الطريق على تحقيق مصالحة وطنية حقيقية وشاملة.

واللافت أن كل جرائم الاغتيال السياسي التي شهدتها تونس إثر ثورة 2011 تمت خلال فترة حكم النهضة أو مشاركتها في الحكم، لكنها تتجاهل هذه الحقيقة في محاولة لتحميل مسؤوليتها إلى الحكومة الحالية باعتبار النهضة باتت تمثل المعارضة وترمي بالتهم في كل اتجاه لتبرير أخطائها السابقة التي ينظر إليها التونسيون على أنها السبب فيما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ولم تستفد النهضة من الدروس السابقة حين فشلت في حشد الشارع بالدعوة إلى مظاهرات ضد الرئيس قيس سعيد.

وتطرّقت النهضة الى المسيرة الوطنية التي ينتظر تنظيمها غدا السبت تزامنا مع الذكرى السابعة لاغتيال الزواري داعية الرأي العام الى المشاركة فيها، مؤكدة على "ضرورة مواصلة النضال من أجل قضية فلسطين والقضية الوطنية لتحرير كل طاقات الشعب وتجاوز حالة الضعف" التي قالت إن "سياسات الانقلاب أوصلت البلاد اليها مع دعوتها إلى إطلاق سراح كل الموقوفين والمساجين السياسيين وإطلاق طاقات الشباب للمساهمة في نهضة البلاد".

وتظهر المتاجرة المفضوحة بالقضية الفلسطينية في ربطها بسجناء حركة النهضة في الشعارات المرفوعة خلال كل تظاهراتها التي نظمتها تحت يافطة نصرة فلسطين، وتكرر رفع لوحات تحمل صور معتقليها وعليها "الحرية من سجون تونس إلى فلسطين للمعتقل فلان"، مع إضافة اسم من أسماء قادتها في كل مرة، ورفع شعار "الحرية للجميع من تونس إلى فلسطين".

وكانت دعت النهضة عبر صفحتها على فيسبوك، ومئات الصفحات الممولة التابعة لها إلى المشاركة في مسيرة، مع فيديو ترويجي بشعارات متنوعة منها "10 ديسمبر الشعب التونسي يكتب صفحة جديدة في تاريخ النضال ضد الاستبداد".

وفي اليوم نفسه نشرت صفحة الحركة بيانا منسوباً إلى زعيمها راشد الغنوشي يندّد فيه بالعدوان على غزة وبالانتهاكات في تونس وبالاحتجاز القسري للمساجين السياسيين على حد تعبيره، معلناً في البلاغ ذاته دخوله في إضراب جوع رمزي يوم 10 كانون الأول/ ديسمبر.

الشعارات الرنانة لم تعد تلفت انتباه التونسيين الذين يعتبرونها استغلال للقضية الفلسطينية لتمرير رسائل النهضة وشعاراتها المتعلقة بسجنائها والعودة للمشهد السياسي

وقال البيان إنّ الغنوشي يعلن "دخوله في إضراب جوع رمزي عن الطعام يوم الأحد 10 كانون الأول/ ديسمبر 2023 من داخل المعتقل، وذلك تنديداً بالعدوان الإسرائيلي الغاشم على أهالينا في قطاع غزة، والمذابح وجرائم الحرب التي ترتكب ضد المدنيين العزّل في ظل صمت عربي رسمي مخجل. وبالانتهاكات الخطيرة والمتصاعدة لحقوق الإنسان ببلادنا، وبتراجع مساحة الحريات العامة والفردية والتضييق على الساحة السياسية والمجتمع المدني والإعلام عبر الهرسلة والمحاكمات السياسية بالاعتماد على المرسوم (54) سيّئ الذّكر. وبالاحتجاز القسري منذ أشهر طويلة لكل المساجين السياسيين دون جريمة ولا جرم، على خلفية ممارسة النشاط السياسي".

لكن هذه الشعارات الرنانة لم تعد تلفت انتباه التونسيين الذين يعتبرونها استغلال للقضية الفلسطينية لتمرير رسائل النهضة وشعاراتها المتعلقة بسجنائها، وعلى رأسهم رئيس الحركة السابق الملاحق في قضايا يتعلق بعضها بالإرهاب في قطب مكافحة الإرهاب.

ومن بين الشعارات التي رفعت في 10 كانون الأول /ديسمبر لافته تطالب بتجريم التطبيع "الشعب يريد تجريم التطبيع"، رغم أنّ أول من أسقط قانون تجريم التطبيع في مجلس النواب هي حركة النهضة نفسها صاحبة الأغلبية البرلمانية حينها، وقد أسقطته مرات متعددة خلال فترة سيطرتها على الحكم.

ولا يزال الكثيرون يذكرون النائب التابع للنهضة الصحبي عتيق، الذي ذكر في حوار على قناة حنبعل في 2012 عندما حاول تبرير معارضة حركته لإدراج مبدأ تجريم التطبيع مع إسرائيل في الدستور الجديد بتصريحه أنهم عارضوا هذا التمشي بناء على نصيحة قيادات في حركة حماس وذكر بالاسم إسماعيل هنية وخالد مشعل، وقد سارعت قيادة حماس بتكذيب تصريحات عتيق الذي لم يجد مفرا من الاعتراف بكذبه في تصريح آخر معتبرا أنّ تصريحاته كانت عبارة عن “استنتاجات خاطئة”.

وتؤكد تقارير إخبارية أن الغنوشي خلال زيارته للعاصمة الأميركية واشنطن في ديسمبر 2011 ، قام بزيارة "معهد سياسات الشرق الأدنى" الذي يعتبر المعقل الفكري والإيديولوجي للمحافظين الجدد وغلاة المتعصبين للحركة الصهيونية. وكشف الباحث في المعهد مارتن كريمر أن الغنوشي عقد معهم جلسة مغلقة اشترط فيها عدم التسجيل تنصل فيها من مواقفه السابقة الداعمة لحماس في غزة وطالبان في أفغانستان.
وكشفت مجلة ويكي ستاندارد التابعة للمحافظين أن الغنوشي قدم تعهدات خلال جلسته مع باحثي المعهد بأن الدستور التونسي القادم "لن يتضمن إشارات معادية لإسرائيل أو الصهيونية".

كما سجل الغنوشي خلال حضوره في منتدى دافوس سنة 2012 ولم يكن الممثل الوحيد للإسلام السياسي في المنطقة حيث كان إلى جانبه عبد الإله بن كيران رئيس الوزراء المغربي آنذاك وزعيم حزب العدالة والتنمية المغربي وقام الإثنان بالإدلاء بتصريح على هامش المنتدى لإذاعة صوت إسرائيل واعتبر الغنوشي "أنّ مستقبل علاقات بلاده مع إسرائيل يحكمه التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية".

وحول موقف التونسيين اليوم من الإسلام السياسي، نقلت صحيفة لو فيغارو الفرنسية في تقرير عن أكاديميين وناشطين تونسيين قولهم، إنّ الإسلام السياسي هو خيبة الأمل الكبرى للشعب التونسي، الذي تحوّل إلى الكراهية المُطلقة لحزب النهضة الذي بدأ سلسلة الانهيار في انتخابات 2014، ومن ثمّ في 2019، دون أن ينهار تماماً، إلى أن تمّت الإطاحة به بدءاً من العام 2020.

ويُعتبر زعيم الحزب الغنوشي الرجل الأكثر كراهية لدى التونسيين، بحسب كل استطلاعات الرأي منذ 10 أعوام، وقد حمّل تونسيون مسؤولية الأزمة الاقتصادية في بلادهم لمرحلة حُكم الإسلام السياسي، وحزب النهضة.

وذكرت لو فيغارو في مقال رأي أنّ سجن الغنوشي، بتهم التآمر على أمن الدولة التونسية وتصدير الجهاديين، أمر لم يكن ممكناً تخيّله في الأعوام التي أعقبت ما أطلق عليه "الربيع العربي".

ولفتت إلى أنّ قرارات الرئيس التونسي تحظى بقبول شعبي واسع، بينما أشادت صحيفة لوموند بمساعي الرئيس قيس سعيّد المتواصلة للاعتماد على الجيش والشرطة في بلاده ضدّ تدخلات الإخوان في العمل السياسي ونظام الحُكم.

ويرى مراقبون للمشهد السياسي التونسي أنّه بسجن الغنوشي وتجميد أمواله وجماعته وإغلاق مقار النهضة في جميع المحافظات التونسية، ومنع جميع اجتماعاتها، انعدم حجم نفوذهم داخل تونس وضاق الخناق عليهم، لذلك تحاول تأليب الرأي العام على الحكومة بانتقاد سياستها والأزمة الحالية رغم أنها نتاج ممارسات النهضة نفسها.

وزعمت الحركة الاسلامية أن المصادقة على ميزانية الدولة وختم قانون المالية لسنة 2024 تزامنا مع تثبيت ترقيم تونس السيادي من قبل وكالة “فيتش” في مستوى الدول ذات المخاطر العالية والدين غير المستدام يثبت فشل الحكومة طوال السنة الحالية في إخراج البلاد من الأزمة العميقة التي تردت فيها دون اقتراح حلول لتمويل الميزانية أو تقديم ضمانات سداد الديون المستحقة بعنوان سنة 2024.

واعتبرت أن ذلك سيضاعف من صعوبات التمويل ويهدر فرص الاستثمار والتنمية ويزيد من مصاعب المعيشة ويضعف الأمل في أي إصلاح أو تحسن أو خروج من الأزمة.

وذكرت الحركة بأنها غير معنية بالانتخابات المحلية والجهوية التي قالت انه يجري التحضير لها في ظل لامبالاة من المواطنات الذين أرهقهم ندرة المواد الأساسية وارتفاع أسعارها.

ولا يختلف موقف النهضة عن ممارسات الإخوان في الدول العربية التي حملت القضية الفلسطينية رسائلها وشعاراتها وأهدافها السياسية عبر التعاطف المزعوم، فهي ليست بعيدة عن إخوان الأردن الذين عمدوا إلى المزايدة على الموقف الرسمي، غير مهتمين بحساسية الموقف الأردني، حيث نظموا مسيرات للمطالبة بوقف الاتفاقيات مع إسرائيل، في الوقت الذي تتعرض فيه القيادة الأردنية والجيش إلى حملة تشكيك حيال الموقف من الحرب على غزة.